صورة واحد شحات (3)
الجمعة:
مرّ عامٌ ونِصفٌ على
تغيير الكاريير الخاص بي ومُمارستي للتسوُّل الذي أغدق عليَّ بأموالٍ لم أكُن
أحلُم بها، ولكن المُشكلة أنني بدأتُ أمِلُّ من أداء نفس الدوْر التمثيلي كل يوْم،
وشعرتُ بأنني حصرتُ نفسي في دوْرٍ واحدٍ كبّلني وقيَّد إمكانيّاتي وقُدراتي
الفنيّة المُبدِعة.
اهتديْتُ أخيراً إلى
تنويع أدواري كل فترة، فتارةً كنتُ أتسوَّل أمام الجوامع وأنا أرتدي عباءةً وأضِع
حوْل عُنُقي مجموعةً من السِبَح الغليظة أو المسابح الطويلة أو القلائد ذات الخرز
المُلوَّن وأجلس على الأرض في هدوءٍ وأنا أُتمتِم ببعض الآيات القُرآنيّة
والأذكار، وتارةً أُخرى أتسوّل أمام الكنائس وأنا أرتدي جلباباً وأتقلّد صليباً
خشبيّاً ضخماً وأجلس على الأرض في هدوءٍ وأنا أُغمغِم ببعض نصوص الإنجيل
والتراتيل، وتارةً ثالثةً أرتدي نِقاباً وأتسوَّل كسيّدةٍ وأن أحمل دُميةً ملفوفةً
لطفلٍ رضيعٍ دون أن أنبس بكلمة، ومرّةً أجوب القطارات والحافلات لتوْزيع أي سلعةٍ
رخيصةٍ يرُدّها الناس لي ثانيةً مع ما تسنّى لهم من صدقة، ومرّةً أُخرى أضع مكياج
رجلٍ مُسِنٍ وأحمل ملفاتٍ لأشعةٍ وتحاليلَ وروشِتّات وأتسوَّل بها أمام المُستشفيات
بحُجّة جمع المال للعلاج من السرطان أو لغسيل الكُلى وخلافه، ومرّةً ثالثةً أرتدي
بِذلةً فاخرةً وأتجوَّل في الأماكن الراقية لأقصد الأغنياء في إعطائي ما يُمكِّنني
من ملء الوقود بسيّارتي أو لقطع تذكرة العوْدة لبلدي البعيدة بعد نفاذ نقودي أو
ادّعاء سرقتها .... إلخ إلخ.
وهكذا أرضيْتُ روح
الفنّان بداخلي وأشبعتُ ميولي التمثيليّة وشحنتُ بطاريّاتي الفنيّة بتقمُّصي
للعديد من الشخصيّات التي استدعيْتُها من مخزون خبراتي الحياتيّة المتنوِّعة .. من
يومك فنّان يا ابني واللهِ.
الثُلاثاء:
الحمد لله، فعلى مدار سنواتٍ
خمس جمعتُ من المال ما جعلني صاحب فيللا فاخرةٍ بأرقى مكانٍ في العاصمة، وصاحب
سيّارةٍ فخمةٍ ذات موديل حديث، وصاحب أُسرةٍ صغيرةٍ سعيدة، وصاحب جمعيةٍ خيْريّةٍ
معروفةٍ في الوطن كلّه بأعمالها ونشاطاتها في مجال جمع أموال الزكاة والصدقات والتبرُّعات
لمُساعدة مرضى السرطان والحروق وأمراض القلب والعيون والكلى وذوي الاحتياجات
الخاصّة واليتامى وأبناء السبيل، وكذلك لبناء مشروعات إنشاء مساجد للعامّة ومساكن
للفقراء وتوْصيل مياهٍ نظيفةٍ لهم وإطعامهم وكسوتهم، بخلاف بعض أهداف الخير الفَكّة
الأخرى كشراء صكوك الأضاحي وشُنط رمضان وسلع غذائيّة للنازحين من
"سوريا" واللاجئين من "اليمن" والمُصابين من
"ليبيا" وضحايا الزلازل في "تُركيا" والبراكين في
"إندونيسيا" وتسونامي في "ماليزيا" والمُسلمين المُضطهدين في
"بورما" و"الهند" و"الصين" و"تايلاند"
و"أفريقيا الوسطى" .... إلخ إلخ .. الحمد لله العالَم الإسلامي كلُّه
بلاوي ومصايب وكوارث تستحق الإحسان.
وبصراحة الجمعيّة
الخيْريّة دي كانت وِش الخير عليَّ، ففي خلال سنةٍ واحدةٍ فقط أغرقتُ القنوات
التليفزيونيّة بإعلانات حملات التبرُّعات (خصوصاً في فواصل مسلسلات شهر رمضان) وطاردتُ
المُتبرِّعين أيضاً في الراديو والفيسبووك واليوتيوب وباقي المواقع ولم يتبقّى سوى
أن أطلع لهم في الحمّام أو في أحلامهم، وكانت النتيجة مُذهَلةً بكُل المقاييس فقد
جمعتُ المليارات من الداخل والخارج، ولأن العمل الخيْري أمانة فبعد خصم مصروفات
الحملات الإعلانيّة قُمتُ بتخصيص أكثر من عشرةٍ بالمائة من أموال التبرُّعات لتذهب
لمُستحقّيها في مصارفها المُختلِفة، أمّا الباقي (أقل من تسعين بالمائة فقط) فقد
ذهب مُباشرةً إلى حسابي الخاص – بالجنيه والدولار والريال وباقي العُملات –
باعتبار أنني أقع تحت بند "العاملين عليها" أي العاملين على جمع أموال
الزكاة والتبرُّعات، وقد حدَّدتُ نصيبي بعد أن استفتيْتُ قلبي ورفضتُ أن آخذ برأي
دار الإفتاء التي أفتت بأن الجمعيّات الخيْريّة لا ينطبق عليها هذا المبدأ الشرعي
.. مُجرَّد وجهات نظر وما حَدِّش واخد باله من حاجة.
الجمعة:
سبعة أعوامٍ مضت منذ
آخر مرّةٍ شاهدتُه فيها، سبع سنينٍ كانت كفيلةً بقَلْب كل الموازين، أخيراً التقيْتُه
اليوْم صُدفةً في الحفل الخيْري الذي أقامته جمعيّتي "كُع ف الخير" لجمع
التبرُّعات لعلاج ضفادع وسحالي "باب اللوق" المحرومين من الإنجاب، كان
لا بُد لي من أن أُكافئ هذا الرجل الحنون الذي تعاطف معي في وقتٍ كنتُ في أمس
الحاجة إلى مَن يؤمن بي، فبعد أن أخذتُه في أحضاني وذكَّرتُه بنفسي (وهو أغلب الظن
لم يتذكَّر) بشَّرتُه بأنني انتويْتُ أن أُكوِّن شركة إنتاجٍ سينمائيّةٍ كُبرى
ويكون هو مُخرج كل أفلامها، ولكنني اشترطتُ عليه أن يُغيّر اسمه الذي لن يكون
لائقاً به بعد الآن، فيجب أن يتغيَّر اسمه الحالي من "تميم أسّيست" إلى
"تميم أكشَن".
وعندما طلب مني أن أقوم
ببطولة بعض أفلام الشركة أو كلّها لأُشبِع رغبتي الفنيّة وأُحقِّق حلمي في التمثيل
اعتذرتُ له بلُطفٍ قائلاً وسط دهشته ممّا أقول:
- ومين قال لك إني ما أشبعتِش رغبتي وحقَّقت حلمي؟ .. الحمد لله أنا راضي عن كل أدواري آخر سبع سنين.