صورة واحد وزير (1)
السبت:
خرجتُ من القصر
الجمهوري – بعد حَلْف اليمين أمام الرئيس – وأنا في مُنتهى الحماس، وكان دافع هذا
الحماس توْجيهات الرئيس لنا – نحن الوزراء – بالعمل على راحة المواطن في إطار
خِطّةٍ مُتكامِلةٍ يرسمها سيادته لنا ونقوم نحن بتنفيذها بكل دِقّةٍ على أساس أن
معاليه هو المُخ ونحن العضلات، وبناءً على ذلك حذَّرنا الرئيس من مغبّة اتخاذ أي
قرارٍ – حتى ولو كان يصُب في الصالح العام – إلّا لو كان صادراً من فخامته
شخصيّاً، لأن فشاخة الرئيس هو الوحيد الذي يُفكِّر داخل حدود دوْلتنا العُظمى
تأسيساً على ما له من عقلٍ راجحٍ رشيد وخِصالٍ عبقريّةٍ جبّارة لم تُؤتَ لبشرٍ من
قبل.
يعني بالمُختصَر
المُفيد: الريّس هوَّ "الكُل ف الكُل" والوزراء في حكومته – بما فيهم
رئيس الوزراء بالطبع – ما هم إلّا مجموعةٌ من "الطرابيش على ما فيش"، أي
أن سبب وجودهم – اللي زي عَدَمه – هو فقط لزوم متابعة التسبيح بحمد الرئيس
والتصديق على توْجيهاته العُليا والعمل على تحقيق أوامره دون أي تدخُّل منهم حتى
ولوْ بالتعليق أو النُصح.
وكان سبب حماسي
الكبير هو اشتياقي الشديد للجلوس على كرسي منصبي – كوزيرٍ للصناعة – لما له من
مميّزاتٍ هائلة ستُفيدني كرجل أعمالٍ وصاحب شركةٍ صغيرةٍ للإستيراد والتصدير
أسميْتُها "الجحش للتجارة والتوْزيع" على اسم عائلتي العريقة.
وصلتُ في الظهيرة
إلى مكتبي في الوزارة، واستقبلني "سمير قُرَني" السكرتير العام ولفيفٌ
من الموظّفين استقبالاً رائعاً عبّروا فيه عن فرحتهم بتعييني الميْمون، بدأ
"قُرني" الاحتفال والاحتفاء بإلقاء قصيدة شعرٍ كإطراءٍ ومدحٍ لي، تقول
أبياتها الأولى:
طَلَبـوا الذي نالوا فما حُرِمـــوا .....
رُفَعَــــتْ فَما حُطـَــــتْ لَهُـــم رُتــَبُ
وَهَبوا ومـا تَمَّتْ لَـهُم خُلُـــــقٌ .....
سَلِمـــوا فَما أُوديَ بِهِـــم عَطَــــبُ
جَلَبوا الذي نَرْضَى فَما كَسَدوا .....
حُمِدَتْ لَهُم شِيَمٌ فَـمـــا كَسَـــــبوا }.
وبعد تصفيقٍ حادٍّ ألقى قصيدةً أخرى كلّها
هجاءٌ وذمٌّ ضد الوزير السابق، كانت أبياتها الأولى تقول:
{ رُتَبٌ لَهُم حُــطّتْ فَمــــا
رُفـِــعَتْ... حُرِموا فَما نَالوا الـــــذي طَـــلَبوا
عَطَبٌ بِهِم أُوديَ فَمــــا
سَـــــلِموا... خُلقٌ لَهُم تَمَّتْ ومـــــا وَهَـــبوا
كَسَـــبوا فَما شِيَمٌ لَــهُم
حُمِــدَتْ... كَسَدوا فَما نَرْضَى الذي جَلَـــبوا }.
وقد لاحظتُ – دون غيري – أن للقصيدة الأولى
والثانية نفس الكلمات ولكن الفرق بينهما هو اتجاه قراءة تلك الكلمات فقط، فلو
قُرِأَت من اليمين للشِمال بقت مدح، ولو قُرِأَت من الشِمال لليمين تبقى ذم، يعني
كده تسليك وكده توْليع.
كما وقفتْ مجموعةٌ من موظَّفي الوزارة على
شكل كورال – وكل ده ف مكتبي – وقاموا بغناء "طلع البدر علينا" ثم
"طلعت يا محلى نورها" ابتهاجاً بقدومي المُبارك للوزارة، ثم قام كل رجلٍ
منهم بارتداء جلبابٍ مُلوَّن فوْق البدلة وقامت السيّدات بوضع عباءاتٍ مُزَركَشةٍ
على ملابسهن وانهمكوا جميعاً في أداء رقصة "البمبوطيّة الأونطجيّة" الشعبيّة
لتسليتي وإدخال الفرحة على قلبي، ولكني استمتعتُ كثيراً – كأي وزير – بمشاهدتي
لفقرة الحاوي "عبده سلاسل" المشهور بخفّة يده وسِرقته للكُحل م العين
واعتبرته مثلاً أعلى لي للقيام بعملي بمهارةٍ وحذاقةٍ في الوزارة، وضحكنا جميعاً
عندما شارك في الاحتفال القُرداتي "عزّوز" ونسناسه الظريف "العبلنجي"،
وأخيراً جاء الدوْر بعد ذلك على فرقة "حسب الله" حيث قام قائدها بفقع
زغرودة على المزمار البلدي أعقبها عزفٌ لموسيقى "والله وعملوها
الرجّالة"، ثم فوجئتُ بحصانٍ عربيٍ أصيل يدخُل علينا من باب حجرة الاجتماعات
ليرقص على أنغام الطبول ولكنه وقف في أحد الأركان فجأة ورفض أن يتحرَّك قبل أن
ينتهي من أكل بوكيهات الورد التي تم رصّها قبل حضوري، وبعد أن شبع وحمد ربّه قام
الحصان بالرقص والحنجلة مع باقي الموظّفين إلى أن سارع الخيّال بسحبه للخارج
سريعاً عندما لاحظ أنه – ربما بسبب أكله للورود بشوكها – أُصيب بإسهالٍ حاد وبدأ
يتغوَّط ويزروَط السجّادة الشنواه الأصفهاني بأرضيّة المكتب.
شكرتُ الجميع وصرفتُهم بعد أن أمرت بمنح راتب
شهريْن مكافأةً لهم على حُسن استقبالهم وإتقانهم لفن النفاق ومسح الجوخ الذي
يُسعِد أي وزير.
الأحد:
استيقظتُ في الصباح الباكر وارتديْتُ ملابسي
لأُباشر مهام عملي مُبكِّراً حتى أكون قُدوةً لمرؤوسيَّ، وعند خروجي من باب فيللتي
وجدت سيّارة الوزارة الفارهة في انتظاري وأمامها مجموعةٌ من السيّارات
والموتوسيكلات لزوم الموْكِب الوزاري، ولاحظت نَصْب
كُشك حراسة كبير بجوار البوّابة يجلس فيه عِدّة ضُبّاطٍ وجنود لتأميني وتأمين
عائلتي الكريمة، وبعد أن تحرّكت السيّارة – وسط أصوات سارينة الموتوسيكلات – فوجئت
بأن الشارع خالياً من المارّة والسيّارات نظراً للكردون الأمني حول مسكني والذي
أغلق الشارع من الناحيتيْن ومنع مرور أي كائنٍ كان – حتى ولو كان من الجيران – دون
تصريحٍ يصدر من ديوان عام وزارة الداخليّة، بصراحة جهدٌ مشكورٌ من رجال الأمن
الذين يسهرون على راحة المسؤولين الكبار أمثالي فشُكراً جزيلاً لهم.
وعند وصولي لمكتبي شممتُ رائحة روَثٍ نتنةٍ
بسبب ما فعله الحصان أمس فأخذتُ ورقةً وقلماً وجلستُ في شُرفة مكتبي المُطِلّة على
النيل حيث الهواء العليل وبدأتُ فوْراً بكل هِمّةٍ ونشاط في كتابة احتياجاتي
وطلباتي كوزيرٍ مُعيَّنٍ لخدمة المواطنين وراحتهم ولتطوير العمل بالوزارة، وختمت
ورقة الطلبات بختم النِسر وقُمتُ بتسليمها إلى "قُرني" لتنفيذها فوْراً
وعلى وجه الاستعجال، وجاء بهذه الورقة:
1.
الإعلان الرسمي
بجريدة الوقائع المصريّة وباقي الجرائد الحكوميّة عن إجراء مناقصةٍ عامّةٍ لتوْريد
ما يلي:
# عدد واحد سيّارة
"مرسيدس" آخر موديل مضادّة للرصاص والـ"آر بي جي"
والـ"بازوكا" لزوم استخدام الوزير (بعد تكهين السيّارة الحاليّة لأنها
موديل من أربع سنوات ولا تُناسِب قيمة الوزير الذي يجب أن يكون مرآةً مُشرِّفةً
لوطنه).
# عدد واحد سيّارة
"بي إم دبليو" آخر موديل مضادّة للرصاص فقط لزوم استخدام زوْجة الوزير
لحضور اجتماعات نوادي الجزيرة والروتاري والليونز (أي الأُسود) وزوْجات الليونز
أيضاً (أي الـ.....) وافتتاح المشاريع الخيْريّة وعروض الأزياء وما يُستَجَد من أعمال.
# عدد أربع سيّارات
دفعٍ رباعيٍ شبابيّةٍ أحدث طراز (ويُفضَّل "هامر" أو "جيب")
لزوم توْصيل أولاد الوزير (بواقع سيّارةٍ واحدةٍ فقط لكل ابن أو ابنة) إلى
جامعاتهم ومدارسهم وتدريباتهم في النادي.
2.
إسناد عملية تطوير
مكتب الوزير (تغيير النقاشة والنجارة والسباكة والكهرباء والأثاث والمفروشات
والأجهزة بالكامل والتي لم تتغيَّر منذ عاميْن بحالهم) بالأمر المُباشر
لـ"شركة فخامة الجحش للديكورات الحديثة" (بتاعة ابن خال المدام) مع
مراعاة عمل عقد صيانة مع نفس الشركة للحفاظ الدائم على المستوى اللائق للوزارة
أمام الوفود الأجنبيّة.
3.
التعاقُد الفوْري مع
"وكالة برستيج الجحش للدعاية والإعلان" (بتاعة جوز بنت عمّتي) لتلميع
الوزير وعمل حواراتٍ وريبورتاجات معه في الصحافة وقنوات التليفزيون ومحطّات
الإذاعة ومواقع التواصُل من أجل تغطية نشاط الوزير وإبراز إنجازات الوزارة في
عهده.
4.
إصدار أمرٍ إداريٍ
بعدم قبول طلبات المواطنين لمقابلة معالي الوزير لحل مشاكلهم حتى لا يتم انشغال
سيادته أو إهدار وقته الثمين فيما لا يُفيد، مع التنبيه على هؤلاء المواطنين
بالتقدُّم بشكاواهم – إن وُجِدَت – إلى المركز الإعلامي للوزارة أو موْقع الوزارة
على الفيسبووك أو تويتر أو إنستاجرام أو تيك توك.
5.
التنبيه على جميع
الموظّفين بالمقر الرئيسي للوزارة ووكالاتها الفرعيّة بالمحافظات بإلغاء الأجازات
نهائيّاً لحاجة العمل الضروريّة من أجل إنجاز كل الأعمال المتأخّرة، على أن تكون
مواعيد العمل يوميّاً من العاشرة صباحاً حتى الواحدة ظُهراً عدا الخميس والجمعة
والسبت وباقي العُطلات الرسميّة.
وعدني "قُرني" بمتابعة طلباتي بنفسه كدأبه دائماً في خدمة الوطن والمواطنين، موظَّفٌ مُحترَمٌ يُعتَمَد عليه وفي منتهى الإخلاص.