قبو الصرخات (1)
- يا ابني خلّص.. أسماء زمايلك إيه؟
- ما ليش زمايل.
- طب مين زعيم الخليّة؟
- خليّة !.. خليّة إيه؟.. واللهِ ما اعرف
حاجة.
- ماشي يا "سعيد".. الظاهر انّك
حبّيت الكهربا قوي.. خُد لك حبّة كمان.
- آآآآآآآآآآه.. كفاية.. آآآآآآآآآآه..
إرحمني أبوس إيدك.. آآآآآآآآآآه.. واللهِ ما عملت حاجة.
- أمّال بتروح جامع "الفتْح" بتعمل
إيه مع بتوع جماعة "الإيمان والتوْحيد"؟
- واللهِ ما اعرفهم.. أنا باروح اصلّي ف
الجامع عادي.. ما هو جنب البيت.
- وكتب الفقه والشريعة وكتب "سيّد
قطب" و"حسن البنّا" و.. الزِفت ده اللي اسمه.. آآآ.. آه
"الموْدودي".. اللي اتظبطت عندك.. بتعمل بيها إيه؟
- باقراها يا فندم.. عايز اعرف ديني.. فيها
إيه دي؟
- دينك إيه ودين أمّك إيه يا ابن الـ.....
أمّال بتذاكر ف كتب الهندسة إمتى؟.. إنت ح تشتغلني يا لاه؟.. طب والمنشور اللي
لاقيناك حاطّه جوّه كتاب "الهيدروليكس" جبته منين؟
- ما هو بيتوزّع جوّه الكليّة عادي.. إسأل أي
حد.. أنا ما ليش دعوة.
- عادي!.. منشور بيدعو للثوّرة على الفساد والقضاء
على الطاغوت والمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلاميّة وتقول لي عادي!.. ولو انت ما لكش
نيلة دعوة بتاخده ليه وتحتفظ بيه وسط كتبك؟.. واللهِ يا ابن الـ..... ما انا سايبك
إلّا امّا تقِر بكل حاجة.. هاه.. أنا ح اخلّيك تنوّر يا......
وأعاد الرائد "سمير" - الضابط بأمن
الدوّلة "بأسيوط" - توصيل الكهرباء إلى الأقطاب الموصَّلَة بجسد "سعيد"
الذي أخذ يصرخ من شدّة الألم وهو يرتعش وينتفض بقوّة، وعندما أصرّ "سعيد"
على أقواله اكتفي الرائد "سمير" بهذا الفاصل من التعذيب بالكهرباء وانتقل
إلى فاصلٍ آخر من التعذيب بالجَلْد والضرب وإطفاء السجائر المشتعلة على جميع أجزاء
جسم "سعيد" بعد تعليقه في السقف من قدميْه وكان ذلك مصحوباً بما تيسّر
من شتائم وإهانات، وعندما لم يسفر ذلك عن نتيجةٍ تُرضي "سمير" استدعى
أحد زبانية التعذيب المعروفين بميولهم الشاذّة ليعتدي جنسيّاً على "سعيد"
فيُفقِده كرامته وكبريائه ويجبره على الاعتراف بالحقيقة، وظلّ "سعيد"
يصرخ ويبكي من شعوره بالإهانة قبل إحساسه بالألم حتّى سلّم بما يريد الضابط فانهار
ووافق على التوقيع على ما يكتبه الضابط في محضر الأقوال مهما كان، وأحس الضابط
بنشوة الانتصار عندما ألّف مجموعةً من الاعترافات المختَلَقة ونسبها زوراً "لسعيد"
الذي وقّع على آخرها قبل أن ينقلوه من قبو التعذيب منهك القوى خائر العزيمة محطَّم
نفسيّاً.
ولم يتّبع الرائد "سمير" هذا النهج
مع "سعيد" فقط ؛ بل مع غيره ممَّن يوقِعهم حظّهم السيء تحت براثن
الاعتقال السياسي فقد اكتسب "سمير" - رغم حداثة رتبته - شهرةً واسعة بين
أقرانه بقدرته العالية على انتزاع اعترافات المتّهمين قسراً وإجبارهم على قوْل ما
يريده هو، ولكن سمعة "سمير" الأكبر كانت قد ذاعت منذ فترة عندما تسبّب
في موْت ثلاثة سجناء خلال فترةٍ قصيرة نتيجة التعذيب الرهيب الذي مارسه عليْهم في
القبو السرّي الملحق بمبنى جهاز أمن الدولة "بأسيوط" والذي يتمّ فيه احتجاز
المعتقَلين الخطرين وإجراء التحقيقات الغير رسميّة معهم في غرفٍ أو أقسامٍ محاطة
بالقضبان الحديديّة من كل جانب بعد نقلهم إليها عبر دهاليزٍ وممرّاتٍ لا يعرفها
سوى العاملين بالجهاز، وبعد دفن جثث الثلاث معتقَلين في أرضيّة إحدى غرف القبو
المنعزلة والمخصّصة لذلك الغرض تمّ ادّعاء هروبهم من قسم الشرطة أثناء التحقيق
معهم لإبعاد أي مسئوليّة جنائيّة على الضابط وجهازه الأمني الذي كان يرتكب جرائمه
تحت ستار الحفاظ على الأمن العام وحماية النظام.
وكانت تختلط في هذا القبو تأوّهات المعتقَلين
في غرف التعذيب مع أنّات المحتجّزين الذين ينتظرون دوْرهم في غرف الحجز مع صرخاتٍ
أخرى ذات صدى تأتي من ناحية غرفة الدفن المنعزلة فسّرها البعض بأنّها صرخات
الأحياء من المعذَّبين والمحتجّزين التي يرتدّ صداها من آخر أقسام القبو في حين
فسّرها البعض الآخر بأنها صرخات الأرواح الحبيسة التي تبحث عن خلاص أجسادها
المسجونة من أرضيّة هذا القبو اللعين.