الرئيس يبكي في احتفالية "يوم الشهيد"
لم يمر سوى رُبع شهر على تصريحات الرئيس أثناء حضوره لمؤتمر تنمية الأسرة المصريّة والتي أعلن فيها عجزه عن توفير الغذاء والسكن والتعليم والعلاج الجيّد لشعبه بسبب قلّة موارد البلاد وعدم مسايرتها للمصروفات على شعبٍ سفيه لا يعمل ويكتفي فقط بزرب العيال وبمطالبة الحكومة كي تصرف عليه وعلى أولاده .. لم يمضِ غير أسبوعٍ واحدٍ فقط على مناشدة الرئيس لكل فئات المجتمع والمسؤولين بأن يزوروا المناطق الشعبيّة ليروا بأم أعينهم مدى تدهور الأحوال المعيشيّة لعامّة الشعب في عهده الميمون .. لم يفُت إلّا عدّة أيّام على وصف الرئيس لمنتقديه بأنهم إمّا جاهلون أو حاقدون يتسبّبون في التنكيد على أم الشعب واللي جابوه .. لم تنقضِ تلك المدّة البسيطة إلّا وفوجئنا بالرئيس بشحمه ولحمه يحضر احتفاليّة الندوة التثقيفيّة للقوات المسلّحة بمناسبة "يوم الشهيد" .. تلك الاحتفاليّة التي حضرها آلاف المدعوين وشارك بها مئات الفنّانين وتكلّفت عشرات الملايين من الجنيهات التي تم استقطاعها من أموال ذلك الشعب الفقير قوي (على حد تعبير الرئيس برضه) والتي كان من المفروض أن يتم توجيهها إلى بندٍ أكثر جدوى ونفعاً للناس بدلاً من أن يستفيد منها مجموعة من الأرزقجيّة والمنتفعين والأكّالين على كل الموائد.
أليس هناك مسؤولٌ في تلك الدوْلة يرى أو يشعر
بذلك التناقض الفج بين أقوال الرئيس وحكومته وإعلامه (عن عدم توافر الأموال للدولة
كي تقوم بواجباتها وعن فقر الشعب ومعاناته وعن تدهور أحوال الوطن) وبين أفعال
الرئيس وحكومته وإعلامه (بالقيام بعقد مئات الندوات واللقاءات والمؤتمرات
والاحتفاليّات والحفلات والمهرجانات وأبونا السقا الذي مات)؟
ماذا يستفيد الشعب من تلك الأفراح والليالي الملاح التي لا تخلو من جوْ التراجيديا والصعبانيّات التي تجعل الرئيس ينفعل ويبكي أحياناً عند متابعته لبعض الأغاني أو المشاهد التمثيليّة التي تصوّر معاناة أهالي الشهداء الذين بذلوا أرواحهم فداءً للوطن؟
ماذا عن أهالي الشهداء الآخرين الذين يفقدون حياتهم (ماديّاً أو معنويّاً) بسبب تقصير ذلك الوطن وتهاونه في حقوقهم ؟ .. لماذا لا
يبكي الرئيس على المرضى الذين استشهدوا لأنهم لم يجدوا علاجاً آدميّاً في المستشفيات
الحكوميّة؟ .. لماذا لا يبكي على ضحايا اللحوم الفاسدة الرخيصة و مَن يقعون فريسةً لسوء التغذية وعدم توافر ضروريّات الطعام
اللازم لطبقات الشعب الدنيا بسبب غلاء الأسعار؟ .. لماذا لا يبكي على الشباب الذي
يغامر بالغرق أثناء هجرته ليحصل على فرصة عمل لائقة؟ .. لماذا لا يبكي على رجالٍ
طوالٍ عراضٍ بشنبات يموتون في اليوم ألف مرة عندما يعجزون عن الوفاء بمتطلّبات
ذويهم الضروريّة؟ .. لماذا لا يبكي على أحوال الملايين الذين يسكنون في أماكنٍ
تنأى الحيوانات عن العيش فيها؟ .. لماذا لا يبكي على ملايين الخرّيجين الذين
يخرجون لمجابهة الحياة العمليّة وهم أجهل من دابّة كالثور اللاهِ في برسيمه بسبب
عدم توافر التعليم الجيّد؟
أرجو أن يجد مقالي هذا صدىً عند أحد المسؤولين علّه يدوّن أو يسجّل لمَن يهمّه الأمر ما يفيد بأن الرأي العام يطالب الرئيس بالكف عن إنفاق أموال الشعب فيما لا يفيد الشعب أو بالامتناع عن الشكوى من قِلّة الموارد والإمكانيّات أو على الأقل بالتوقّف نهائيّاً عن البكاء .. ألا هل بلّغت؟ .. اللهم فاشهد.