سفاح كرموز" | الفصل الخامس (2)"
- ولا قرشانة
ولا حاجة .. دي رِجل ف الدنيا ورِجل ف الآخرة .. ديك النهار وقعت من طولها ف
الحمّام .. كنت انا واقفة باغسل الصحون ف أوضة الطبيخ إلّا وسمعت صوت هَبدَة جامدة
.. بصّيت من شبّاك المنور لقيتها يا عيني واقعة ف الحمّام بتاعها مش حاطّة منطق ..
قول من ستر ربّنا إن شبّاك الحمّام بتاعها كان مفتوح وشفتها وإلّا ما كانش حد حس
بيها .. ندهت بسرعة ع الواد "حمّو" ابن الجيران طار لحد ورشة ابنها ف
الشارع اللي ورانا وجابه فتح باب الشقّة بالمفتاح بتاعه وشيلناها هيلا بيلا
ونيّمناها على سريرها وابنها راح ينادي الدكتور "ميخائيل" وسابها معايا
.. بيني وبينك انا احتست .. عايزة افوّقها مش عارفة .. أنادي عليها بصوت عالي ف
ودنها .. ما فيش فايدة .. أضربها بالاقلام على وِشّها .. برضه ما فيش فايدة .. قلت
ادوّر على كولونيا ارشّها ف مناخيرها يمكن تفوق .. ما لقيتش كولونيا ع السرّاحة
ولا ع الشوفونيرة .. فتحت درفة الكومودينو لقيت أدوية وبراشيم .. فتحت درج
الكومودينو وعينك ما تشوف إلّا النور .. الدُرج متروس دهب .. إشي غوايش تِعبان
وإشي سلاسل وإشي خواتم وحِلقان .. ده انا شفت كِردان فيه مصحف دهب قد كدهو .. مع
إن السِت دي جِلدة وعمرنا ما شفناها لابسة حاجة عليها القيمة.
- وعملتي إيه ف
الدهب؟
- ح اعمل إيه يعني
.. قفلت الدُرج بشويش ولا من شاف ولا من دري .. شويّة وابنها جا ومعاه الدكتور
اللي حط على مناخيرها قطنة بسبرتو فقامت زي القردة.
وهنا راحت السكرة
وجاءت الفكرة التي قفزت على خاطر "سعد" فتلألأت عيْناه وسال لعابه
واستفز فضوله ما يسمع من عشيقته فبادر إلى معرفة المزيد عن ضحيّته المحتمَلة وسأل
"فاطمة" مباشرةً بوضوح :
- و همّ عيال
الوليّة دي سايبينها كده تقعد لوحدها؟
- لا .. دي ما
عندهاش غير ابنها الاسطى "فتيحة" النجّار .. وهيَّ مش عايزة تقعد عنده
علشان ما بترتاحش مع مراته .. ففضلت في بيتها وابنها بيشقّر عليها كل يوم ويشوف
طلباتها يوماتي .. يقفل ورشته من هنا ويروح الجامع يصلّي العِشا وأوّل ما الشيخ
يقول السلام عليكم ورحمة الله تلاقيه بيخبّط على امّه طوّالي .. الله يكرمه.
- إمممم .. تمام ..
تمام.
- ها؟
- ها إيه؟ .. ح نفضل
طول الليل نتكلّم عن جيرانِك .. "قطقوطة" والحاجة "بَمبَة"
وفلانة وترتانة .. قومي يا شيخة شيلي الأكل ده وهاتي لي الدورق و الطبق علشان اغسل
إيدي .. والبسي لي حاجة شِفتشي وروّقي نفسِك كده .. خدي بالِك انا مش ح اجي لِك
غير آخر الأسبوع الجاي علشان مسافر ف شُغل .. عايز الليلة دي يبقى طعمها ف بُقّي
لغاية ما اشوفِك المرّة الجايّة.
- عينيَّ يا سيد
الرجّالة .. هي هي هي.
وأطرق
"سعد" قليلاً وهو يفكّر ويتأمّل في الحاجّة "بَمبَة" .. وذهب
الحاجّة "بَمبَة".
وفي مساء اليوم
التالي وقبل أن يؤذَّن لصلاة العشاء كان "سعد" يصعد دَرج العمارة التي
تقع بها شقّة "فاطمة" بخفّة الفهد وهدوئه ولكنه لم يصعد تلك المرّة
ليقضي ليلته مع عشيقته بالدور الثالث بل وقف أمام شقّة الحاجّة "بَمبَة"
بالدور الثاني ونظر إلى أعلى وأسفل السلّم فلم يجد أحداً فتشجّع وطرق على الباب
عدّة طرقاتٍ متتالية وانتظر برهة حتى سمع الحاجّة وهي تقول :
- حاضر يا
"فتيحة" أنا جايّة اهو .. استنّى بس انوّر لمبة الجاز بتاعة الفَسَحة.
ويبدو أن الحاجّة "بَمبَة"
قد ظنّت أن الطارق هو ابنها الذي يزورها في مثل تلك الساعة، وما إن فتحت العجوز
بابها حتى فوجئت "بسعد" يقتحم بيتها ويدفعها إلى الداخل ويكتم أنفاسها
بيده اليمنى حتى لا يسمع أحدٌ باستغاثتها ورفس باب الشقّة بقدمه ليوصده وراءه،
وظلَّ "سعد" يجرّها حتى أدخلها إلى غرفة نومها ثم دفعها عنه بشدّة
فارتمت المسكينة بقوّة على الأرض وحاولت أن تستغيث فصرخت بكل ما أوتيت من قوّة
صرخةً عالية لم تكتمل حيث عاجلها "سعد" بضربةٍ قويّة من ساطوره الحاد
فقسم رأسها نصفيْن، ويبدو أنه ارتبك من الصرخة القصيرة التي ندت عن ضحيّته قبل
موتها فأعمل الساطور عدّة مرّاتٍ ليتأكّد من موت الحاجّة فتناثرت محتويات رأسها
ولطّخت دماؤها أنحاء الغرفة، هنا اكتفى بذلك القدر وانتقل للخطوة التالية بأن فتح
دُرج الكومودينو ولكنه لم يجد غير كوبٍ نصفه مليءٌ بالماء يرقد في قاعه طاقَمٌ
للأسنان، فأُسقِط في يده ونظر بحنقٍ للحاجّة فلمح خاتماً ذهبيّاً كبيراً في خنصرها
فطمع في أخذه علّه يكون غنيمته الوحيدة ولكنه لم يستطع تخليصه من إصبعها فقد كان
ضيّقاً ممّا دعاه لأن يهوي بساطوره على بُرْجُمَة (منشأ أصابع) يدها اليسرى ففصلها
جميعاً لينتزع الخاتم الذي يريده بسهولة، وقبل أن يتردّد في الحيرة ويبحث في كل
مكان لمح كومودينو آخر على الجانب الثاني من الفراش ففتح دُرجه فوجد ما يروم فأفرغ
محتويات الدُرج من المشغولات الذهبيّة في حقيبةٍ ورقيّة كانت تباع فيها مواد
البقالة آنذاك وأخذ يمسح نصل الساطور بملاءة السرير استعداداً للهروب قبل أن يأتي
ابنها في موعده المعتاد.