- آلو.
- أيوه.
- مساء الخير يا افندم.
- مساء النور.
- مع حضرتِك "مدحت" من قسم العروض
بشركة "تلي إيجيبت" لخدمات المحمول.. ممكن تسمحي لي بدقيقتين من وقت
حضرتِك؟
- اتفضّل.
- حضرتِك ليكي صديقة اسمها "حياة السيد
السايب" ادّتنا تليفونِك ورشّحتِك لينا علشان تغيري من نظام الكارت لنظام
الخط لإنك - حسب ما قالت - عايزة تغيّري النظام القديم واتصالاتِك من هنا ورايح ح
تبقى كتير.. تمام كده؟
- تمام.
- الأوّل خلّيني اكلّمِك عن النظام الجديد
اللي سيادتِك ح تشتركي فيه.. لمّا ح تدخلي النظام الجديد ح تلاقي إن التمن اللي ح
تدفعيه ح يبقى أكـتر كـتير مـن اللي كـنت بتتكلّفيه ف النظـام القديم.. بس قُصاد
كده ح تستفيدي بمميّزات ما لهاش حصر.. يعني مثلاً تقدري تعملي مكالمات أو رسايل إس
إم إس لأي تليفون ف أي وقت وف أي مكان ف "مصر" بسعر معقول.. وكمان
المكالمات الدوليّة بدون حد أقصى.. وممكن تدخلي الشبكة.. قصدي الشبكة
العنكبوتيّة.. الإنترنت يعني.. بدون أي تكاليف زيادة بل بالعكس كل ما ح تدخلي
الشبكة أكتر كل ما ح تستفيدي أكتر واكتر.. لأنِك بتكسبي نُقَط زيادة بتنضاف
لرصيدِك.. لغاية ما تجمَّعي عدد مُعيَّن م النُقَط تدخلي بيه سحب شهري على جوايز
كتيرة بتقدّمها شركتنا للعملاء المميّزين اللي زي حضرتِك.. ها؟.. إيه رأي حضرتِك ف
النظام ده؟.. موافقة تدخلي فيه؟
- ماشي.
- طيّب ممكن نراجع مع بعض بيانات حضرتِك؟..
الإسم الثلاثي؟
- "شريفة محمود النِمَكي".
- تاريخ الميلاد؟
- خمسة وعشرين أغسطس تسعة وتمانين.
- رقم البطاقة من الشمال؟
- لحظة واحدة..... واحد تمانية تسعة صفر
تمانية اتنين خمسة صفر أربعة صفر صفر واحد تلاتة سبعة اتنين.
- طب والعنوان اللي ح نراسلِك عليه زي ما
هوَّ متسجّل عندي؟.. تسعة حارة "الكرامة" "بولاق"؟
- بس من الأسبوع الجاي ح اعزّل ف تلاتاشر
شارع "الجواهر" ف "جاردن سيتي".
- مبروك.. كده حضرتِك بقيتي مُشترِكة معانا
بالفعل ف النظام الجديد.. بس اسمحي لي اتّصل بيكي ف خلال ساعة علشان ابلّغك بميعاد
تفعيل الخِدمة.. شكراً ليكي.
- العفو.
وأغلقت "شريفة" الهاتف المحمول
ونهضت لتطمئن على والدتها المريضة الراقدة على فراشها المتهالك في الحجرة
المجاورة؛ فألْفَتها ما بيْن الاستيقاظ والنوم من فَرْط إعياءها، فبادرت بسؤالها :
- عاملة إيه ده الوقت يا أُمي؟
- الحمد لله.. أنا بقيت احسن من ساعة ما اخدت
الحقنتين الصبح.
- ألف سلامة عليكي.. إن شا الله كنت انا.
- بِعد الشر عنِّك.. ما تقوليش كده أحسن ازعل
منّك.. إلّا انتي لابسة كده ورايحة على فين؟
- أصلي لقيت شغلانة تانية ف مستوْصَف ف وسط
البلد.. والليلة دي ح استلم الشغل الجديد.
- شغل إيه ده اللي يبتدي بعد الساعة تسعة
بالليل؟.. طب وشغلِك ف المصنع الصُبح؟
- ما انا ح اشتغل موظّفة استقبال ف نوبتجيّة
السهر من عشرة بالليل لحد تاني يوم الصبح.. وشغلي ف المصنع سِبْتُه خلاص.. أصلي
تعبت قوي منه.. والمدير مش سايبني ف حالي.. طول النهار وهوَّ بيحَرْجِم حواليَّ..
طمعان فيَّ زي غيره.. وبعدين ف الشغلانة الجديدة دي ح يدّوني مرتّب كبير قوي لو
انبسطوا مني.. ده غير الإكراميّات والهدايا اللي ح آخدها م الزباين.. العيّانين
يعني اللي ح يخفّوا أو اللي ح يولدوا ف المستوصف.. بس انتي ادعي لي يا امَّه أسّد
ف الشُغلانة دي واستحمل تعبها.
- ربّنا يا بنتي يوفّقِك ويبعد عنِّك ولاد
الحرام.. ويقوّيكي عليَّ انا واخواتِك.. ويسّد ما عليكي.. يا ريتني كنت بصحّتي
علشان اشيل عنِّك الحِمل شويّة.
- إنتي ياما تعبتي وشقيتي علشانّا بعد موت
المرحوم.. جا الدور عليَّ انا بقى علشان اريّحِك شويّة.. وإن شاء الله مش ح اخلّي
اخواتى عايزين حاجة لحد ما يخلّصوا تعليمهم ويقدروا يعتمدوا على نفسهم.
- معلهش يا بنتي.. حظِك شويّة زي امِّك.. مش
كان زمانِك ده الوقت ف الجامعة زي صاحبتِك البِت "صفيّة" بنت "عبد
العزيز" جارنا؟
- يا حاجّة كفاية عليَّ الاعداديّة.. وهمَّ
اللي اتخرّجوا م الجامعة عملوا إيه يعني؟.. ما الشباب كُلّه بيشتغل يوم آه وعشرة
لأه.. آديكي شايفة البلد حالها واقف إزّاي.
ونظرت "شريفة" إلى ساعة يدها
الرجالي التي ورثتها عن أبيها فشهقت قائلة :
- يا خبر!.. أنا كده ح اتأخّر.. مع السلامة
بقى.. وإن شاء الله ح اجي الصُبح بدري علشان ألحق أدّيكي الحقنتين.. وح اجيب
معايَّ فول وطعميّة علشان الفطار.
- مع السلامة يا بنتي.. خلّي بالك من نفسِك..
وقبل ما تخرجي شَقَّري على اخواتِك.. شوفيهم ناموا ولّا لسه.. أحسن انا مش قادرة اقوم.
- ما تخافيش أنا حطيت لهم العشا وناموا قبل ما البِس.. وهمَّ بيعرفوا يعملوا السندوتشات ويلبسوا لوحدهم.. ده لو انا ما لحقتهمش الصبح قبل ما يروحوا المدرسة.. ما تنعيش الهم انتي وبُصّي لصحتِك.. السلام عليكم.
وخرجت "شريفة" من شَقَّتها
المتواضعة التي تخبر من يراها بأسرار ساكنيها وتفضح رِقّة حالهم وفقرهم وشدّة
عَوَزهم واحتياجهم، وهبطت الدرج بحرص لتفادي درجات السلم المكسورة، وما إن برزت
إلى الحارة حتَّى غذّت السيْر إلى الشارع الرئيس لتأخذ - على غير العادة - سيّارة
أجرة لتلحق بموعد عملها الجديد.
- تاكسي.. تاكسي.
- على فين يا آنسة؟
- "جاردن سيتي".. تلاتاشر شارع
الجواهر.. بسُرعة لو سمحت.
- بس ح اخد منك خمستاشر جنيه.
- ماشي.. خُد اللي انت عاوزه.. يعني هي جات عليك انت.
وبعد أن اعتدلت في جلستها على المقعد الخلفي
للسيّارة سرحت بتفكيرها في كل مَن حوْلها، فلم يكن سائق سيّارة الأجرة هو فقط من
يحاول استغلال حاجتها للوصول إلى موعدها بسرعة، ولكن كان أيضاً كل أصحـاب الأعمال
التي عملت فيها من قبل يستغـلّون حاجتها للعمل والمال فيكلّفّونها بالقيام بالكثير
من الأمور الخارجة عن عملها كسكرتيرة مثل شراء احتياجات بيوتهم وتنظيف مكان العمل
وغير ذلك مما لا تشمله مقتضيات وظيفتها، وليت الأمر توقّف عند هذا فقط بل كان
بعضهم أحياناً يتمادى فيراودها عن نفسها أو يغريها بالمال حتَّى تسلّم له نفسها،
ناهيك عن بعض التحرّشات الأخرى من نظراتٍ أو ألفاظٍ أو ملامساتٍ أو احتكاكات، ورغم
أنها كانت في كلِّ مرّةٍ تحاول صَدّهم والزوْد عن شرفها بكياسةٍ ولباقة حتَّى لا
تخسر مصدر رزقها ورزق مَن تعولهم إلا أن ذلك كان يزيد لهيب رغباتهم تحت تأثير
جمالها الطاغي فيصرّون على النيل منها ما استطاعوا مما يدفعها في النهاية لترك
العمل حين يضيق عليها الخناق وتستنفذ كل وسائلها للحفاظ على نفسها.