صورة واحد دجال (2)
الخميس:
استضافني – مرّةً
خامسة – المُذيع اللامِع "عمرو الجيصي" في برنامجه "واهِم من الناس"
على أساس أني مُعالجٌ روْحانيٌ أُشفي المرضى من أي داء، وكانت الأربع حلقاتٍ السابقة
قد ساهمت في إيمان بعض ضِعيفي الإيمان وقليلي العقول بقُدراتي الخارقة وأسهمت في
التسويق لأعمالي بشِدّة بين الملايين الذين تكالبوا على مُتابعة البرنامج.
وقد دارت الحلقة
الأولى عنّي شخصيّاً وعن سيرتي الذاتيّة وتاريخي المهني ودراساتي بالخارج وإمكانيّاتي
التي أتفرَّد بها عن غيري، وكان آخر جُزءٍ في الحلقة عن قِصّة زواجي بالجنيّة
"قنديشة" – بنت "مانويل خوزيه شمهورِش" ملك الجان الأحمر
وزعيم الشياطين الحُمر وعميد قبائل "التِتش" – والتي تُرافقني دائماً
وتظهر لي وحدي على أي شكلٍ أرغبه فهي تكون أحياناً على هيْئة "مارلين
مونرو" أو "ليلى علوي" أو "فاتن حمامة" أو حتى
"حمامة" بس ولا مؤاخذة، طبعاً المُذيع المُغفَّل صدَّقني وسِخِن ع الآخر
وسألني إن كنتُ قد مارست معها حقوقي كزوج فرددتُ عليه بالإيجاب لأنني زوْجها على
سُنّة الله ورسوله وأم أبنائها الأربعة، ولكنني رفضتُ أن أُجاريه بعد تماديه في الحديث
عن تفاصيلَ أكثر بحُجّة أنها أسرارٌ عائليّة ما بتطلعش كده ع الملأ خصوصاً عندما
بدأ يستظرف ويسألني عن كيْنونة أبنائي منها (بشراً أم جِنّاً أم نُص
كده ونُص كده) وعن تفاصيل الطريقة التي إنجبتهم بها (وهل كانت الأوْضاع بيني وبين
أُمّهم مقلوبة) وعن مكان ولادتهم (مستشفى الجلاء للنسا والولادة أم مستشفى المصباح
السحري للجنيّات والولادة) وعن الطبيبة المولِّدة لهم (دكتورة "عبير زيّان
الطوخي" ولّا "زحالف دهمان البيروخي") وعن وسيلة الولادة (عمليّة
ولادة طبيعيّة أو قيصريّة ولّا عمليّة زعفرانيّة) .. أمّا مُذيع بلّاص صحيح.
وقد خصَّص مُعِد
البرنامج الحلقة الثانية لاستقبال مُكالمات المُشاهِدين ومُداخلاتهم التليفونيّة،
ولكني اشترطت عليه أوّلاً أن أنتقي ما أريد بحيث يكون لي الحق في رفض الرد على
المُتَّصلين الملبوسين (حتى لا يحدث نزاع بيني وبين قُرنائهم) أو الموافقة على الرد
على الأشخاص الطبيعيّين، وقد بهرت الجميع عندما استقبلتُ مُكالمات هؤلاء الأشخاص
الطبيعيّين وعرفتُ أسماءهم وأسماء أُمّهاتهم بالكامل وملامحهم وصفاتهم وأحداث
حياتهم الهامّة ومُشكلاتهم الشخصيّة بالتفصيل .. طبعاً الأشخاص الطبيعيّين دول
كانوا من طاقم العمل عندي وبعض أقاربي الذين أمرتُهم بالاتصال دون أن يعرف أحد.
أمّا الحلقة الثالثة
والرابعة – اللتان أصبحتا تريند عالمي – فكُنتُ فيهما في قِـمّة التجلّي والسطوع عندما
جاءوا لي برجُليْن (رجلٌ في كل حلقة) لا أعرفهما من العاملين بالاستوديو لإظهار قوّتي
في الاتصال بالجِن لإخضاع البشر ومعرفة كل أسرارهم، وبالفعل فقد أوْقفتُ كل رجلٍ
منهما على حِدا أمامي ووضعت يدي على رأسيْهما وتمتمتُ ببعض الكلمات غير المفهومة
ثم أمرتُهم بعَدّة أوامرٍ فنفّذوها بكل دِقّة، فمثلاً كنت أأمر الواحد منهم أن
يرفع يده اليُمنى أو قدمه اليُسرى أو يهرُش في مكانٍ مُعيَّنٍ أو يضرب المُذيع على
قفاه فكان يستجيب في الحال ويفعل ما أُريده، ويبدو أن عامل الاستوديو الذي خضع لي
في الحلقة الرابعة على خلافٍ حادٍّ مع المُذيع ويكرهه كثيراً لسببٍ ما لأنه ما
صدَّق وقام بصفع المذيع صفعةً مدويّةً تردَّدت طرقعتها بين جنبات الاستوديو ثم
أعقبها بعِدّة أقلامٍ على صدغيْ المُذيع الغلبان الذي احمرَّ وجهه وقفاه بشِدّة،
ولكن العامل توقَّف عندما نهرتُه عن ذلك، كما ذُهل الجميع عندما أبدى كل رجلٍ
منهما مُصادقته على ما أقول من أدق تفاصيل حياتهما، والحمد لله فإن السُذَّج الذين
اقتنعوا بي وصدَّقوني لم يعرفوا أنني اشترطتُ على المُخرِج قبل تصوير الحلقتيْن أن
أجلس جلسةً قصيرةً مع كل رجلٍ بمفرده لاختصار مُدّة إحضار الجِن القرين له حتى لا
تطول الحلقة التي تقلَّصت مُدَّتها عن المألوف بسبب الإعلانات التي انهالت على
البرنامج، وفي كل جلسةٍ من الجلستيْن قُمتُ بالاتفاق مع كلٍّ منهما على تقاضي مائة
ألف جنيه مُقابِل أن يُدلي لي ببياناته الكاملة (التي كتبتُها على كف يدي وكنتُ
أقرأ منها أثناء التصوير دون أن يلحظ أحد) وأن يوافقني على كل ما أقول وأن يمتثل
لكل أوامري.
وفي حلقة اليوْم – الخامسة
– استهل المُذيع برنامجه قائلاً:
-
أعِزّائي المُشاهدين .. نستكمل اليوم الحلقة الخامسة والأخيرة من سلسلة
لقاءاتنا مع المُعالِج الروحاني "مُسيْلمة البُهتاني" .. طبعاً فيه ناس
اتَّهمونا بالترويج للخُرافات ونشر الدجل والشعوذة لتحقيق فرقعةٍ إعلاميّةٍ لزيادة
نِسَب المُشاهدة وعمل سوكسيه وتريند ف كل مرّة .. لكن دي مش سياستنا أبداً .. إحنا
– كإعلامٍ هادفٍ واعٍ بينشُر التنوير والمعرفة – من واجبنا أن نتصدّى لرصد ومناقشة
كل الظواهر في المُجتمع .. وبصراحة الشيخ "مُسيْلمة" ظاهرةٌ فريدة لازم
ننبهِر بيها .. أهلاً يا شيخنا.
-
أهلاً بيك يا حبيبي .. ومُتشكِّر على المُقدِّمة الحلوة دي.
-
لا يا شيخنا ده أقل من حقَّك .. إحنا النهار ده يا شيخنا ح نعرِض عليك حالة
مرضيّة لسيّدة مريضة بسرطان خبيث في حواجبها بعيد عن السامعين .. وبيشرَّفنا معاها
الدكتور "حميد عبد الشافي" استشاري أمراض الحواجب بمُستشفى "العين
ما تعلاش" الجامعي .. بنرحب بيك يا دكتور وعايزينك توْصِف لنا حالة السِت
"نتفاء أبو النَـمْص".
وبعد أن استفاض
الطبيب في كلامه العِلمي المُمِل استأذن المُذيع في الذهاب إلى فاصلٍ إعلانيٍ
قصيرٍ لا يزيد عن نصف ساعة، فانتهزتُ الفُرصة للانفراد بالمريضة بعيداً عن
الكاميرات وحاولتُ الاتفاق معها على أي مبلغٍ كمَن سبقها ولكنها رفضتْ بشِدّة
بحُجّة إنها سِت كبيرة حـجِّت بيت ربّنا وعُمرها ما كدبت وإنها مش عايزة حاجة م
الدنيا غير إن ربّنا يمن على حواجبها بالشِفا قبل المرض ما ينتشر ويستفحل ويوْصل
للرموش، وبعد أن يأستُ من موافقتها على رشوتي حذَّرتُها من إفشاء ما دار بيننا
حتّى لا أُسلِّط عليها ملك الجِن الحفّاف يسخطها بومة بلا حواجب، السِت خافت وجريت
برّه الاستوديو.
بعد العوْدة للهوا أعلن المُذيع عن اختفاء المريضة وسط اتَّهام الطبيب لي بإخفائها بعد جلستي معها حتى لا يتم اكتشاف فشلي لأنني دجّال ومُشعوِذ، وعلى أساس مبدأ "خدوهم بالصوت" صرختُ في وجه الطبيب واتهمتُه بالجهل ثم خلعتُ الميكروفون المُثبَّت في ياقة الجاكيت مُعلناً احتجاجي على وجودي في هذا البرنامج الذي لا يعرف قدري ومكانتي، وأنهيْتُ هذه المهزلة قبل أن يُدرِك أحدٌ أنني دجّال فعلاً وع الله حكايتي.