العلاقة الوثيقة بين الراقصات وأنابيب البوتاجاز
حدّثني الحكيم "ابن أبي صادق".. وهو ببواطن الأمور عالِمٌ حاذِق، أنه منذ عصر "ناصر" و"السادات" .. استُحدِثَت الكثير من العادات، فكلّما أراد أيٌ منهما أن يحوّل اهتمام الناس .. شغلهم بشيءٍ مغايرٍ عكس عكاس، كمن يريد أن يصرف نظرك عن غلاء الفاتورة .. فيطلب منك بسرعة أن تنظر للعصفورة، ومن هنا يفتعل بعض الخبثاء أية أزمة .. حتّى وإن كانت بدون لازمة، فمع كل بندٍ وافق عليه ترزيّة القانون .. كانت تصاحبه أزمةٌ كأزمة توافر الصابون، وكل تحرّكٍ سياسي فاجر.. رافقته المشاكل في المتاجر، فتنقّل الناس من ضيقٍ إلى ضيق .. وعانى حلقومهم من نشفان الريق، وكل أزمةٍ توصف بأنها فالصو .. حتّى ولو كانت في الزيت أو الرابسو، وقد يذكر العجائز مثلي تتابع العديد من الأزمات العابرة المفتعلة .. بدايةً من الخبز والمواصلات والكستور وحتى السجائر المشتعلة، وإن لم يجد المسؤولون ما يلهون به الشعب السكَّة .. اخترعوا له أزمةً تافهةً كأزمة النقود الفكَّة، فبدلاً من أن يفكّر المواطن فيما يحاك له من أمور .. كان قبل شرائه لأي سلعةٍ يلف ويدور، فإن وجد مع أحدٍ فكَّةً تفي بالغرض .. فرح كمن ظفر بالشفاء من المرض، وهكذا كان المواطن يقضي يومه في التوافه يتفكّر .. وعن حلولٍ لأزماته يبحث ويتدبّر، فإن فشل فقد زادت همومه .. وإن نجح فقد ضحك له يومه، وصار الناس يتركون أمور الحكم لأصحابها .. ويكتفون من الدنيا بكفافها، كالأنعام التي عصبت عيونها وهي مربوطةٌ في ساقية .. تدور في دوائرٍ مفرغةٍ وهي في أمر قوتها لاهية.
أمّا في عصر "مبارك" .. فقد ابتدِعت العديد من المعارك، فتارةً لا تجد الدولارات .. وقبل الحج تشح الريالات، وتدخل في دوّامة المدارس والدروس .. فتقذفك على أزمة البنزين الضروس، وبدايةً من بالون اختبار كلمة "لا مساس" .. ونهايةً بحيرة المواطن الغلبان المحتاس، لا تنفك أن تلد كل أزمةٍ ضائقةً خانقة .. والناس تئن من الأسعار وهي غارقةٌ حانقة، ولكن أين المفر؟ .. من كل شر، فسادت ثقافة "لقمة العيش" .. و"اللي يروح في الريش بقشيش"، و"خلّينا نربّي العيال" .. و"احنا ما لنا يا خال"، و"طول ما الضرب بعيد عن قفايا .. عمري ما ح اقول للظالم كفاية"، وصارت البلد بلدهم .. و"مصر" هيّ أمهم.
ومنذ قامت ثورة "يناير" .. ولم تتوقّف الخساير، ورغم أن الثوْرة كانت في بداياتها مبشّرة .. وعن أنيابها ضد الفساد مكشّرة، إلا أن مصيرها آل إلى الإخوان .. وهم في ولائهم لجماعتهم- دون وطنهم- صنوان، فركبوا الثوْرة .. وأخمدوا الفوْرة، واتّجهوا لتوزيع الغنيمة الأثيرة .. إلى أفراد الأهل والعشيرة، واتبعوا سنن الأولين الغابرة .. في اختلاق الأزمات الجائرة، ولم يحاولوا حلّها .. بل أهملوها كلّها، وبرّروا أزمة الوقود والبوتاجاز والكهرباء .. بالعديد من المبرّرات الحمقاء، فلاموا الفلول على فشلهم .. وعملوا على الأخونة بكل ثقلهم، ولكن سرعان ما لفظتهم الأمّة .. لينزاح الهم وتنجلي الغمّة.
وجاء "السيسي" بأملٍ جديد .. ولكن علاج الداء بالداء لا يفيد، ومن لا يتعلّم من التاريخ .. يستحق من الزمان التوْبيخ، فلم تزل العقليّة هي العقليّة .. ولم يتغيّر شيءٌ بالكليّة، فترى اختلاق الأزمات والمشاكل كما هوَ .. وكأنّ "أبا زيدٍ" لم ولن يغزوَ، وصار هدف "محلب" ومن والاه أو "مدبولي" وشركاه .. أن يلفتوا نظر الناس عن رحرحة ذوي السلطان والجاه، ويغطّون على فشلهم في محاربة الإرهاب .. ويعزون ذلك إلى العديد من الأسباب، فيصحو الناس على أزمة البوتاجاز .. وينامون على وصف بذلة رقص "صافيناز"، كما ازدهر الإعلام المسموم .. وبغير الحقيقة صار مهموم، ولنا في أزمة "حلاوة روح" خير مثال .. حيث انتهت إلى نفس النتيجة والمآل، وتواصل الانتاج الغزير "للسبكي" .. ومن يعترض فهو رجعيٌ أو نمكي، وغرق الناس في مسائلٍ سخيفة .. ما برحت تزيد حتّى صارت كثيفة، فبدايةً من نقص القوطة واختفاء السكر .. عشرات الأزمات التي تتكرّر، فانشغلوا بتسريب امتحانات الثانوية العامّة .. و"رمضان" الأسطورة وأخباره الهامّة، وكيفية علاج الملبوسين بعفاريت "ريهام" .. وتجاهُل لاعب الجودو المصري مصافحة الإسرائيلي لنصرة الإسلام، وانصب جل اهتمامهم على الحاجّة "زينب" وقرطها .. وعلى مقالب "رامز" السخيفة وسخطها، وانحاز منهم رهطٌ "لأحمد عز" ومحاميه "مرتضى" .. وتعاطف آخرون مع "زينة" التي أنصفها القضا، وانقسم القوْم بين الماونتين فيو .. ومزايا الفيلات الترايو، وانهمكوا في انتقاد إعلان شقق مدينتي .. وقارنوها بأسعار مثيلاتها في جاردن سيتي، وانغمسوا في الكلام عن الراقصة "لوردينا" .. وشبّهوا تضاريسها بتلك التي تملكها "دينا"، ونسوا تقصير الحكومة الشنيع في مجالاتٍ شتّى.. فلا تسألوني عن هذه الأمور بتاتاً البتّة، خصوصاً هذه أو تلكم .. التي إن تبدُ لكم تسؤكم، لا تسألوني عن "سيْناء" .. أو الجماعات الضالة الشعواء، لا تسألوني عن سد النهضة .. وظروف إنشائه الغامضة، انسوا من يقتل أبناءنا .. ومن يعتقل رفقاءنا، انسوا خطايا الحكومة بعد كل تعديلٍ وزاري محدود .. انسوا البرلمان الذي غاب سنيناً دون حدود، وعندما عاد المجلس الطاهر بالسلامة .. لم يبالِ إلا بإرضاء الحكومة والبعد عن الملامة، انسوا شبابنا الذين غرقوا في البحر .. طلباً لحياةٍ أفضل تنسيهم القهر، انسوا قفزات الدولار المتتالية .. وأسعار الفواتير والسلع الغالية، انسوا رفع دعم الوقود بالتدريج .. وادفعوا الضعف لملء الصهريج، انسوا انتشار جبال القمامة في الشوارع .. وكلوا ما تيسّر من لحم الحمير وظلف الكوارع، واستوْرِدوا الدقيق والقمح المسرطِن .. فالنعيم هو الظاهر والجحيم هو المبطِّن، واحمِدوا ربّكم على عدم السير على نهج سوريا والعراق .. ولتحصروا أنفسكم في نطاق التخلّف والشقاق، ولا تنظروا لتقدّم كفّار أوروبا وأمريكا .. فما أحلى الكسل والاستلقاء على الأريكة، فالحمد لله على توافر الكاجو والكافيار .. وليمت المرضى لعدم توافر الدواء والعقار، فكل نفسٍ ذائقة الموْت .. على ألا يصدر عنها صوْت، ولندع حكّامنا يغفون في هدوءٍ واستقرار .. دون أن نزعج آذانهم بحشرجات الاحتضار.
فلتسقط كل ذاكرة .. سواءٌ بريئة أو ماكرة،
ولتحيا "صافيناز" ويحيا "أوكا" و"أورتيجا" .. وليفز
فريق "برشلونة" ببطولة "الليجا"، فما أحوجنا بعد ثوْرتيْن ..
أن نرتاح من الزمن عِقديْن، وليذهب الوطن إلى قرارٍ سحيق ضمن أصاغر البلاد ..
فعوْدة الجماهير لدوْري الكرة هي غاية المراد من رب العباد.
وإلى أن نلتقي في حكايةٍ أخرى .. لكم من "ابن أبي صادق" تحيّةٌ كبرى.