المظلّة السوْداء (1)
كان الحاج "عبد
الغني" جالساً في مكتبه يرتشف كوباً من الشاي أثناء مراجعته الروتينيّة لبعض
الأوْراق الخاصّة بمصنع النسيج الذي يملكه حين سمع طرقاً خفيفاً على الباب كان
صاحبه هو سكرتيره الذي أبلغه بأنّ أحد الأشخاص يريد أن يقابله لأمرٍ خصوصي فأذن له،
ودلف هذا الشخص الذي بدا عليه وقار الخمسينيّات إلى غرفة المكتب وسلّم على الحاج وفاتحه
في الأمر قائلاً :
- واللهِ يا حاج انا
جاي لك ف طلب بايخ شويّة.. بس اللي سمعته عن سيادتك وعن كرم أخلاقك يخلّيني أتعشّم
فيك.
- وان شاء الله يكون
عشمك ف محلّه.. أأمر.
- الأمر لله.. ما
يأمرش عليك ظالِم.. بقى انا يا سيدي اسمي "نادر جلهوم" صاحب مصنع
"إن جي تِكس" للنسيج ف شبرا الخيمة.. منافس ليك ف السوق يعني.. بس ده ما
يمنعش إنّي أتقِّل عليك بطلبي ده.
- يا سيدي ما فيش
منافسة ولا حاجة.. كلّنا زمايل على باب الله.. هوّ اللي بيرزقنا جميعاً.. أطلب وما
تنكسفش.
- سيادتك عارف أزمة
المواد الخام بتاعتنا.. الغزول يعني.. أنا كنت جاي قاصد حضرتك إنّك تتنازل لي عن
جزء من حصّة الغَزْل بتاعتك اللي بتاخدها من الشركة القابضة للغزل والنسيج.
- وانت فين حصّتك؟
- للأسف سيادتك عارف
إنّه حسب القرار الجديد المصانع اللي إنتاجها السنوي أكتر من ميت ألف طن هيّ اللي
بتصرف الحصّة بس.. زي مصنعك كده.. إنما مصنعي ما لهوش كوتة إكمن إنتاجه أقل من كده
بكتير.
- أمّال كنت بتعمل
إيه قبل كده؟
- كنت باستوْرد غزول
من "الهند" و"باكستان".. إنما ده الوقت ما ينفعش علشان سعرها
زاد الطاق طاقين.. بسبب فرق سعر الدولار اللي ارتفع وبسبب الجمارك اللي زادت ع البضايع
المستوْردة.. أنا عارف إني باغلِّس عليك.. بس لوْ ما جبتش مواد خام بسرعة مصنعي مش
ح يشتغل والعمّال ح يتشرّدوا.. واللهِ المصنع ده بناه أبويا المرحوم الحاج
"شحته جلهوم" طوبة طوبة بعرقه ودمّه لغاية ما بقى له إسم ف السوق..
إنّما الظروف بقى هيّ اللي ح تخلّيه يتهد وشقانا العمر كلّه يضيع ف غمضة عين.
- لا يا راجل كفى
الله الشر.. إن شاء الله ح يفضل مفتوح بحسّك والحاج والدك ح يفضل مستريّح ف نومته.
- أفهم من كده إن
سيادتك وافقت تدّيني جزء من حصّتك؟
- لا يا عم.. مش ح
ادّيك جزء.. أنا ح ادّيك حصّتي كلّها.. مش محتاجها.. أصل لسّه عندي نص الحصّة
بتاعة السنة اللي فاتت وكنت ناوي آخد حصّة السنة دي أخّزنها.. إنت أوْلى بيها..
حلال عليك.
- الله يكرمك يا رب..
ويكتّر من أمثالك.. بس ياريت تدّيها لي بسعر مناسب.. أنا مستعد أدفع تمنها زائد
تلاتين ف الميّه مكسب لسيادتك.
- يا راجل عيب.. هوّ
انا ح اكسب ف بضاعة ما اشتغلتش فيها؟.. أنا دفعت تمن الحصّة بالكامل ولمّا اجي
استلمها ح اخلّي العربيّات تاخدها من مخازن الشركة القابضة على مخازنك من برّه
برّه.. ولمّا ربّنا يسهّلها معاك تبقى تدفع لي اللي انا دفعته من غير مكسب ولا
حاجة.. أنا مكسبي إنّنا نبقى اخوات.
- أنا مش مصدّق.. ده
كرم وإنسانيّة فوق الوصف.. ده انا اللي سمعته عنّك كان شويّة واللهِ.. معقول فيه
ناس ف أخلاقك كده اليومين دول؟
- يوووه.. كتير..
الدنيا لسّه بخير.. والله في عوْن العبْد ما دام العبْد في عوْن أخيه.. والمليان
يكب ع الفاضي.. مش كده ولّا إيه؟
- والله مش عارف
أقول لك إيه.. إنت أنقذتني وان شاء الله ربّنا ح يجازيك كل خير عنّى وعن عمّال
المصنع اللي ح تفضل بيوتهم مفتوحة بفضلك.
ونفّذ الحاج
"عبد الغني" وعده وتنازل عن حصّته خالصة الثمن مُسْبَقاً للحاج
"نادر" الذي أجّل سداد ما عليْه حتّى تتيسّر أموره.