نوفمبر 2018 :
صباح الأحد الماضي كان يومًا دراسيًا مختلفاً
في مدينة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد .. اصطحب مدرس الرياضيات "محمد علي
برجاس" تلاميذ فصله أصحاب الستة أعوام وعددهم 28 إلى سوق البلد بعد أن تواصل
مع أولياء أمورهم في اليوم السابق ليعلِمهم بالنشاط الخارجي الذي سينفذه مع
أبنائهم وليطمئنهم على أمانهم .. وفي السوق قبض كل طالب على ما لديه من أموال
أخذها من أهله ليشتروا احتياجات الأسرة كالطماطم والجرجير مثلاً بل وقاموا بأنفسهم
مع البائع بكيل ووزن السلع وحساب ثمنها واسترجاع الباقي منه ليتعلموا عمليّاً
العمليات الحسابية البسيطة المقررة عليهم .. كما زاروا محلاً للطيور وشرح لهم
التاجر مجال نشاطه وسمح لهم بلمس وحمل الطيور والأرانب والتقاط الصور معهم .. حالة
من السعادة غمرت الصغار طيلة قرابة ساعة ونصف هي مدة الرحلة بالإضافة إلى
استيعابهم قيم تربوية وتعليمية ما كانوا ليدركوها إلا بعد سنوات وفقاً لخطط
المناهج التعليمية العقيمة .. لم تكن رحلة السوق مختلفة فقط للطلاب بل أيضاً
للبائعين ومرتادي المكان فلم يكن مشهداً معتاداً رؤية عدد من الأطفال يسيرون معاً
بزيهم المدرسي بينما يتقدمهم شخص يشرح لهم وكانت الناس تسألهم مندهشين :
"أنتم بتعملوا إيه؟ وليه؟" .. وتسببت حالة تبادل التفاعل تلك في توسيع
دائرة المعرفة بالنشاط التعليمي لحدود أوسع من حدود المدرسة حتى أنه حينما قررت
المدرسة مد النشاط لجميع طلاب جميع فصول الصف الأول الابتدائي استقبلهم أصحاب
السوق بترحاب بل أهدى أحد الباعة للمدرس 50 جنيهاً لشراء حلوى للأطفال .. أخيراً
يقول "برجاس": "التعليم ممكن يكون في أي مكان وبأبسط الإمكانيات
واللي عايز يعلّم ح يعلّم طالما عنده هدف واضح ورسالة".
ألف مليون تحيّة وتقدير لهذا المدرس الشاب الذي
يتقاضى ملاليم ويعمل في آخر الدنيا وسط إمكانيات شبه معدومة ولم يكفر بالوطن ولم
يلعن الظروف كغيره ولم يقصّر في أداء واجبه مبرراً التقاعس بالعبارة الشهيرة
"على قد فلوسهم" بل أصر على أن يمارس عمله المقدس بكل حب وتفاني وإبداع
كما حرص أن يعامل تلاميذه مثلما يعامل أولاده.
مطلوب من وزير التعليم تكريم هذا المعلم
المثالي ومطلوب من كل المعلمين الاحتذاء به ومطلوب مننا جميعاً مراعاة الله في
أعمالنا مثله فما أحوج الوطن لمثل هذه الأخلاقيات والسلوكيات.
تحيةٌ كبيرةٌ لهذا المعلم المثالي الذي أعطى لنا نموذجاً عمليّاً للمعلّم المصري العظيم كما ينبغي أن يكون والذي أثبت لنا أنه: "لسّه جاي من وِسط ليل العَتمة ضَي" وأن حلمنا باليوم الذي ستنهض فيه "مصر" من عثرتها ليس ببعيد إن شاء الله .. وأدعو الموْلى – عز وجل – أن تنتشر العدوى الصالحة لذلك المدرّس الجليل بين معلّمينا .. وأرجو أن يلاقى من رؤسائه جزاء الذين أحسنوا بالحسنى ثم يجزيه الله الجزاء الأوفى.