الفصل الخامس (3) | نهاية العالم
وفي الظهيرة بدأت
القنوات الفضائيّة في التنويه بغزارة عن أن علماء وكالات الفضاء: الأمريكيّة
"ناسا" والأوروبيّة "إيسا" والصينيّة "سنسا"
والروسيّة "روسكوسموس" سوف يقيمون مؤتمراً صحفيّاً في "واشنطن
دي.سي." يهم جميع شعوب الأرض على مختلف انتماءاتهم عن المذنّب
"الماحق" وذلك في تمام الرابعة عصراً بتوقيت "جرينيتش" أو
الحادية عشر ظهراً بتوقيت "واشنطن"، وانتشر الخبر كالنار في الهشيم على
وجه الأرض كلّها فخلت الشوارع والطرقات من الناس الذين توجّهوا إلى بيوتهم
ليتابعوا بشغف ما سينمّ عنه هذا المؤتمر الصحفي الخطير الذي يحمل بيْن طيّاته مستقبل
العالم بأسره.
وفي الرابعة تماماً
بثّت جميع القنوات وقائع المؤتمر الذي أقيم في قاعةٍ مهيبة بمشاركة علماء الفلك
والفضاء العظام الذين شوهدوا وهم يجلسون على منصّة المؤتمر مهمومين مكروبين وقد
اكفهرّت وجوههم واحتقنت آذانهم وقطبوا أجبنتهم وعقدوا ما بين حاجبيْهم وزمّوا
شفاههم من هوْل الموْقف الجلل، وبدأ كبيرهم في تلاوة البيان المشترك قبل تلقّي
أسئلة الصحافيّين:
- بعد أبحاثٍ دقيقة
ومتابعةٍ وافية وعملٍ دائم طيلة الأسبوع المنصرم وبالتعاون مع جميع وكالات الفضاء
وهيئات الفلك ومراكز بحوث الطيران في جميع بلدان العالم وكذلك بعد التحقّق الأكيد
من جميع تقارير الأقمار الاصطناعيّة والتليسكوبات الأرضيّة؛ أجمعنا نحن العلماء
والفنيّين على أن الساعة الواحدة وثلاثة وعشرون دقيقة بتوقيت جرينيتش من بعد ظهر
يوم السبت 10 / 10(أكتوبر) / 2020 ميلادي الموافق 22 / 2(صفر) / 1442 هجري الموافق
22 / 1(تشري) / 5781 عبري هو نهاية العالم نظريّاً وحسابيّاً وذلك بسبب تغيّر غير
مبرَّر في مسار المذنب "الماحي" الذي أصدرنا بشأنه بياناً من قبل؛ وهذا
التغيير المفاجئ تسبّب في زيادة سرعته وقوة اندفاعه مما يجعل اصطدامه بالأرض
مباشرةً أمراً مفروغاً منه يؤدّي في النهاية إلى تفتّت كـوْكب الأرض تماماً وفناء
الجنس البشري كليةً ونحن إذ نصلّي لله ليرحمنا نناشد الجميع بالحفاظ على رَبَاطة
الجأْش والهدوء فليس هناك مهربٌ من موْتنا جميعاً ولتكن مشيئة الرب.
ولف القاعة سكونٌ
رهيب للحظاتٍ كأنها دهور من وقع الصدمة على الجميع ثمّ ما لبثت أن تعالت الهمهمات
وتزايدت التأوّهات بيْن نحيب النساء ونواحهنّ ونشيج الرجال وعويلهم وتصارع
المتواجدون على إلقاء الأسئلة التي انهمرت منهم وتناوب العلماء على إجابتها:
- ما مدى تأكّدكم من
هذه المعلومات؟
- مائة بالمائة.. مع
الوضع في الإعتبار أن معامل الخطأ في هذه الحسابات الفلكيّة والمعادلات الرياضيّة
يساوي صفراً.. وسوف تتأكّدون أنتم أيضاً من صحّة هذه المعلومات عندما يظهر المذنّب
"الماحي" في السماء في غضون يومٍ أو يوميْن على الأكثر.
- وكيف نستطيع
تمييزه؟
- لن يحتاج رجل
الشارع العادي إلى مهاراتٍ خاصّة في التعرّف على "المهلِك" بكل بساطة..
فسيظهر ليْلاً على هيْئة كرةٍ ناريةٍ عملاقة ذات ضوء باهر كالقمر لونها أبيض تضرب
إلى الزُرْقَة تتحرك بسرعة عبر السماء لها نواةٌ مضيئة وذَنَبٌ أو ذيلٌ طويل هو في
الحقيقة عبارة عن مجموعة من الأغبرة والأتربة والأبخرة والغازات المؤيّنَة والجسيْمات
الصخريّة الصغيرة.
- صرّحتم من قبل أن
المذنّب "المُهلِك" سيصطدم بالقمر ويتفتّت قبل الوصول للغلاف الجوّي
للأرض.. ما سبب تغيير ذلك التصريح؟
- فعلاً كان هذا قبل
خمسة أيّام.. ولكن فوجئنا ونحن نتابع "المميت" بأنه يكتسب سرعةً زائدة
واندفاعاً قويّاً لم نتوقّعه ربما بسبب قوّة التنافر بينه وبين كـوْكب
"الزهرة" الذي يسبق مداره مدار كوكبنا أو ربما بسبب قوّة الجاذبيّة
الأرضيّة أو بسبب وقوع عاصفة شمسيّة جيومغناطيسيّة منذ يوميْن.. وقد أسفرت سرعته
هذه عن قطعه للمسافة بينه وبين الأرض في وقت أقصر ممّا حسبناه.. وسيؤدّي ذلك إلى
وصوله للأرض فيرتطم بها قبل أن يتعارض معه القمر الذي كان- حسب حساباتنا القديمة-
سيعمل بمثابة الدرع الذي يحمي الأرض من المذنّب.
- وهل من سبيلٍ إلى
إعاقة "الماحق" أو تأخير وصوله إلى الأرض حتّى نعطي مهلةً للقمر ليعترض
طريقه فيصطدم به أوّلاً؟
- درسنا جميع
المقترحات التي تعمل على ذلك وتيقّنّا من فشلها جميعاً.. باختصار لا توجد وسيلة
يمكنها إبطاء "الماحي" أو تثبيطه.
- ولماذا لا نقوم
بتدمير المذنّب قبل وصوله إليْنا؟
- لا نستطيع ذلك
أبداً لعدّة أسباب.. المذنّب ضخم الحجم جداً لا يمكن تفتيته ولوْ بملايين الرؤوس
النوويّة أو القنابل الهيدروجينيّة أو الصواريخ البالستيّة.. وهو مكوّن من صخور
ومعادن صلبة جداً لا يمكن تفكيكها وصهرها في درجات الحرارة التي نعرفها.. كما أن
أسلحة التدمير لا يمكننا إلقاءها على المذنّب بدقة نظراً لانعدام الجاذبيّة في
الفضاء الخارجي.. وأخيراً فإن "الماحي" يحتفظ حوله بمجاليْن
كهرومغناطيسي وحراري عالييْ المستوى يمكّنهما من تفجير أي جسم أو سلاح يقترب منه
قبل الوصول إليه لتدميره.
- ألا توجد طريقة
لتهجير البشريّة بعيداً عن هذا الدمار واللجوء إلى العيْش في كـوْكبٍ آخر؟
- للأسف جميع
بعثاتنا الفضائيّة إلى الكواكب القريبة من الأرض "كالمرّيخ"
و"الزهرة" أثبتت أن الحياة فيها مستحيلة لعدم وجود الأكسجين اللازم
للتنفّس وندرة الماء الضروري للمعيشة وكذلك لانعدام الجاذبيّة وعدم ملائمة الجو
لطبيعة الإنسان.
- هل يمكننا انتقاء
نخبة مميّزة من البشر وتسكينهم في مركبةٍ فضائيّة تهيم بهم في السماء أو كـوْكبٍ
صناعي يسبح في الفضاء حتّى نحافظ على السلالة البشريّة كما نشاهد في أفلام الخيال
العلمي السينمائيّة؟
- هذا الكلام غير
واقعي.. يوجد في السينما وسلسلة أفلام حرب الكواكب فقط.. ثمّ ما هي مقاييس النخبة
التي يمكن انتقاؤها والاتفاق عليها.. كل إنسان من حقّه أن يعيش وإلّا فلنمُت
جميعاً معاً.
- بماذا تنصحون في
الخمسة أيّام المتبقية؟
- ننصح الجميع
بالثبات ومواجهة النهاية بشجاعة ونبذ الكراهية ونشر الحب والصلاة قبل الموْت حتّى
نلتقي سويّاً عند الرب في ملكوته الواسع.
واكتفى الجمع بهذا القدر من الأسئلة فقد جفّت الأقلام وطُويت الصحف وعمّ الوجوم وجوه الناس؛ كلٌ يفكّر فيما سيفعله وكيف يستقبل النهاية المقدورة، وانصرف الناس بعد المؤتمر لا حوْل لهم ولا قوّة وهم كالسُكارى وما هم بسُكارى من فرط الفكر الذي قض مضاجعهم وأفسد صحواتهم وأبطل شهواتهم وأتلف شهيّاتهم وأسنّ أشربتهم وأهويتهم وأفشل خططهم وجعلهم يعيدون النظر في حيواتهم برمّتها.