خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحد سايس سيارات (4) | صور مشقلبة | د. أحمد صادق



صورة واحد سايس سيّارات (4)

 

 

الأحد:

أوِّل أيّام العمل هذا الأسبوع والموْقَف زحمة جداً وامتلأ عن آخره، ممّا اضطرني لأن أنزل اشتغل بنفسي مع الصبيان لأُساعدهم في رص العربات التي ليس لها مكانٌ في الشوارع والأزِقّة المُحيطة بالمَوْقَف بعد أن وضعت يدي عليها ونشرت صُبياني في كل شبرٍ منها.

وقبل الظهيرة حضر لي شخصٌ يرتدي نظّارةً غامقةً وبِذلةً سوْداء ورَبطة عُنُقٍ – تدُل على أنه سائقٌ لشخصيّةٍ هامّة – وهو يقود سيّارةً "مرسيدس" سوْداء (عليها لوْحاتٌ رماديّةٌ ما يعني أنها تتبع الحكومة أو القطاع العام أو المُحافظة) طالباً مني أن يركِن دقائق حتى يخرُج الباشا (يعني الشخصيّة الهامّة صاحبة السيّارة التي يعمل عليها هذا السائق)، فطلبتُ منه أن يركِن صف ثالث بالشارع وأعطيْتُه إيصالاً وكتبتُ عليه ساعة الوصول لمُحاسبته عندما ينصرف، وبعد دقائق ناداني قائلاً:

-       يا ريّس .. خُد اقول لك.

-       نعمين .. خير.

-       خلّي بالك م العربيّة ع بال ما اروح للباشا وارجع تاني .. أصله اتصل بيَّ وأمرني أروح له علشان اشيل شنطته وشويّة ملفّات.

-       طب سيب مفاتيح العربيّة.

-       ده انا مش ح اخُد خمس دقايق.

-       إن شا الله دقيقة .. إفرض حد من اصحاب العربيّات اللي انت قافل عليهم عايز يطلع أجيبك منين ساعتها.

-       يا ريّس ده انا راجع على طول .. مش ح اتأخّر .. ده ح ابقى هنا جنبك.

-       خلاص حاسبني وخُد العربيّة روح بيها مطرح ما انت عايز .. ما تصدَّرها ليش كده.

-       ما هو الشارع ده اتجاه واحد وما ينفعش امشي فيه عكس .. وعشان اروح للباشا ح اضطر اروح لغاية الميدان وارجع تاني .. دي فيها ساعة وشويّة.

-       يا عم وانا ما لي .. أنا باتكلّم عن شُغلي وانا أدرى بيه.

-       طب خُد المفاتيح أهِه .. خلّي بالك منها.

-       يا راجل هوَّ انا ح اكلها .. ده انا ازوِّدها لك.

-       ماشي ماشي .. أهو الباشا بيرن عليَّ تاني.

وانطلق السائق يجري بين السيّارات ليلحق برب عمله قبل أن يُعنِّفه على تأخُّره عليه. 

وبعد دقيقةٍ واحدةٍ جاء من بعيد ذلك السائق ذو النظّارة الغامقة والبِذلة السوْداء ولكن بدون رَبطة العُنُق (ويبدو أنه خلعها)، وما إن رأيْتُه حتى جريْتُ نحوه قبل أن يصل للسيّارة وبادرته بالسؤال:

-       ما اتأخَّرتش فعلاً زي ما قولت .. حصل حاجة؟

-       نعم؟!

-       يعني مش شايفك شايل شنطة ولا ملفّات!  

-  شنطة إيه وملفّات إيه؟!! .. أنا مش فاهم حاجة.

-  الظاهر الباشا بتاعك زعَّلك علشان اتأخَّرت عليه.

-       آآآ .. أصل .. آآ ....

-       عموماً خُد المفاتيح أهِه واطلع بالعربيّة عشان اطلّع العربيّة اللي جوَّه.

-       آآآ .. العربيّة؟!!! .. بتاعتي أنا؟!!!! .. فين؟!!!!! .. آآآآ .. طب ماشي ماشي .. آآآآآ .. طب ما تطلَّعها لي انت .. أحسن اخوك لِسّه جديد ف السواقة وخايف أخبطها وهيَّ مزنوقة .. أكيد ح تبقى مزنوقة.

-       يا راجل!!! .. هيَّ كده مزنوقة؟! .. يعني سوّاق جديد وغشيم وبتسوق عربيّة تِسوى ملايين!! .. ربّنا يستُرها معاك ويستُر طريقك.

وذهبتُ للسيّارة التي كانت على بعد أمتارٍ وجلستُ خلف المِقوَد وأخرجتُها له من مكانها الضيّق إلى عرض الطريق، وطلبتُ منه عشرة جُنيْهاتٍ لكنه أعطاني عشرين وهو يدعو لي.

وبعد خمس دقائقَ أتي لي نفس السائق (ويبدو أنه عاد فارتدى رابطة العنق من جديد وكان وراءه بمسافةٍ شخصٌ يرتدي نفس الملابس ولكنه أكبر في السِن كثيراً ويبدو أنه سائقٌ زميله) وهو يحمل حقيبةً وعِدّة ملفّاتٍ طالباً مفاتيح السيّارة الـ"مرسيدس" بسُرعة، فابتسمتُ أوّل الأمر ظنّاً مني أنه يمزح معي ولكنه ألح في طلبه، فذكَّرتُه بأنني أعطيْتُه المفاتيح منذ بُرهةٍ وأنه انصرف بها ولا داعي لهذه الحركات النُص كُم، فوجِئتُ بأنه يصرخ في وجهي ويتشبّث برقبتي لاعناً إيّاي بألفاظٍ قذرة، ولم أشعر بنفسي إلّا وأنا أكيل له اللكمات حتى سالت الدماء من وجهه، وعندئذٍ تدخَّل الشخص الذي معه وحاول أن يمنعني من مواصلة ضربي لزميله، فاضطررتُ لمناداة صبياني ف المَوْقَف لنجدتي خوْفاً من تعرُّضي للاعتداء من هذيْن السائقيْن وأنا وحدي، ولبّى الصِبية والشباب ندائي وقاما بالواجب مع السائقيْن حتى غابا عن الوعي تماماً وجاءت سيّارة الإسعاف لنقلهما لمستشفى "القصر العيني" القريبة بعد أن أبلغ بعض المارّة عن المُشاجرة.

بعد أقل من ساعةٍ واحدةٍ فوجئتُ بعِدّة سيّارات شُرطةٍ تقف أمام المَوْقَف وتُلقي القبض عليَّ وعلى صبياني كلّهم بتُهمة التعدّي بالسب والضرب على مُحافِظ "القاهرة" وسائقه!!!!!

google-playkhamsatmostaqltradent