صورة واحد صاحب مطعم
الإثنيْن:
أخيراً استلمتُ
ترخيص تشغيل مطعمي، بعد شهورٍ من اللَف على جميع المصالح والمؤسّسات والجهات
الحكوميّة، واستخراج مئات الأوْراق ودفع العشرات من الرشاوى والإكراميّات والقهوة
والذي منه.
المُشكِلة التي
تُواجهني الآن هي أنني صرفتُ على تلك الإجراءات الرسميّة والرشاوى الحكوميّة أكثر
ممّا أنفقته على ثمن شراء المكان وتجهيزه، معنى ذلك إنه يجب ألّا تزيد مصروفاتي عن
10 بالمائة من إيراداتي لأُعوِّض ما دفعتُه سريعاً.
الجُمعة:
دعوْتُ رموز
المشاهير من نُخبة المجتمع – لافتتاح مطعمي الجديد: "أطعم مطعم" – لِما
لهم من مفعول السِحر على الدعاية المجانيّة لمطعمي، كما أنهم يُمثِّلون الشريحة
التي تملك المال والقوّة الشرائيّة بين الشعب الذي أصبح غالبيّته من الطبقة
الفقيرة التي لا تشتري من المطاعم غير الحواوشي الكلابي والفراخ البانيه عدمانة
العافية والشاورمة المضروبة.
شرَّفني بالحضور من
نُخبة رجالات الدوْلة: رئيس مجلس الشعب "عبد العال إجماع" ووزير السياحة
"بُطرُس هيلتون" ورئيسة مجلس إدارة جمعيّة الرِفق بالحيوان "رحمة عبد
الرحيم" وآخرون، ومن نُخبة رجال السياسة: رئيس حزب "حوسة وطن"
السيّد "مؤيّد مؤيّد" وأمينة المجلس القوْمي لحقوق المرأة "كارولين
ناشز" ونائب الدائرة بالمجلس "موافق أبو النوم" وآخرون، ومن نُخبة
رجال الأعمال والاقتصاديّين: رئيس الغُرفة التُجاريّة "موسِر عبد الغني"
ورئيس شُعبة التسويق بوزارة الصناعة "رابح ماركيت" وعضو لجنة الاستيراد
بوزارة التموين "ظافر المظروف" وآخرون،ومن نُخبة الفنّانين: المُمثّل
القدير "أمير شرارة" والمُطربة المحبوبة "نغم نشاز" والراقصة
المُتفجِّرة "رغبة" وآخرون، ومن نُخبة العاملين بمجال الرياضة وكُرة
القدم لاعب المُنتخب "ماهر الأعرج" وخبير التدريب "كيكي
الهجّاص" ومُحلِّل المباريات "سُقراط زي بعضه" وآخرون، ومن نجوم
مواقع التواصل واليوتيوبرز: البلوجر الشهير "كريم ريفيو" والمُدوِّنة
المعروفة "إشعار سابسكرايب" ونجم الإنستاجرام "إسلام بودكاست"
وآخرون، بخلاف آخرين من أقاربي وأصدقائي ومعارفي.
السبت:
بفضل الله انتشرت –
كالنار في الهشيم – مقاطع فيديو الافتتاح على قنوات التليفزيون وصفحات الجرائد
والمجلّات وكل مواقع الإنترنت بدون استثناء، وشكر الجميع في جَوْ المكان وكرم
الضيافة وروْعة الطعام ورُخص الأسعار.
الأحد:
ما فيش ترابيزة
فاضية ف المطعم، ده غير طوابير الناس اللي برّه، ممّا دعاني لأن أتَّصل بالأُسطى
"سيّد مهرجانات" صاحب فِراشة "الوَداع" لإقامة شادر وتأجير
ترابيزات وكراسي خارج المطعم لاستيعاب تلك الأعداد المهولة من الزبائن .. يا فرج
الله.
الإثنيْن:
اضطررتُ لدفع رشوةٍ
كبيرةٍ لرئيس الحي ومُعاونيه للسكوت على وجود الشادر الذي أغلق الشارع من أوِّله
لآخره ومنع مرور السيّارات والمارّة نهائيّاً، كما دفعت مبلغاً آخر لمدير فرع شركة
الكهرباء لإنارة الشادر وتغذية المراوِح العملاقة به من المصدر الرئيسي مباشرةً
بعيداً عن العدّاد.
الثُلاثاء:
جاءني بعضٌ من أفراد
الشُرطة لاستدعائي للقسم بعد أن تقدَّم سكّان الحي بعِدّة شكاوى ومحاضِر من التأثير
السلبي للمطعم على حياتهم اليوْميّة طيلة الأربع والعشرين ساعة حيث تسبَّب الزحام
الشديد في عدم تمكُّنهم من ممارسة أعمالهم ومصالحهم بسهولة، وقد تم حل هذه المشكلة
بمُنتهى السهولة أيضاً بعد أن عكم أفراد الشُرطة رشوةً مُعتَبَرةً لحِفظ الشكاوى
والمحاضِر باعتبارها كَيْديّة.
ولم ينسَ مندوبو
ومفتِّشو وزارة البيئة أن يمرّوا عليَّ ليتَّفِقوا هم أيضاً على رشوةٍ تُدفع بصفةٍ
شهريّةٍ لغض الطرف عن التلوُّث البيئي الذي يُحدِثه "أطعم مطعم"، مثل
تلوُّث الهواء بدُخّان المشويّات دون وجود مداخنَ عاليةٍ بالمطبخ، والتلوّث السمعي
بسبب مكبِّرات الصوت الميجاباور التي تُذيع أغاني المهرجانات لتسلية الزبائن،
والتلوُّث الضوْئي بسبب كشّافات النور المُبهِرة التي تضيء المطعم من الداخل
والخارج من المغرب للفجر يوْميّاً، وتلوُّث شوارع المنطقة بمُخلّفات المطعم وإلقاء
قمامته في الشوارع المُحيطة ممّا ساعد في انتشار الحيوانات الضالّة وتكاثُر
الحشرات، وقد تفتَّق ذهني عن حلٍ لهذه المُشكِلة الأخيرة فتعاقدتُ مع شركةٍ خاصّةٍ
تمتلكها السيّدة "رحمة عبد الرحيم" لجمع الكلاب والقطط من شوارع الحي
كلّه ووضعها في مكانٍ خاصٍّ تحت رعاية رجل الخير "سليمان رِكس".
ورغم كل هذه الرشاوى
والإكراميّات والمصاريف فقد ظلَّ المطعم مُربِحاً لي للغاية ويُدِر عليَّ مكاسبَ
خياليّة.
الجمعة:
تم الاستغناء
نهائيّاً عن خدمات الأسطى "سيّد مهرجانات" لارتفاع ثمن تأجير السرادق
والترابيزات والكراسي، وتم إزالة الشادر بالكامل وبناء مبنىً (بالطوب والأسمنت
والحديد المُسلَّح) كبيرٍ على كامل أرض الشارع المُواجِه للمطعم ابتداءً من ناصية
الشارع مع تقاطُع ميدان "نظام الشعب" وانتهاءً بتقاطُع الناصية الأُخرى
مع طريق "قانون الأُمّة"، مع ترك ممرٍّ ضيّقٍ على جُزءٍ من الرصيف لمرور
سُكّان الشارع الكِرام ليتمكَّنوا من الدخول والخروج إلى ومن منازلهم، وبالنسبة
لمسؤولي الحي فقد قُمتُ بترضيتهم ماليّاً حتى يصمتوا فيتركوا ما
لـ"قيْصر" لـ"قيْصر" وما للحي لـ"قيْصر" أيضاً.
الثُلاثاء:
العمل بالمطعم لا
يتوقَّف والأرباح في زيادة – نمسِك الخشب – وأنا مشغولٌ جداً في تصريف أمور
"أطعم مطعم" وإيداع المزيد من الأموال في رصيدي البنكي الذي تضخَّم
للغاية، فلجأتُ لإنشاء إدارةٍ جديدةٍ بالمطعم (غير إدارة المشتروات وإدارة شؤون
الموظّفين وإدارة الأطعمة والمشروبات وإدارة الصيانات والهندسة وإدارة خدمة
العملاء وإدارة التوصيل وباقي الإدارات) أسميْتها "إدارة المصالح
والإنجاز"، وأصبحت هذه الإدارة مسؤولةً مسؤوليّةً مُباشِرةً عن تقديم الرشاوى
والأكراميّات والقهوة والذي منه، خصوصاً بعد أن تكالبت على المطعم العديد من
المصالح الحكوميّة والجهات الرسميّة للمُطالبة بحق السكوت عن المُخالَفات التي
يرتكبها المطعم بصورةٍ يوْميةٍ مُنتظِمة مثل: وزارة السياحة – وزارة الصحة – وزارة
الداخليّة – وزارة البيئة – وزارة التأمينات – شركة الكهرباء – شركة المياه والصرف
الصحّي – رئاسة الحي – المجلس المحلّي – إشغال الطريق – إدارة المرور – مصلحة
الضرائب – إلخ إلخ.
ونظراً لتعسُّر
استخراج الإدارة لإيصالاتٍ تخص تسليم وتسلُّم الرشاوي فقد تم تركيب كاميراً خفيّة
لتصوير هذه العمليّات ضماناً لصِحّة تلك المعاملات بكل أمانةٍ وشَرَف، مع تسجيل
تلك الرشاوى بدفتر المصروفات تحت بند "فساد".
الأربعاء:
مُشكِلةٌ كبيرة،
اتَّصل بي رئيس إدارة المشتروات لإبلاغي بأن وارد لحوم اليوْم لم يصل للمطعم بسبب
القبض على رجل الخير "سليمان رِكس".
لجأتُ إلى مدام
"رحمة عبد الرحيم" وسألتُها المشورة في تلك الوَرطة الكُبرى، فطمأنتني
قائلةً:
-
ولا يهمَّك يا باشا .. ما يكونش عندك فِكرة .. ح ابعت لك تاجر يورَّد لك
لحوم من نوع تاني .. أحلى وأطعم وأرخص كمان .. بس ليَّ الحلاوة طبعاً.
وعندما سألتُها عن
اسم ذلك التاجر قالت:
- المعلِّم "فارس بردعة".