"مصر"
هيّ أُمّهم (2)
- إلّا عجبنا.. ده
تحفة.. ده المفروض يترشّح للأوسكار.
- أو ع الأقل ندخل
بيه مهرجان "كان واخواتها".. علشان ياخد السعفة الذهبيّة أو الجريدة
الفضيّة أو السُباطة البرونزيّة.
- أولاً : القصّة
جيّدة جداً والحبكة الدراميّة متشابكة في نسيج الحوار بشكل مدهش والأفق العمودي
للكيان الأدبي متّسق اتّساق كامل مع فحوى القضيّة الفنيّة رغم بعض الأحداث الدقيقة
اللي كانت عايزة تشذيب واختصار للتركيز البؤري أكتر.. وتمثيلك كواحدة بلّانة كان
عميق للدرجة اللي كان بيقشعر فيها جسمي كلّه لمّا كنتي بتتقمّصي الدور وكنت باحس
إنّك بتنتفي شعري أنا مع ردود الفعل المنعكسة من ملامح باقي شخصيّات الفيلم كلّه واللي
كان تأثيرها إيجابي أحادي وثنائي.. مش أحادي بس.. على المضمون الداخلي للمظهر
العام.. والتصوير راخر كان تحفة وقدر المصوّر "حماده بكسل" أنه يتوحّد
مع الكاميرا فاكتسبوا الاتنين أبعاد غير مرئيّة ظهرت من خلال تكامل الصورة وتوازيها
ف نفس الوقت تجاه الأبطال واللوكيشن.. أمّا الإخراج بقى فانا ح ابقى اقول رأيي فيه
للمخرجة "فرحة الإست" (وهو الاسم الفنّي المشهورة به اختصاراً لاسمها
الحقيقي الذي سُمّيت به حين ولدت عام 1954 ووجدته ثقيلاً على الأذن : "فرحة
الاستقلال") لمّا أقابلها علشان اهنّيها بنفسي.
- يعني هوّ كده يبقى
حلو؟
- باقول لِك رائع..
وده مش رأيي لوحدي.. ده رأي بقية الزملا.
- أومّال ليه شويّة
نقّاد حمير طالعين يكتبوا إن الفيلم خارج عن حدود الأدب وبيدعو للفسوق وفيه مناظر
مخلّة وكل اللي فيه فاشلين.. ده كمان فيه ناس بيطالبوا الحكومة إنها تمنعه م العرض.
- ما همَّ دول بقى
حزب أعداء النجاح.. ما بيصدّقوا فيلم ينجح ويكسّر الإيرادات ويبدأوا حربهم القذرة
عليه.
- صحيح كل الستّات ف
الفيلم طالعين يا إمّا بقمصان النوم يا إمّا بالملابس الداخليّة وف أوضاع ساخنة مع
الرجّالة اللي ف الفيلم بس كل ده مبرَّر في السياق الدرامي وداخل ف النسيج الأصلي
للقصّة ومش دخيل على المشاهد أبداً.. بالعكس.. أنا شايف إن فيه كذا مشهد ف الفيلم
ما أخدوش حقّهم صح.. زي المشهد بتاع الاغتصاب اللي كان فيه البطل بيقطّع لك هدومِك
حتّة حتّة.. أهو المشهد ده قعد تِلْت ساعة بس.. فيه اغتصاب يبقى بسرعة كده!.. فين
الواقعيّة؟.. فين الاندماج؟.. فين الـ.....
- لأ.. هوَّ أصلاً
كان ساعة إلّا ربع.. بس الرقيب المتخلّف حذف نُصُّه.
- يا جماعة أصل
الرقيب ده موظّف مش فنّان.. المفروض اللي يحكم على أي عمل فنّي يبقى فنّان مش أي
واحد عادي كده.
- طب والمشهد اللي
كنتي بتستحمّي فيه؟.. برضه ما أخدش حقّه كويّس واتكروِت بسرعة ف عشر دقايق.. رغم
إن المشهد ده ماستر سين وكان أدائِك فيه وانتي بتتليّفي مذهل.. والكاميرا للأسف وهيَّ
ماشية مع الليفة اللي بتتحرّك ف كل حتّة ف جسمك كان فيه بعض المناطق ما وضحتش من
أثر البخار.. أهو ده عيب فني خطير.. لإن الفن صراحة ومكاشفة وشفافيّة ولازم
نُطْلِع المتفرّج على كل التفاصيل مهما كانت صغيّرة.
- بس حكاية المنع دي
لو حصلت فعلاً ح تبقى حلوة قوي.. ح تعمل دعاية للفيلم بمليار جنيه.. ده "الشبكي"
المنتج ح يلم من وراه فلوس قد كده.. بايضة له ف القفص.
- لأ بس احنا
المفروض ما نسكتش.. ده يبقى اسمه منع المبدع من الإبداع وحجر على حريّة الفكر والتأمّل..
ده يبقى حرام واللهِ.. هوَّ ربّنا يرضى بالظلم ده!!
وأثناء تلك المساجلة
بين النقّاد والفنّانة "فجر" انكب أحدهم على أذن زميله ليسكب فيها ما
اعتمل بداخله من تعجّبٍ وحيرة :
- الله!.. مش الناقد
اللي عمّال يشكر ف "فجر" ويدافع عن الفيلم بتاعها ده هوَّ نفسه اللي كان
بيشتم فيها ويشرشح لها ف عموده الفنّي من كام شهر وقال عليها إن المفروض ما يبقاش
اسمها "فَـجْـر" ويبقى اسمها "فُـجْـر" أو "عُهْر"
علشان المشاهد المسخرة اللي بتعملها ف أفلامها؟.. وقال ع المخرجة "فرحة
الإست" إنها لا تصلح إلّا لإخراج الفضلات وليس الأفلام؟
- ده كان زمان.. ما
خلاص اتصالحوا وجابت له عربيّة "هوندا" عربون المحبّة.. ومن ساعتها وهوَّ
زي الخاتم ف صباعها.
- سبحان مغيّر
الأحوال.
واستطرد يقول ولكن
بصوْتٍ عالٍ هذه المرّة :
- كل سنة وانتي
طيّبة وجميلة الجميلات.
فابتسمت
"فجر" له في تؤدّةٍ وأكملت طريقها نحو مائدة المنتجين والتي انضمّ لها
المخرجون الذين يتودّدون للمنتجين ليعهدوا لهم بإخراج الأفلام التي ينتجونها
فألفتهم يناقشون قضيّةً اجتماعيّةً هامة وأخذ كلٌ منهم يدلي بدلوه في هذا الحديث
الشيّق :
- واللهِ زي ما
باقول لَك كده.. إحنا شعب قليل الأدب.. الموضوع مش موضوع بنت لابسة هدوم مكشوفة أو
ضيّقة أو محزّقة عليها.. التحرّش بيحصل كمان للبنات والستّات المحجّبات أو اللي
لابسين ماكسي.. المشكلة هنا (وأشار إلى رأسه قاصداً العقل).. كل اللي بيفكّر فيه
الشاب من دول الجنس وبس.
- ما هو لو فيه
تربيّة وتديّن حقيقي ما كانش ده يبقى حالنا.
- يا سيدي التربيّة
والتديّن ح ييجوا منين!.. إنتم أصلكم ما تعرفوش اللي بيحصل ف المناطق الشعبيّة والعشوائيّة..
أنا كنت باصوّر هناك فيلم تسجيلي وع اللي شفته أيّامها.. العشوائيّة مش بس ف السكن
وطريقة العيشة.. العشوائيّة بقت ف التفكير وأسلوب الحياة كمان.
- علشان كده أنا
دايماً رأيي إنّنا نحارب الفِكر بالفِكر.. لازم نقدّم مشاكل الطبقة دي ف أفلامنا علشان
نقدر نحط إيدنا عليها ونحلّها.
- صح كده.. تجاهل
المشكلة عمره ما يحلّها.. المواجهة هيّ أقصر الطرق.. وده دور الفن ف مجتمعنا.
- بالظبط.. أنا
باحضّر لفيلم جامد فشخ.. ح يتصوّر بالكامل ف منطقة عشوائيّة حقيقيّة وح يبيّن
الحاجات اللي بتحصل هناك.. الفيلم عبارة عن بنت فقيرة أبوها واخوها بيشربوا
مخدّرات طول الوقت وبيغصبوا عليها تشتغل ف الدعارة مع امّها.. وليها بنت عمّها بتطفش
مع صاحبها وتشتغل رقّاصة ف الكباريهات.. وعلشان أقرّب فكري وإبداعي للمُشاهِد
العادي ح اخلّي الفيلم كلّه رقص وأغاني ومهرجانات.. وما فيش مانع ندخّل جريمة قتل
كده علشان نحبّش الموضوع ونخلّيه سبايسي.
- يا سلام عليك.. يعني
ح تجبر المشاهدين على إنّهم ياخدوا دوا مُر ف صورة كبسولة مسكّرة شكلها حلو.. هوَّ
ده الفن المظبوط.
- واللهِ أنا رأيي
إن التحرّش ده مش ح ينتهي إلّا بحل واحد : الدوْلة تقنّن الدعارة زي زمان وتخلّي
الناس تمارسها بترخيص رسمي بدون تجريم.. ما هو أصل كل ممنوع مرغوب.. فأنا لو ذكي
أبيح الممنوع فما يبقاش مرغوب خلاص.. أنا كشاب ح اتحرّش ليه بواحدة لو الحكومة
وفّرت لي أمارس الجنس بأمان وبسعر مناسب.. ساعتها نقدر نتباهى بين الشعوب إن عندنا
حريّة فعلاً مش شعارات وخلاص.
وتركتهم
"فجر" - دون أن تخوض معهم - في جدالهم يعمهون واتّجهت إلى مائدة
الإعلاميّين وأباطرة الميديا فبادرت بتحيّتهم قائلة :
- إيه النور ده.. معقولة..
كل النجوم دول مشرّفينّي الليلة دى!
- ده نورك يا نجمتنا
كل سنة وانتي جميلة زي ما انتي.
- إيه يا فنّانة.. الرقص
والغُنا فين؟.. هي الليلة دي قرديحي ولّا إيه؟
- شويّة كده بس.. نقعد
شويّة سوا ونشبع من بعضينا الأوّل وبعدين كل حاجة ح تبدأ.. الليل لسّه ف أوّله.
- مش ح تشرّفينا يا
"فجر" هانم ف البرنامج بتاعي بقى؟.. ح تفضلي تقيلة على معجبينك ومحبّينك
لحد إمتى؟
- لا يا
"عمّور".. إنت اللي بقيت تقيل ودمّك زي السم وعمري ما ح اطلع معاك أبداً.
- يا خبر!.. ليه كده؟
- البرنامج بتاعك ما
بقيتش اشوفه خالص.. كل يوم تجيب سياسة ومظاهرات وجرايم ودبح وحرق وإشاعات وناس
بتتخانق مع بعض وحاجة تثير الأعصاب.
- ما هي دي الشطارة
يا ملكة.. ده اللي بيشد الناس ده الوقت وبيزوّد الإعلانات.. أومّال انا باخد ف
السنة عشرين مليون على إيه.. أنا برنامجي محقّق أكتر نسبة مشاهدة بين المصريّين.
- على إيه يا حسرة..
ده انا آخر مرّة اتفرّجت عليك ييجي من تلات شهور كده ما كمّلتش ربع ساعة وقفلت التليفزيون
بعد ما خدت حبّاية الصداع.
- ليه؟
- كنت يوميها
بتتكلّم كويّس عن الريّس "مرسي" وبتشكر ف رئيس الوزرا والإخوان.
- لا لا لا.. ده من
أكتر من خمس أشهر.. ده الوقتِ الدفّة اتحوّلت تاني.
- إزّاي؟
- شكلي كده ح اعلّمِك
سياسة من أوّل وجديد.. شوفي يا ستّي موقف الإعلام بيتغيّر من وقت للتاني حسب مصلحة
البلد.. وحطّي ألف خط تحت "مصلحة البلد" دي.. أصل الناس فاكرة إنّنا
منافقين وبنطبّل للي معاه السلطة وما لناش مبدأ.. بالعكس.. إحنا ماشيين على مبدأ :
"اللي يتجوّز أمّي أقول له....