القط الغطيس (1)
- سلامُ عليكم.. إيه
إتأخّرت؟
- وعليكم السلام ورحمة
الله وبركاته.. ده احنا مستنيينك بقى لنا ساعة يا دكتور "مدحت".
- معلهش.. كان عندي
سبّوبة تانية.. كنت بانيّم حالة ف مستشفى الدكتور "نعمان" ولسّه مفوّقها
ده الوقت واللهِ.
- لو المدير عرف
بالكلام ده ممكن يحوّلك تحقيق.. مش الراجل منبّه علينا ما نشتغلش
"بريفيت" ف المستشفيات الخاصّة طول ما عندنا نوبتجيّة هنا ف مستشفى
وزارة الصحّة.
- يا سيدي.. يعني ح
يعرف منين.. وبعدين هوّ مُرتَّب الوزارة بيأكّل عيش حاف.. يحمدوا ربّنا إننا ما
رمينالهمش استقالاتنا وشوفنا مصلحتنا برّه.. مين يقول إن دكتور تخدير زيّي يبقى
مرتّبه سبعميت جنيه ف الشهر.. دول ما يكفّوش بنزين للعربيّة.. بس اسمي الدكتور راح
والدكتور جا.. يا شيخ بلا خيبة.
- طب ياللا بينا بقى
أحسن الحالة ح تولد على روحها م الصبح.
- آه والنبي ياللا
بسرعة.. عايزين نخلّص لستة الولادات القيْصريّة النهار ده بدري علشان عندي نحتاية
كمان ف مركز العيون.
- يخرب عقلك.. إنت
ما بتونِّش.. طالع واكِل نازل واكِل.
- الله أكبر ف عينك
يا خويا.. ما انت راخر بتولّد كل يوم ولا عشر حالات.. حد قال لك حاجة.
- ها ها.. ماشي يا
عم.. مردودة لك.. ياللا يا "كريمة" دخّلي الحالة.
- أنهي يا دكتور.
- الست النوبيّة
السمرا قوي دي.. أحسن دي على آخرها.
وغابت الممرّضة
لحظات قبل أن تعود ومعها سيّدة ذات بشرةٍ سوداءٍ داكنة تتأبّط ذراعها وترتعش في
مشيتها من الرهبة فأرقدتها الممرّضة على سرير العمليّات وأسلمتها إلى طبيب التوْليد
ومعاونيه ووقفت هي إلى جوار دكتور "مدحت" لتساعده في عمله، ودار بيْنهما
هذا الحوار الجانبي :
- ها يا دكتور..
عايزني ف حاجة؟
- طبعاً يا
"كركر" هو انا اقدر استغنى عنِّك.. هاتي لي حقنتين "إنترافال"
نص جرام.. على بال ما اظبّط "الهالوثان" ف جهاز التخدير.
- حقن
"إنترافال" إيه يا دكتور؟.. ما انت عارف إن كل الكميّة اللي ف المستشفى
تاريخ صلاحيّتها خلص من شهرين.. مش حضرتك صرفت خمس علب كبار تاريخهم جديد أول
امبارح من صيْدليّة المستشفى.. راحوا فين؟
- لأ دول أخدتهم
معايا علشان شغلي برّه.
- أمّال ح تنيّم
الحالات بإيه؟
- ما انا كنت سايب ف
الدولاب ييجي علبتين ونص.. وكل علبة فيها خمسة وعشرين حقنة.. هاتي لي منهم.
- باقول لك تاريخهم
خلصاااان.. إكسبايرد.
- شششت.. إنتي ح
تسيّحي.. وطّي صوتك ما انا سامعك.. أنا عارف انا باعمل إيه.. إسمعي الكلام بس وبلاش
رَط كتير.
- يا دكتور الحالة
تموت مننا بعدين.
- تموت إيه يا عبيطة..
ده البنج كل ما قِدِم وعَتّق مفعوله بيبقى أحسن.. زي الخمرة تمام.. وبعدين يا ستّي
أنا المسؤول.. إنتي ما لِك؟
- إنت حر.. بس انا
باقول يعني الحكاية مش مستاهلة.. دي الحقنة سعرها أقل من عشرة جنيه.
- مش باقول لِك
عبيطة.. هيّ الحكاية حكاية فلوس؟.. الحقن دي مستوردة وما حدّش لاقيها برّه بعد ما
الدولار سعره بقى ف السما.. مش حرام نرمي الحقن اللي ف الدولاب.. آديهم ح ينفعوا
الحالات اللي هنا.. والحقن اللي معايّ ح تستفيد بيها حالاتي الخاصّة برضه.
- طيّب.
وأصر
"مدحت" على استخدام الحقن منتهية الصلاحية فقام بحقنها داخل وريد
السيّدة السمراء التي ما لبثت أن ساءت حالتها وتسارعت دقّات قلبها وانخفض ضغط دمها
جرّاء هذه الحقن الفاسدة فأسقط في يد "مدحت" ولم يدرِ كيف يتصرّف أوّل
الأمر خاصّةً وأن طبيب التوْليد قد شرع في شق رحم السيّدة لإخراج الجنين من بطنها،
ولكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه وقرر أن يحقن السيّدة بالترياق الذي يضاد ويمحو
آثار التسمّم بالحقنة الفاسدة التي أعطاها للسيّدة دون وازعٍ من ضميرٍ أو أخلاق، وصاح
"مدحت" من فوْره في طبيب التوْليد الذي لاحظ ارتباكه :
- فاضل لك قد إيه وتطلّع
العيّل يا دكتور؟
- فاضل بتاع عشر
دقايق بس.. بتسأل ليه يا "مدحت"؟.. فيه حاجة؟
- عشر دقايق إيه..
ده كده الست ح تروح منّي.. الظاهر كده عندها حساسيّة م "الإنترافال" وجا
لها تسمّم منّه.. أنا لازم أدّيها حقنة "مايكديمايد" ده الوقت حالاً.. ما
اقدرش استنّى ولا دقيقة أحسن تموت.
- بس حقنة
"مايكديمايد" دي ح تعدّي ف الدم وتوصل للجنين عن طريق المشيمة وتعمل له
تشنّجات ويمكن يموت.
- يروح ف داهية.. مش
أحسن ما الست تموت ونلبس اسود كلّنا.. ده ممكن يوقفونا عن العمل أصلاً.