صورة واحد حانوتي (3)
الثُلاثاء:
الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات، عرابين
ومُقدِّمات حجز الوحدات تتدفَّق بغزارةٍ وكأن الناس ما صدَّقوا لقوا لهم مَتوى
تلِمُّهم بعد ما يتوفّاهم الله.
السبت:
نفذت جميع وحدات القبور في أقل من خمسة
أيّامٍ فقط، فقرَّرنا تكرار نفس المشروع في منطقةٍ مجاوِرة وأسميْناه
"التجمُّع الأخير" .. ربّنا يكرمنا ويحنِّن علينا.
السبت:
بعد الانتهاء من عِدّة مشروعاتٍ
بـ"القاهرة" هدانا الله لنتوسَّع ونُقيم مشروعيْن مُماثِليْن على أطراف
"الأسكندريّة": "المنارة الجديدة" (على غِرار مدافن
"المنارة") و"مقابر كوم القرافة" (على غِرار "مقابر كوم
الشقافة").
السبت:
بعد عوْدتي من أجازةٍ قصيرةٍ – بدأتُها
بجوْلةٍ في "أوروبا" وأنهيْتُها في جُزُر "المالديف" – فاتحتُ
أخي في شراء أرضٍ كبيرةٍ بالكيلو 170 بالساحل الشمالي لإنشاء قرية "بورتو
مدافن" حيث يُمكِننا أن نقيم مقابر للأموات وشاليهات لذويهم وملاهي مائيّة
لأطفالهم، كما اقترحتُ عليه أفكاراً جديدةً مثل: تغسيل الموْتى بمياه البحر
ليشعروا بالانتعاش في آخر حُمّاية لهم، تكفينهم في تشكيلةٍ من المايوهات السبيدو
والبيكيني لغير المُتديّنين السبور أو الشورتات البانتاكور والبوركيني للمُتديّنين
المُحافظين، وضعهم في خشبةٍ من البامبو أو الخيْزران من أجل تهويةٍ أفضل، نقلهم
إلى المدافن في سيّارةٍ مكشوفة كوبيه أو في سيّارةٍ ذات سقف بانوراما، دفنهم في
رمال الساحل الناعمة مع عمل سورٍ مُنخَفِضٍ حوْل القبر من الصَدَف والقواقع
والجندوفلي ونجوم البحر الميّتة، تسكين وتلبيد التُراب فوق القبر عن طريق رش
وسأسأة المياه الخاصّة بحمّامات السباحة، وضع شمسيّةٍ كبيرةٍ مصنوعةٍ من قُماش
الكلارو وخشب الزان فوق القبر وحوْلها كراسي بلاج أو شيزلونجات ووتربرووف
للزائرين.
أفكاري عجبِت "عبد المُحيي"جدّاً
وقال لي:
-
الله ينوّر عليك يا
"عب مُميت" .. براوَة عليك ياض .. كلّها أفكار أوريجينال .. بس بلاش
حكاية المايوهات دي .. الناس مش ح تتقبّلها .. الجِتّة لازم تبقى مستورة برضُه ..
بَس مُمكِن نعمل الأكفان من أقمشة مشجّرة أو كاروهات أو مقلّمة أو منقّطة أو رسومات
هاواي.
الإثنين:
صحوْتُ اليوم على خبر وفاة أخي بعد أن وقع –
وهو يُتابع أعمال الإنشاء في موْقع "بورتو مدافن" – في صَبّة خراسانة
أساس أحد القبور، وسمعتُ من المُهندس الاستشاري للمشروع الذي حضر الواقعة أن
"عبد المُحيي" رشق في أسياخ حديد قاع القبر ثم غرق وبقلل داخل الأسمنت
السائل رافعاً يده اليُمنى طلباً للمُساعدة وهو
يُحاوِل النجاة، وللأسف الشديد كان الأسمنت قد شَكَّ وتصلَّب قبل أن يقوموا
بانتشاله من الصَبّة، ممّا أجبر العُمّال على استخراج مُكعَّب الصَبّة بالكامل وهو
فيها، ثم قاموا بتكسير ما حوْله من خرسانة وقطع الأسياخ بصاروخ، ولكن جُثّة "عبده"
كانت – في النهاية – على شكل تمثال الحُريّة .. الله يرحمه ويبشبِش الطوب اللي
حوالين راسه وجِسمه كلّه.
الثُلاثاء:
اضطررتُ لأن أُرسِل في طلب أحد النحّاتين من
كليّة الفنون الجميلة ليتدارك الموْقف لأستطيع دفن المرحوم، لكن النحّات لم يستطِع
تخليص الجُثّة من الخرسانة فقام بعمليّة تجليخ وتنعيم التمثال لتشطيبه على قدر
المُستطاع ليحتفظ بملامح أخي الجسديّة كأقرب ما يكون، واقترح عليَّ وضع أخي في
مدخل القرية على أن نكتُب فوْق قاعدة أخي – أقصد فوْق قاعدة تمثال أخي – عبارةً
قصيرةً لرثائه.
الأربعاء:
وسط النحيب والدموع وبقلبٍ مكلومٍ أشقاه
الحُزن قُمتُ اليوْم – مع باقي أفراد العائلة – بمراسم إزاحة الستار عن أخي وقد
كُتِبَ تحته:
"جُثة وتمثال المرحوم عبد المُحيي خشبة الذي عاش ليبني القبور للناس ويواريهم الثرى .. ومات دون أن يجد قبراً يأويه .. فله الفاتحة".