"للحب آلهةٌ كثيرة" | الفصل السادس (3)
وعندما عادت
"بسمة" للمنزل جابهت "كريم" - الذي لم يكن يعرف أن
"عبير" وراء كل تلك المصائب - بما وصلها دون أن تخبره بمصدره فحاول الإنكار في
البداية ثمّ اعترف لها بأن هذه السيّدة كانت واحدةً من المرضى وأقسم لها بأنه قد
صرفها تلك الليلة دون أن يحدث بينهما ما يشين ولكن هيهات؛ فقد ذهبت أيْمانه أدراج
الرياح بعد أن فقدت "بسمة" الثقة به وأصبحت "عبير" موضع ثقتها
الوحيد.
وظلّت
"بسمة" على خلافٍ مع "كريم" طيلة شهرٍ كامل؛ لا تكلّمه أو
تنظر إليه أو تتواجد معه في غرفةٍ واحدة؛ بل ورفضت كل محاولاته للتفاهم والصلح
ورأب الصدع الذي نشأ بينهما؛ وأفهمته أنها تعيش معه فقط تحت سقفٍ واحدٍ كالغرباء
من أجل ولديْها وأعلنته - بناءً على نصائح "عبير" لها - بأنها ستعطيه
فرصةً أخيرة لتقويم سلوكه وتنقيح تصرّفاته ليصبح جديراً بها كزوْج وبولديْهما كأب
وإلّا ستسعى لطلب الانفصال عنه والطلاق منه نهائيّاً حتى لا يفسد بنزواته ما قضت
عمرها في تلقينه لولديْهما من أخلاقٍ حميدة ومبادئٍ صالحة.
ولم تتّخذ "عبير"
موقف المتفرّج وسط كل هذه الخلافات الزوجيّة بل كانت تنتظر اللحظة الحاسمة في
الوقت المناسب حتى تُلقي بآخر أوراقها فتقطع آخر ما تبقّى من خيوطٍ واهية بين
"بسمة" و"كريم"، وكانت في تلك الأثناء لا تتنوانى عن النفخ
بكيرها في مستصغرات الشرر بين صاحبتها اللدود وزوجها لتحوّلها إلى نيرانٍ شديدة
تبقى متأجّجةً بيْن الطرفيْن، ولكن اللحظة الفارقة كانت قد تأخّرت بعد أن أصيبت
"عبير" بنزيفٍ حاد ممّا استدعى نقلها للمستشفى التي عادت لتعمل بها
صاحبتها "بسمة" التي لم تكتفِ بالإشراف على علاجها كطبيبةٍ فقط بل وقفت
بجانبها كصديقةٍ مخلصة أيضاً؛ فعندما فقدت "عبير" كميةً كبيرةً من دمها
أثناء النزيف استدعت حالتها أن تعوّضه بكميّة أخرى تُنقَل لها من شخصٍ آخر ولم يكن
هذا الشخص سوى "بسمة" التي تبرّعت لها بدمها عن طيب خاطرٍ ونيّةٍ صافية،
وهكذا كُتِب على "كريم" وزوجته أن يُنقِذا مرّتيْن حياة
"عبير" التي تحاول بأقصى جهدٍ لها أن تفرّق بينهما دون وازعٍ من ضمير أو
ذَرّةٍ من أخلاق، وأثناء مرضها واحتجازها بالمستشفى أحسّت "عبير"
بالخِسّة والنذالة وأيقنت أنها انحطّت إلى الدرك الأسفل من الحقارة والدناءة ورأت
أنها تقابل معروف حبيبها وصديقتها بمنتهى الإساءة وأدركت أنها تأخذ خيْر ما عندهما
وتعطيهما كل ما بنفسها من شر، وبعد تفكيرٍ عميق تابت وأنابت وقرّرت أن تعود عن
غيّها اللئيم وتتركهما لولديْهما معاً وتخرج من حياتهما للأبد ويكفي منها ما كان.
وكأي إنسانٍ هش
الإرادة ضعيف العزيمة ينوي التوْبة والأوْبة عن ذنوبه وقت ضعفه وحاجته فقط عادت
"عبير" عن قرارها بعد أن تم شفاؤها ومنَّ الله عليها بالتعافي من مرضها؛
فزيّن لها إبليسها الخنّاس أن تُكمل ما بدأت وتفرّق بين "كريم"
و"بسمة" ليخلو لها وجه حبيبها فيترك زوجته ويعود إليها فتنعم بالعيشة
معه كما خطّطت؛ خصوصاً وقد قارب أملها على أن يتحقّق، ولكي تضع القشّة الأخيرة فوق
ظهر البعير لتقصمه اتّصلت "بكريم" وأفهمته بأنها تريد أن تقابله في
النادي لأمرٍ هام ولكنه رفض بشدّة أوّل الأمر حتى لا يحيي أموراً يريد مواتها ولا
ينكأ جروحاً يروم شفاءها ولكنه استجاب لها بعد إصرارها الجارف وإلحاحها الجبّار،
وسارعت "عبير" فذهبت "لبسمة" في عيادتها ووَسوَست لها قائلةً
:
- "عزيزة"
اتّصلت بيَّ وقالت لي إن جوزِك اتّصل بجوزها وقال له إن بيعرف واحدة جديدة وح
يقابلها ف كافيتيريا النادي بكره الساعة خمسة العصر وبعدين ياخدها على شقّته اللي
مأجّرها ف وسط البلد قبل ما يروح العيادة.
- معقولة!
- عموماً الميّه
تكدّب الغطّاس روحي اظبطيه هناك.
- وبعدين؟
- ولا قبلين .. يبقى
خلاص .. ديل الكلب عمره ما ح ينعدِل .. يبقى كده ما فيش فايدة ف الراجل ده .. وما
فيش حل غير الطلاق.
- بس افرضي اتحجّج
بأي حجّة .. قال إنه جاي ياخد القهوة بتاعته ف النادي مثلاً أو جاي يقابل حد من
اصحابه وقابل بالصدفة ست من الستّات اللي كان بيعالجهم .. ما هو كل مرّة بيقول كده
.. وانا مش قادرة امسك عليه حاجة ملموسة ومؤكّدة.
- مش هوَّ بيقول لِك
إنه ما بيعتّبش النادي .. لمّا تطبّي عليه مش ح يقدر ينكِر .. هوَّ انتي يعني ح
تفضلي ساكتة عليه لغاية ما تظبطيه مع واحدة ع السرير .. إخلصي منه قبل يعمل لِك
فضيحة مع واحدة من ايّاهم.
- عندِك حق .. وانا
كده ما حدّش يقدر يغلّطني .. حاولت اعدله وهوَّ مش عايز يغيّر طبعه النِجِس.
وفي اليوم التالي ظلّت "بسمة" تنتظر في ركنٍ منزوٍ بمقهى النادي دون أن يظهر "كريم" الذي ألهمه الله الصواب فأعاد تفكيره بالأمر وقرّر أن يتجاهل "عبير" ولا يقابلها ليظل بعيداً عن المشاكل فربما يراه هناك أحد ويخبر زوجته فتتجدّد المشادّات التي هدأت قليلاً في الفترة السابقة (أثناء مرض "عبير")، وعندما فات الموعد المحدّد اتّصلت "بسمة" بزوجها على هاتفه المحمول لتعرف مكانه فأخبرها أنه بالمستشفى ولكي تتأكّد أغلقت الخط وعادت لتتّصل به على تليفون المستشفى الأرضي فأجابها بعد أن استنبط أنها تراقبه لشكّها فيه، ولامها على سوء ظنّها وطلب منها أن تفتح صفحةً جديدةً معه وسألها إلى متى ستستمر بهما الحياة هكذا؟ وما هي نهاية هواجسها التي لا توجد سوى في مخيّلتها فقط؟، ووجدت "بسمة" أن كلام زوجها منطقيّاً بعد أن ثبتت براءته ممّا قالته لها "عبير" بشأن مقابلته لإمرأةٍ أخرى فقطعت "لكريم" وعداً بأن يبدآ من جديد وأن تنسى ما كان شرط أن يُظهر هو لها عكس ما كانت تعتقده فيه، وهكذا انقلب السحر على الساحر فقد تسبّب هذا الموقف في تصافي الزوْجيْن وجلاء خلافاتهما فحبط هذه المرّة عمل "عبير" التي عرفت بعد ذلك ما حدث فعضّت على نواجذها من الغيظ واعتزمت أن تُنهي خطّتها بالضربة القاضية التي تضمن لها الانتصار في معركة الحب والبقاء.