صورة واحد سياسي (1)
الثلاثاء:
ذهبتُ إلى المقر
الانتخابي الخاص بي في دائرتي لأُقابل "عزيز فوتوشوب" فوجدتُه ينتظرني
على أحر من الجمر، وبعد السلامات والذي منه انفردتُ به في حجرة مكتبي ودار بيننا
هذا الحوار:
-
أهلاً يا زيزو .. تشرب إيه؟
-
أهلاً بيك يا سيادة النائب .. مش ح اقدر اشرب حاجة علشان لِسّه ما اصطبحتش
.. أنا قُلت آجي لك بسرعة ع السخّان كده علشان ادّيك شهادة الجيش اللي كنت طالبها
مني.
-
عفارم عليك .. ورّيني كده .. اممممم .....
-
ها؟ .. إيه رأيك؟
-
شكلها زي الأصلي تمام.
-
عيب عليك يا باشا .. ده انا "فوتوشوب" .. هوَّ ده يعني أوِّل
تعامُل بينّا؟!
-
بس انا مش ح ادفع لك ده الوقت .. لمّا اقدِّم كل ورقي ويتقبل م اللجنة ح
ابقى احاسبك .. ما تآخذنيش .. أنا ما باشتريش سمك ف ميّاه.
-
اللي عندك يزيد يا حاج .. كل الورق ح يعدّي إن شاء الله زي اللي قبله ..
هيَّ أوِّل مرّة؟!
-
أصل اللجنة يا سيدي محكِّمة رأيها المرّة دي إن كل المُستندات والمُستخرجات
تبقى حديثة لم يمُر على إصدارها أكتر من تلات شهور.
-
خلّيهم يطلبوا اللي عايزينه .. إحنا جاهزين دايماً .. أعدّي عليك إمتى؟
-
أنا ح اتصل بيك كمان يومين كده.
-
طب بالإذن بقى .. سلام.
-
مع السلامة.
جمّعت باقي أوْراق
ترشيحي المطلوبة وأرسلتُها في ظرفٍ أصفر كبير مع مندوبٍ خاصٍّ للجنة العُليا
للانتخابات .. ربنا يسهِّل وتعدّي على خير إن شاء الله.
الخميس:
تم قبول الأوراق
وتسجيل اسمي ضمن المُرشَّحين لانتخابات مجلس الشعب القادمة في الدائرة الرابعة،
وأعطوني رمزاً انتخابيّاً جديداً: "القُلَّة"، للأمانة لم أكن أرغب بهذا
الرمز في بادئ الأمر بسبب المدلول الفسيولوجي والإيحاء الجِنسي
لـ"القُلّة" ولكنهم أخبروني أن رمز "الزير" تم تخصيصه
لمُرشَّحٍ آخر مُستَقِلٍ سبقني في تقديم أوْراقه، أمّا عن مُرشَّحي حزب الحكومة من
الوزراء والمسؤولين فهُم جميعاً حيوانات، فالسيّد رئيس الحزب أخذ رمز
"الأسد" (وهو رمزٌ مُفخَّخٌ قد يستغِلّه مُنافسوه إذا أرادوا أن يذكروا
والدته بسوء) ونائبه "الفيل" وأمين السياسات "الجمل" ومسؤولة
أمانة المرأة "الحمامة" ولا مؤاخذة .. ارتضيْتُ بالأمر الواقع وتوكَّلتُ
على الله.
الأحد:
انتهى عُمّال
الفِراشة من نصب سُرادِق مؤتمري الانتخابي على أرض إحدى الخرابات المُنتشِرة في
الدائرة، فاتخذتُ مكاني في منتصف المائدة المستطيلة الكائنة على منصّةٍ عاليةٍ تُواجِه
مقاعد الجماهير الذين حضروا كناخبين ليتعرَّفوا على برنامجي الانتخابي، وبالطبع
كنت قد اتفقتُ مع الواد "عرفة ريكلام" على تأجير عشرات الكومبارس
(سيّدات ورجال) لينتشروا بين الناخبين في أرجاء السُرادق ليهتفوا لشخصي ويشكروا في
أخلاقي ويحلفوا بحياتي ويحكوا بعض القصص المُختَلَقة عن كيْفيّة مُساعدتي لهم في
شتّى المشاكل.
وبدأ المؤتمر
بتلاوةٍ مُباركةٍ من الذِكر الحكيم اضطررتُ لسماعها وأنا أتصنّع الورع والتأثُّر، ثم قامت سكرتيرتي
بتقديمي للجَمْع الغفير فقالت وقد غلبتها الحماسة:
-
والآن أيُّها الناخبون المُحترمون .. مع كلمةٍ من النائب الأكبر شعبيّة .. النائب
الذي لا يتأخَّر أبداً عن خِدمة الصغير قبل الكبير من أهالي دائرته ومن خارجها .. عضو
مجلس الشعب الذي لا ينام الليْل ساهراً على راحتكم وأنتم تنامون في العسل مطمئنّين
مُشَخِّرين .. العضو الذي يقف طويلاً مُنتصباً بكل شموخٍ في وجه الأزمات ليدافعَ عنكم .. صاحب البصمات
الواضحة للحصول على موافقات المسؤولين لتنفيذ المشروعات الخدميّة العديدة كالماء
والكهرباء والمجاري .. رجل البِر والتقوى والكرم وسليل أكبر العائلات بالدائرة ..
معكم ومعنا الحاج "سليم الخرمان" .. فليتفضَّل.
ووسط تصفيقٍ كبيرٍ وتصفيرٍ عالٍ وهُتافاتٍ جبّارةٍ (ويبدو أن فكرة رئيس حملتي الانتخابيّة قد أتت
بثمارها عندما وعد الحاضرين بتوْزيع كيس شيبسي بالخل وباكو مولتو بحشو الفراولة
وإزازة بيبس صاروخ على النشطين المُتفاعلين فقط والذين يُشارِكون في المؤتمر –
المُصوَّر بالفيديو – بكل حماسٍ دون أي كسلٍ أو تراخي) وقفتُ لرد تحيّة الجماهير
وأنا أتكلَّف التواضُع والطيبة حتى سكت الجميع فجلستُ على مقعدي وأخذتُ بتعديل
الميْكروفونات أمامي وطفقتُ أتحدَّث بصوْتٍ مُجلجِل:
-
بسم الله الرحمن الرحيم .. وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون
.. يا أيُّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسِقٌ بنبإٍ فتبيَّنوا أن تُصيبوا قوْماً
بجهالةٍ فتُصبِحوا على ما فعلتم نادمين .. يا أيَّتُها النفس المُطمئِنّة ارجعي
إلى ربِّكِ راضيةً مَرْضيّةً فادخُلي في عِبادي وادخُلي جَنَّتي .....
-
(تصفيقٌ
حاد وهُتاف) يعيش الحاج المؤمن "الخرمان" رجُل التقوى والوَرَع.
-
أبناءُ دائرتي الأعزّاء .. جِئتَ إليكم في هذه الخرابة لأُحدِّثكم عن
تاريخي العريضُ كنائباً لهذه الدائرةُ العريقةُ في آخر دوْرتان بمجلسُ الشعبُ ..
أتممتَ فيها المعجزاتَ التي ترونها في كل مكانٌ بالحي .. ولأنكم تستحقوا الكثير
والكثير فإنني أُرشِّح نفسي للدوْرةُ القادمةَ لاستكمالُ ما بدأتَ ولتحقيقُ باقي
أحلامكمُ المشروعة .. لن أترككم حتي يكون في هذه الدائرةُ عشرين مدرسةٌ وثلاثةُ
جامعاتاً وخمسةُ مُستشفياتٌ على الأقل .. صحيح أنه لا يوجد بالدائرةُ غير حضانة
"كوكي كاك" التمهيديّةُ المُشتركةُ ومستوْصف "وحِدوه" الخيْري
إلّا أن الوقت لم يُسعِفني للحصول على موافقةُ الحكومةُ والوزراءُ على إنشاءُ
المزيدُ .. سأقومُ برصفٌ فاخراً لكلُ الشوارعُ والأزِقّةُ والحواري بالدائرةُ حتى
لا يعيّرنا جيراننا بالدوائرُ الأخرى بأن دائرتنا ليس بها شارعٍ مرصوفٌ غير شارعُ
"الشهيدُ عبّاس ابن فرناس" الذي تقع به فيللتي المتواضعة .. من حقُ كلُ
مواطنٌ أن يكونُ عنده فيللا بحمّام سباحة وعربيّة ومكنة صيني ورصيد في بنك الدم
وأرض يزرع ويقلع فيها .. أو يقلع فيها بَس .. هههههه ..
-
(ضحك
وتصفيق وهُتاف) يحيا النائب الكوميدي أبو دم خفيف .. يا .. يعيش .. يا يعيش.
-
ومن واجبنا نحنُ نوّابَ الأُمّةُ أن نقومِ بخدمةُ الـ.....