لترقد في سلام يا أبي | قصة كفاح أسرتنا العريقة (2)
أغسطس 2001 :
جلسنا جميعاً حول
مائدة العشاء في قصرنا المنيف بـ"شرم الشيخ" حيث كنّا نقضي معاً أجازة
الصيف القصيرة في مرحٍ وسعادة .. وانهمكت أمّي "إيمان" في تقطيع الديك
الرومي الذي جاء – مع باقي العشاء – خصّيصاً لنا من مطعم "لو موريس"
الفرنسي على متن طائرةٍ خاصّة .. في حين انشغل أبي في حديثٍ جانبي مع أخي
"بهاء" .. فانتهزت الفرصة كي أبدأ المناقشة التي كنت قد اتفقت بصددها
مسبقاً مع أخي الأكبر فقلت:
-
على فكرة يا بابا .. كنّا عايزينك ف موضوع أنا و"بهاء".
-
خير؟
-
خير إن شاء الله .. أصلنا فكّرنا ف وضعنا المالي ولقيناه مش ولابد.
-
إيه؟ .. حصل حاجة؟ .. شركاتنا بتخسر؟
-
لأ .. الشر برّه وبعيد .. كل حاجة زي الفل .. مش قصدي كده.
-
أومّال قصدك إيه؟
-
قصدي إنه آن الأوان نكبّر ثروتنا أكتر وندخل مرحلة جديدة بقى غير التصدير
والاستيراد والشغل ف البورصة والعقارات والحاجات الهايفة دي.
-
يا ابني ما احنا ميت فل واربعتاشر .. عايزين أكتر من كده إيه؟
-
وليه ما نبقاش ميت فل وخمستاشر أو عشرين أو ألف؟ .. شوف لمّا سمعت كلامنا
من عشر سنين حصل إيه .. بعد ما كنا ما نحتكمش غير على كام مليون عُمي بقى عندنا
أضعاف أضعافهم.
-
إلّا بالمناسبة إحنا وصلنا لكام ده الوقت؟
-
حسب تقرير المحاسب المالي ف آخر شهر ستّة بقى عندنا فلوس سايلة وأصول ثابتة
هنا أو برّه بتساوي أقل من 13 مليار.
-
جنيه؟
-
لأ .. دولار .. إضرب بقى ف تلاتة ونُص يعني حوالي 45 مليار جنيه.
-
طب عايزين إيه تاني .. ده انا ما اعرفش أعدّهم.
-
يا بابا ده مهندس الكمبيوتر الكحيان صاحب شركة "مايكروسوفت" عنده
65 مليار دولار .. إحنا من الآخر كده ح ندخل ف صفقات تجاريّة تانية بتكسّب أكتر
مليون مرّة.
-
زي إي؟ .. ح نتاجر ف الأعضاء؟
-
لأ .. خلّيها ف مرحلة تانية بعدين .. إحنا ح نكتفي بس بالتجارة ف السلاح
والمخدّرات.
-
يا نهار أبوك إسود شواشيه كحلي! .. إنت اتجنّنت؟
-
يا بابا لا جنان ولا حاجة .. جمّد قلبك .. الشاعر بيقول: "يفوز باللذّاتِ
كل مُغامرٍ ويموت بالحسراتِ كل جبانٍ" .. إنت عارف الحاجات دي مكسبها كام؟
-
وانت عارف عقوبتها كام لو اتمسكنا؟
-
طب ما احنا ممكن نتمسك بتهمة عدم دفع رسوم الجمارك والتهرّب م الضرايب
والتلاعب ف البورصة والتحايل ف المناقصات والمزادات اللي بنخشّها و .. و .. و.
-
بقى عايز تجيب دي لدي؟ .. إنت اهبل؟
-
الحاجات دي عقوبتها واحدة .. بس احنا نخاف ليه أصلاً .. حضرتك ح تعدّي
بضاعتنا من الجمرك عادي جداً زي أي بضاعة تانية .. وأوّل ما تطلع م المينا ح
ناخدها ونسلّمها للتجّار الكبار ف ساعتها من غير ما نخزّنها عندنا أصلاً .. حاجة
بسيطة جداً ما فيهاش أي خطورة خصوصاً واحنا بفلوسنا ونفوذنا نقدر نعمل أي حاجة
بعيد عن الشبهات.
-
بصراحة أنا قلقان جداً م الموضوع ده.
-
ما تقلقش .. إنت ف أمان طول ما انت معانا.
-
ربّنا يستر.
-
ح يستر إن شاء الله.
-
خلاص إعملوا اللي انتم عايزينه .. منكم لله .. كركبتوا بطني وسدّيتوا نِفسي
عن الأكل.
-
لا والنبي يا "حنفي" ده قطّعت الديك وجهّزت لك منابك .. كُل بقى
.. إرمي حمولك على ربّنا وسيب العيال تتصرّف .. دول ما شاء الله عليهم كبروا وبقوا
قواريب ويعرفوا الكُفت.
-
طيّب .. الخيرة في ما اختاره الله .. هاتي الطبق.
يوليو 2011 :
-
نادي على المتّهم الأوّل.
-
"حنفي
السيّد تبارك"
-
أفندم .. أنا موجود.
-
"بهاء
حنفي السيّد تبارك"
-
موجود.
-
"نضال
حنفي السيّد تبارك".
-
أيوه.
-
أنتم متّهمين ف قضايا كتيرة .. ملف القضيّة مليان وكلّه بلاوي .. القضيّة
الأولى بدأت لمّا اتقبض عليكم ف شهر يناير اللي فات وانتم راكبين مقطورة ومتلبّسين
بحيازة 40 طن من مخدِّر الهيروين .. ده غير حاوية الأسلحة اللي اتمسكت ف المينا وورقها
بإسمكم .. وقضيّة التلاعب ف البورصة .. والتهرّب الضريبي .. والقيام بأعمال غير
قانونيّة مشبوهة في مجالات مختلفة ودي ح تنظرها دواير تانية .. إيه ردّكم على كل
ما سبق؟
-
إحنا أبرياء يا سيادة القاضي من كل التهم دي .. منافسينا أعداء النجاح همَّ
اللي لفّقوا لنا الجرايم دي كلّها .. حسبنا الله ونعم الوكيل.
-
وانا يا ريّس بصفتي محامي المتّهمين باطلب تأجيل القضيّة لحين ورود تقرير
المعمل الجنائي وتقرير الخبير الجمركي لعدالة المحكمة.
-
وإيه دخل المعمل الجنائي والخبير الجمركي ف القضيّة؟
- أنا بادفع تهمة الإتجار في المخدرات عن موكّليني لإن البضاعة التي تم
تحريزها هي 40 طن من مسحوق ناعم لأفخر أنواع السحلب الأبيض وارد "إيران"
كما هو مُثبت في أوراق الاستيراد .. والمعمل الجنائي ح يثبت ده في تقريره بعد
تحليل أكتر من عيّنة إن شاء الله .. أمّا كونتينر الأسلحة اللي جاي من "الصين"
بإسم المتّهمين فخبير الجمرك ح يعاين محتويات الكونتينر مرّة ثانية وأخيرة وإن شاء
الله ح يدحض التهمة دي وينفيها بل وستصير إلى العدم بعد ما يبان في التقرير إنها
بنادق ومسدسات بلاستيك تم استيرادها بصفتها لعَب أطفال بدون بارود لإن البارود
والبُمب ممنوعين قانوناً واحنا الحمد لله ماشيين قانوني ف كل حاجة.
-
طب وبالنسبة للقضايا التانية يا أستاذ "فريد التعلب"؟
-
المتهمين مستعدّين للتصالح مع الجهات المعنيّة .. يعني الضرايب ووزارة
الماليّة والإسكان وغيرها تاخد حقها تالت ومتلّت بالغرامات كمان.
-
طيّب .. يتم تأجيل القضيّة للخامس والعشرين من شهر يناير المقبل .. رُفِعَت
الجـــ...
-
ليَّ طلب تاني يا افندم.
-
اتفضّل قول.
-
أطالب بالإفراج الصحّي عن المتهم الأوّل مع استعدادنا لدفع أي كفالة لأنه أوّلاً
طاعنٌ في السن وثانياً مصابٌ بسرطان الحواجب الذي استشرى فيه ووصل لمرحلةٍ متقدّمة
للغاية ومُرفَق صورة من تقرير الطبيب المعالج .. فمَن يرعاه في السجن ويتابع علاجه؟
.. لو سبناه ف السجن يا ريّس ح يموت .. حرام .. حرااااام .. حراااااااااااااام.
-
خلاص خلاص .. يتم تأجيل القضيّة للأجل المسمّى المذكور سلفاً مع الإفراج الصحي
عن المتهم الأوّل فقط بضمان مائة ألف جنيه لا غير .. رُفِعَت الجلسة.
ديسمبر 2021 :
ذهبت وحدي لزيارة
أبي في قبره المكيّف قبيْل ظهر اليوم واستهللت قدومي بقراءة "الفاتحة"
وما تيسّر من سورة "يس" ثم جلست على أحد المقاعد الجلديّة الوثيرة وأخذت
أناجي أبي العزيز:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. إزيّك يا بابا .. يا رب تكون في مكان أفضل من دنيتنا الفانية وتكون متنعّم في الجنّة إن شاء الله .. أحب أبشّرك إن كل القضايا اللي كانت مرفوعة علينا أنا وانت واخويا سقطت كلّها وطلعنا منها أبرياء زي الشعرة م العجينة .. فاكر يوم ما أفرجوا عنّك صحيّاً؟ .. وعدتك يوميها إنّي ح افضل ورا القضايا دي لغاية ما اثبت براءتنا ونطهّر سمعتنا ونعيش زي زمان .. بس كان نِفسي تكون موجود بينّا ده الوقت وتحتفل معانا بالانتصار العظيم ده .. طبعاً مستغرب .. مش قلت لك زمان ما تقلقش وإن الفلوس بتعمل عمايل وتسوي الهوايل .. المعمل كتب في التقرير إن البودرة كانت سحلب والخبير أكّد إن الأسلحة كانت لعَب أطفال ورمينا للضرايب والوزارات كام مليون واتصالحنا معاهم وكُل القضايا اتقفلت خالص .. النميس بقى في الموضوع إن المحكمة أمرت بإننا نسترد الأحراز بالكامل .. وانا اتّفقت مع تاجر سلاح كبير إنه ح يشتري الكونتينر كلّه على بعضه بمليار ونص جنيه وكمان فيه تلات تجّار تانيين ح يشتروا مقطورة الهيروين بعشرة مليار جنيه بعد ما سعر الأسلحة والهيروين زاد الطاق عشرة من ساعة ما حرّزوا البضاعة لغاية ده الوقت ده غير فرق العملة بعد ما سعر الدولار زاد الضِعف .. يعني البضاعة اللي صادروها منّنا رجعت لنا كاملة بعد عشر سنين بعد ما زاد تمنها عشرين مرّة .. واللهِ ولاد حلال .. كانوا بيحوّشوا لنا .. ها ها ها .. لأ والعُبْط كمان فاكرين إن ثروتنا وصلت لحوالي ميتين مليار دولار بس .. ما يعرفوش البلاوي التانية المتلتلة .. ولسّه كمان .. الله يرحمك يا بابا ويبشبش الطوبة اللي تحت راسك .. وزي ما احنا ده الوقت راقدين على خميرة محترمة بفضلك بادعي لك ربنا من كل قلبي إنك ترقد في سلام .. سلام.