صورة واحد سياسي (3)
الخميس:
ذهبتُ لمجلس الوزراء
لمُقابلة بعض الوزراء للحصول على تأشيراتهم الحمراء (الموقَّعة بالقلم الأحمر) على
طلبات وشكاوى أهل دائرتي باعتباري "ابن الدايرة" ومُمثِّلها، وبالمرّة لأعرف
آخر الأخبار الهامّة التي يُمكِن أن تُفيدني، فمثلاً لو عرفت إن فيه أرض ح تدخُل
كردون مباني أشتري جزءاً منها فوْراً، ولو شمّيت رائحة تعويمٍ جديدٍ للجنيه ألحق
واخزِّن دولارات، ولو عرفت إن فيه شركة ح يتم خصخصتها أجري واشتري أسهُماً فيها ..
وهكذا.
الأحد:
دفعتُ لسكرتير
المُحافظة رشوةً كبيرةً لأتعاقد على شراء أرضٍ حكوميّةٍ فضاء مساحتها 2000 متر
مُربَّع بسعر المتر 17 قرشاً وثلاثة ملّيمات بغرض إنشاء مدفنٍ للعائلة، أهو برضه
الواحد منّنا لازم يعمل لآخرته .. هوَّ يعني احنا مُخَلَّدين فيها.
الخميس:
يوْمٌ مشحونٌ
للغاية، بدأ منذ العاشرة صباحاً وانتهى في الرابعة من فجر اليوْم الجديد، ولكن –
بحمد الله وبفضله – تمكَّنتُ مع زُملائي النوّاب من مناقشة وتفنيد وإعادة صياغة
7314 مشروع قانونٍ وتشريعٍ جديدٍ قدَّمتها الحكومة لفرض ضرائبَ جديدةٍ ولتغليظ بعض
العقوبات ولتقييد بعض الحريّات، ولكن في النهاية تمّت الموافقة بالإجماع على جميع
تلك القوانين التي – بالطبع – ستصُب في مصلحة المواطن التي تضخَّمت كثيراً في
الآونة الأخيرة .. ربّنا ف عونه بقى.
السبت:
تمّت دعوتي لقضاء
سهرةٍ خاصّةٍ في إحدى الكباريهات احتفالاً بانتهاء الدوْرة البرلمانيّة الحالية
بعد أربع سنواتٍ من الانتخابات الماضية، وفي مُنتصف السهرة وبينما كنّا نحتسي بعض
الخمر ونشرب ما تيسّر من البانجو ونتراقص مع الفنّانة المشهورة "شهوة"
(والتي كانت ترقص شبه عارية) حضرتْ حملةٌ من شرطة السياحة برئاسة نقيبٍ شاب سوَّلت
له نفسه إفساد سهرتنا بحُجّة تعاطينا المخدِّرات وتلبُّسنا ونحن في حالة سُكرٍ
بيِّن وعدم مُطابقة بدلة رقص الراقصة للمواصفات القانونيّة، ولم أدرِ بنفسي إلّا
وأنا أصفعه بشِدّة وأُشهِر مُسدَّسي في وجهه، وقبل أن أضغط على الزِناد استطاع هذا
الفَسْل أن يسلب مني السلاح بحركةٍ خاطفة، ثم اقتادني ومَن معي إلى قسم الشُرطة.
وبعد أن أجريْتُ
اتصالاتي مع كبار رجال الدوْلة حضر مساعد وزير الداخليّة للقسم مُهروِلاً وأخذ يُعنِّف
الضابط الذي لم يكُن يعرف أنني أحمل الحَصانة البرلمانيّة ضد كل مَن يعبث معي بحُجّة
تنفيذ القانون والكلام الفارغ ده الذي لا يسري على كبار البلد من أمثالي، ولم أقبل
اعتذار اللواء إلّا بعد أن وعدني شخصيّاً بنقل ذلك الضابط الأرعن وكل مَن شارك في
حملته إلى كراكون واحة "أبو مُنقار" الواقعة في بحر الرمال الأعظم
بـ"الوادي الجديد" مع توقيع جزاءٍ عليهم بخصم مُرتَّب سنتين .. أوباش.
الأربعاء:
تم قبول أوراق
ترشيحي للدوْرة القادمة بالمجلس، ولا أعرف لماذا يُصر المسؤولون عن الانتخابات على
أنني "قُلّة"، قُلّة قُلّة بس أنجح، لكنني سمعتُ من أحد موظّفي اللجنة
خبراً مش ولا بُد: سيُنافسني على المقعد المُستَقِل للدائرة اللواء "مجدي
المسطول" الذي أعطوه رمز "الدبّابة"، ربنا يستر، الراجل ده واصل
ومعاه فلوس بالهبل، ده غير إن عيلة "المساطيل" شرّانيّين وما لهُمش
كبير، بس إن شاء الله أقدر أقُف قُصاده واكسبه علشان أهل الدايرة بيموتوا فيَّ رغم
إني ما عَتِّبتِش أُم الدايرة من ساعِة مُؤتمر الخرابة إيّاه .. مش مُهّم ..
تلاقيهم نسيوا كالعادة.
الجمعة:
بعد أن صرفت دم قلبي
في إقامة شادرٍ لمؤتمري الجديد فوجئنا بأفراد عائلة "المساطيل" يقتحمون
الشادر ويقومون بتكسير كل شيءٍ به ويُهدِّدون كل مَن يتدخّل بإطلاق الرصاص عليه من
بنادقهم ومُسدَّساتهم المُرخَّصة، ناهيك عن تمزيق جميع اللافتات القُماش والورق
والفليكس التي عليها صورتي وأنا مُمسِكاً بالقُلّة .. قُلّة أدب .. قصدي قِلّة أدب
.. مش لاقيين حَد يلمهم.
الخميس:
ما زِلتُ جالساً على
سرير حجرة نوْمي خوْفاً من الخروج من الفيللا بعد أن أقسم اللواء
"المسطول" بأنه سوف يكسر قُلّتي إذا لمحني خارج منزلي قبل انتهاء
الانتخابات .. ربّنا ع المُفتري.
الإثنين:
جاءني مندوبي في
اللجنة (وهو في ذات الوقت ابن عمّي) وهو متربَّط في كل حِتّة ف جِسمُه بعد أن نال
عَلقةً ساخنةً من "المساطيل"، وفهمت منه بصعوبة (لأن
"المساطيل" أثناء العَلقة شدّوا لسانه لبرّه ثم أغلقوا فمه بقوّة حتى
تكسّرت أسنانه وقُطِعَ جُزءٌ من لسانه من أجل أن يكون عِبرةً لكل أفراد عائلة
"الخرمانين") أن سيادة اللواء فاز بالانتخابات بجدارة، وأنني حصلت على
خمسة أصواتٍ فقط منها ثلاثة أصواتٍ باطلة .. ربنا ينتقم منهم.
الجمعة:
رغم مرور عشر سنوات
على فوْز اللواء "المسطول" بمقعد الدائرة واعتزالي الحياة السياسيّة
تماماً من ساعِتها إلّا أن عيال الدايرة كُل ما يشوفوني برّه البيت يزفّوني ف
الرايحة والجايّة قائلين:
-
الراجل القُلّة أهو .. الراجل القُلّة أهو.
اسفوخس عليهم ما شافوش رِباية برُبع جنيه.