وتأتي مناقشة مجلس
الشعب لمشروع قانون تجريم الانتحار في إطار جهود الدوّلة الحثيثة والممنهجة لمص دم
الشعب وتقليبه في أي قرشين والطلوع من ورائه بأيتها مصلحة باعتباره المصدر الرئيس لموارد
الحكومة المصريّة من أجل تدبير الأموال اللازمة لبناء المزيد من القصور الرئاسيّة والفنادق
ذات السبعة نجوم والسجون الفاخرة ولعقد الكثير من المؤتمرات الشبابيّة والكهوليّة وللزيادة المتتالية لمرتبات أفراد القضاء والقوّات المسلّحة والشرطة وكبار المسؤولين ولإنشاء العديد من
المشروعات الضروريّة لكل مواطن مصري كأسرع مونوريل وأضخم كومباوندز وأعلى برج
وأطول نهر وأكبر مسجد وأفخم كنيسة وأعرض كوبري وأفشخ ملاعب جولف.
ولأن مصلحة المواطن المصري (ولا مؤاخذة) كبيرة جداً وضخمة للغاية وما زالت تتسع لحشر ودفس وتكديس المزيد من الضرائب والرسوم والإتاوات والجبايات والغرامات فإن الحكومة ما زالت تفكّر مليّاً وتقدح زناد فكرها لتحلب هذا الشعب اللُقطة وتستثمر لجوء شبابه إلى الانتحار الذي تزايد الطلب عليه من الشباب النزق الغر المظلوم المضغوط الذي أوصله يأسه وإحباطه (اللذان تسبّبت فيهما أصلاً تلك الحكومة الفاشلة) من مستقبله المظلم الغائم إلى التفكير بالتخلّص من حياته الكئيبة .. بدلاً من أن تبحث هذه الحكومة الخائبة في أسباب تلك الظاهرة الدخيلة على المجتمع المصري وبدلاً من أن تحاول أن تحلّها وتُحسِّن ظروف شعبها الذي يعاني معظمه من الفقر والجهل والمرض والبطالة وبدلاً من أن تحتوي مشاكل ومعاناة شبابها التعِس التعيس المتعوس الذي ألجأته ظروفه الصعبة وقذفت به في أحضان التفكير بالانتحار أو الهجرة أو الانحراف أو الإرهاب أو العيْش مُهَمّشاً بلا انتماء في مجتمع يكِن له كل الكراهية ويناصبه كل العداء.
وإذا كان مشروع
القانون ينص على معاقبة مَن يقوم بالتحريض على الانتحار ومَن يتسبّب فيه ومَن
يؤدّي إليه فعلى الحكومة أن تعاقب نفسها أوّلاً لأنها أكبر المتسبّبين في إقدام
المصريين على الانتحار بسياساتها الفاشلة الخرقاء وعدم قدرتها على السيْطرة على
الأسعار وجذب الاستثمارات وإنشاء المشاريع الصناعيّة والزراعيّة العملاقة وخلق فرص
العمل والدعم الاقتصادي والاجتماعي والتيسير على الناس بدلاً من التضييق عليهم في
جميع المجالات.
ويأتي اقتراح قانون تجريم
الانتحار في "مصر" في الوقت الذي ألغته (منذ القرن الماضي) جميع الدول
المتقدّمة بعد أن أدركت (بناءً على العديد من الدراسات الاجتماعيّة والنفسيّة)
العواقب السلبيّة لمثل هذه القوانين .. فالمُقدِم على الإنتحار ليس مجرماً بل
بالتأكيد مريضاً وضحيّة تأثّره سلبيّاً بالضغوط التي وقعت عليه وجعلته يتصرّف عكس الطبيعة
البشريّة التي جبلنا الله عليها وخلقنا بها من حبٍ للحياة وتمسُّكٍ بها .. ورغم أنّ
الانتحار حرام شرعاً ومن كبائر الذنوب (لأنه إخلالٌ بمبدأ الدين والعقل بحفظ الكُليّات
الخمس: وهي الدين والنَفس والعقل والعِرض والمال) التي نهى عنها الله تعالى (حين
قال: "وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيما")
والرسول عليه الصلاة والسلام (حين قال: "وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ
عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ") إلّا أنّ المنتحر المسلم ليس كافراً ولا يخرج من
الِملّة بل يظل على إسلامه ويُصَلَّى عليه ويُغَسَّل ويُكَفَّن ويُدفَن في مقابر
المسلمين وليس لنا أن نكفّره أو نجرّمه بل علينا أن ندعو له بالمغفرة والرحمة
ونتصدق عنه بما يتيسّر لنا والله أعلم بحاله إن شاء حاسبه على ما فعل وإن شاء عفا عنه
.. كما أن تجريم الانتحار من شأنه أن يرسّخ الوصمات التي يوصم بها المنتحر ويعزّز لديه
شعورًا عميقًا بالمظلوميّة ويضع المجتمع والدولة معاً فى عداءٍ مباشرٍ وصارخٍ معه
دون فهم حقيقة شعوره باليأس من الحياة الذى ينتج عن إحساسه بالظلم والاضطهاد
وانعدام الأمل فى الحياة برمّتها حيث تبدأ مشاعر اليأس من وطأة الوصمة الاجتماعية
للمنتحر بأنه مختل نفسيّاً وعقليّاً ثم تتفاقم المعاناة مع حِدّة الوصمة الدينية له بأنه
كافر .. وها نحن نصل الآن إلى قمّة الازدراء بموجب هذا الموقف التشريعى الذى يضيف
له كذلك وصمةً قانونيّة ويتهمه بأنه مجرم وبذلك يكتمل مثلث الفَناء الحتمى للمنتحر
بالوقوف على حافة الوجود: إما بقتل النفس بغير رجعة أو الثأر والانتقام من ذلك المجتمع
الظالم .. كما يؤدي ذلك القانون أيضاً إلى قطع خط الرجعة على المقدم على الانتحار الذي
يخشى البحث عن المساعدة النفسيّة والدعم المادّي لتجاوز أزمته خوْفاً من الفضيحة والمسائلة
القانونيّة.
وإذا كانت الحكومة جادّةً في تقنين هذا
الاقتراح وتريد أن تردع هؤلاء الذين يفشلون في محاولات انتحارهم وتسليك ملايين
الجنيْهات من وراءهم فإنها – في نفس ذات الوقت – ستشجّعهم على إتقان طرق الانتحار وتجعلهم
حريصين على حُسن اختيار أكثر هذه الطرق كفاءةً وقتلاً حتى تتكلّل مجهوداتهم
بالنجاح فيتأكّد انتحارهم وموتهم دون فشل ليتجنّبوا (في حالة فشلهم في الانتحار لا قدّر
الله وإفلاتهم من الموْت معاذ الله) دفع الغرامة والتعرُّض للجُرسة والبهدلة وخراب البيوت (التي هي أصلاً
مخروبة .. يعني كده خربانة وكده خربانة) .. ولهذا فأنا أقترح (اقتداءً بنفس هذا الفِكر العسكري القمعي
الحنجوري الهادف إلى جمع القرشينات من حبابي عين أم الشعب أبو مصلحة كبيرة) على
السادة نوّام (جمع نائم) مجلس الشعب (والذين يتفنّنون ويتفانون في عمل كل ما يضر بذلك الشعب البائس الذي انتخبهم بنفسه وأتى بهم فوق هذه الكراسي المشبوهة) أن يضيفوا بنداً جديداً إلى مشروع القانون ينص
على الآتي:
"أمّا في حالة نجاح محاولة الانتحار وتحقُّق الوفاة المؤكّدة وتعثُّر تطبيق الغرامة وتعسُّر تحصيلها من المنتحر (الذي أفلت من العقوبة بسبب تحايله على القانون وانتقاله – غير مأسوفٍ عليه – إلى جوار ربّه) فعلى الجهات المختصّة تطبيق الغرامة وتحصيلها من ذويه وأقاربه من الدرجة الأولى فأدنى من ذلك (حتى الدرجة الرابعة) في خلال 24 ساعة من الوفاة وإلا سيتم التحفّظ على جثة المنتحر الأثيم وجرد محتوياتها ومصادرة الأعضاء الهامّة فيها (العينيْن والقلب والكليتيْن والكبد والبنكرياس والمعدة والأمعاء والخصيتيْن في الذكور والمبيضيْن في الإناث) وبيعها في مزاد علني قانوني (تُطبَّق فيه الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون الضبط القضائي والحجز المالي والإداري) بعد استيفاء الإجراءات اللازمة من شراء كراسة الشروط ودفع مبلغ تأمين المزاد وخلافه .. على أن يتم توريد حصيلة المزاد بقسيمة البيع الصفراء رقم (23-أ.ح.ا.) وتسجيلها بالسركي (701-أ.ح.ي.هـ.) الخاص بوزارة المالية تحت بند "تخليص حق الدوْلة من المدعوق المنتحر الله يجحمه مطرح ما راح" .. أما الأجزاء المتبقية من الجثّة المذكورة (باقي الأعضاء غير المذكورة عاليه واللحم والدهن والعضم والشَغَت) فيتم تسليمها إلى مندوب وزارة الزراعة بموجب إيصال استلام أزرق رقم (939-أ.ح.و.ه.) بحيث يتم ذكر وزن بقية الجثمان بالكيلوجرام بكل دقّة (باعتبارها عهدة رسميّة) على أن يتم توْجيهها بالأمر المباشر للقطاعات الخدميّة بالوزارة المذكورة وإرسالها لأقرب حديقة حيوان (حسب التوزيع الجغرافي المعترَف به) لإدخالها ضمن برنامج تغذية الأسود والنمور والفهود والضباع كلٌ حسب درجته الوظيفيّة وأقدميته في الحديقة ورتبة سلالته في التصنيف الحكومي الحيواني".