"للحب آلهةٌ كثيرة" | الفصل السادس (1)
في أوّل خطوةٍ من
خطوات خطتها البديلة ذهبت "عبير" لغريمتها الدكتورة "بسمة" في
عيادتها تشكو لها من أعراضٍ طالما أحسّت بها وتعالجت منها منذ فترة طويلة ولكنها
تنتابها من وقتٍ لآخر واعتادت عليها فاستغلّتها لتكون ذريعةً للتعرّف على
"بسمة" عن قرب لإنفاذ ما تريد، وعندما رأتها "عبير" لأوّل
وهلة أخذت تتفحّصها بعين المقارنة من قمة رأسها إلى أخمص قدميْها فقد كانت
"بسمة" إمرأةً عادية مثل غيرها؛ متوسطة القامة والقوام؛ محجّبةً معتدلة في
غير غلواء؛ لا تضع مساحيق أو أحمر شفاه؛ جميلةً بالفعل لكن جمالها بدأ يذوي بعد أن
صارت على أعتاب الكهولة، وتساءلت "عبير" في سريرتها عن السر وراء تمسّك
"كريم" بزوجته التي ملكت زمامه في يدها واستغرقت "عبير" في
تساؤلها دون أن تسمع "بسمة" التي كانت تريد أن تدير حواراً معها كأي
طبيبةٍ ومريضة :
- "بسمة": مساء الخير .. إتفضّلي استريّحي .. خير؟
- "عبير"
ومازالت تتساءل في سرِّها وقد أسرفت في سَرَحانها دون أن تدري: واللهِ انا احلى
منها .. كفاية إني أصغر يمكن بعشر سنين .. ما هيَّاش سِت واو قوي يعني .. عاديّة
جداً .. أومّال إيه الحكاية؟ .. غريبة إنه يسيبني علشانها .. دي ساحرة له دي ولّا
عاملة له عمل؟
- "بسمة"
وقد رفعت صوتها: مسااااء الخيييير.
- "عبير"
بعد أن أفاقت من شرود ذهنها على صوت "بسمة" العالي: ها!
- "بسمة"
:باقول لحضرتِك مساء الخير .. الظاهر إنك بتخافي م الدكاترة .. اتفضّلي اقعدي.
- "عبير"
محاولةً ألّا تتلعثم: آآ .. لا أبداً .. لا مؤاخذة .. ما اخدتش بالي.
- "بسمة"
في جديّة: طب ممكن تعرّفيني بنفسك وتقولي لي شكوتِك إيه؟
- "عبير": أنا اسمي "عبير" .. عندي تلاتة وتلاتين سنة .. مطلّقة بدون أولاد ..
ومن صُغري وانا بيجي لي نزيف من وقت للتاني .. واتعالجت كتير وكنت باستريّح فترة
وارجع تاني .. وفيه واحدة صاحبتي شكّرت لي ف حضرتِك وقالت لي إن ربنا ح يجعل
الشِفا على إيدِك.
- "بسمة"
بفضول: مين صاحبتِك دي؟
- "عبير"
في ارتباك: آآآ .. لا دي واحدة اسمها .. آآآ .. "عزيزة" .. جوزها دكتور
"مـحمد" كان زميل جوزِك الدكتور
"كريم" من زمان.
- "بسمة": "مـحمد" إيه؟
- "عبير": ما اعرفش "مـحمد" إيه .. آآآ .. تقريباً "مـحمد أحمد" ..
على قد ما افتكر.
- "بسمة"
محاولةً أن تتذكّر: للأسف مش فاكراه ولا فاكرة مراته "عزيزة" دي.
- "عبير": متهيّأ لي مش ح تفتكريهم .. أصلهم بقى لهم كذا سنة ف "السعوديّة".
- "بسمة": آه .. طب المهم .. النزيف ده مرتبط بالدوْرة؟
- "عبير": مش شرط .. ساعات بيحصل مع البريود وساعات قبلها أو بعدها.
- "بسمة"
: بتاخدي علاج لأي حاجة تانية؟ .. سكر .. ضغط .. كبد .. كلى؟
- "عبير"
: آآآآ .. لأ .. آآ .. بس ساعات باخد فيتامينات علشان الأنيميا.
- "بسمة": طب اتفضّلي اطلعي ع السرير علشان اكشف عليكي واعمل لِك سونار.
- "عبير": حاضر.
وبعد أن انتهت
"بسمة" من عملها عاد الخصمان تتشاركان الحديث معاً:
- بُصي يا مدام
"عبير" .. إنتي عندِك حاجة من اتنين : يا إمّا لخبطة ف الهرمونات بتاعة
الغدّة النخاميّة أو الغدّة الدرقيّة أو المبيضين وده ح يبان ف تحاليل الدم اللي ح
اطلبها منِّك .. يا إمّا التهاب ف بطانة الرحم الداخليّة وده ح يبان ف تحليل عيّنة
من الرحم ح تعمليها وتورّيها لي مع باقي التحاليل .. أنا مش شايفة حاجة غير
الاحتمالين دول بس .. كل حاجة تانية كويّسة الحمد لله .. ما فيش زوايد رحميّة ولا
أورام ولا عيوب ف جدار الرحم .. آدي ورقة بالتحاليل المطلوبة .. وتبقي تجيبي لي
النتايج يوم التلات اللي جاي.
- ياه .. ده النهار
ده الاربع .. ح استنّى أسبوع بحاله.
- أصلي ما باجيش غير
التلات والاربع بس وبقية الأيّام بييجي فيها زميلي الدكتور "حسن" ..
إنتي عارفة مسؤوليّات البيت والزوج والعيال.
- طب ينفع ولو فيها
رزالة إني اقابلِك ف النادي واطمّن ع التحاليل منِّك هناك .. على فكرة انا باشوفِك
على طول ف النادي .. ما انا أصلي عضوة فيه برضه.
- واللهِ .. خلاص ..
ما فيش مانع .. أنا باروح هناك كل يوم جمعة الساعة خمسة العصر علشان تدريب السباحة
بتاع العيال .. أقابلِك عند حمّام السباحة .. أوكى؟
- طب ودكتور
"كريم"؟ .. جوز حضرتِك ح يبقى معاكم؟
- لا .. ده ما بقاش
يروح النادي خالص من فترة طويلة.
- أحسن.
- نعم؟
- آآآآآ .. قصدي
يعني .. علشان ما اغلسش عليكم .. يمكن تحبوا تقعدوا لوحدكم.
- لا .. ما فيش
غلاسة ولا حاجة .. أنا بابقى قاعدة لوحدي لغاية ما التمرين يخلص.
- خلاص نتقابل بعد
بكره الساعة خمسة .. ألف شُكر .. سلامُ عليكم.
وبالفعل تم لقاؤهما
في إطارٍ من الود المتبادَل خاصةً وقد قدّمت "عبير" "لبسمة"
ساعة يد أنيقة عرفاناً منها باهتمامها وعنايتها بحالتها خارج إطار العمل، وحاولت
"بسمة" أن ترفض الهديّة لكنها قبلتها أخيراً بعد إلحاحٍ كبيرٍ من
"عبير" التي لم تحفل بتشخيص طبيبتها لمرضها بعد أن أمعنت في نتائج
التحاليل؛ بل صبّت جام اهتمامها على توطيد أواصر صداقتها "ببسمة" وأخذت
تسألها عن الأماكن التي تتردّد عليها لشراء احتياجاتها من ملابس أو طعام لتواعدها
لتقوما بالتسوّق معاً لقطع الوقت والتسلية ومشاركة الرأي في المشتروات.