انتخبوا خيْر من
يمثّل عليكم ثمّ يمثّل بكم (1)
قرفص
"أشرف" أرضاً على ركبتيْه وهو منهمكٌ في دق المسامير الرفيعة لتثبيت
قماش اللافتات - التي كتبها والده "عبد الرافع" الخطّاط - إلى القوائم
الخشبيّة ثم ربطها بالحبال التي تُعَلّق منها بين أعمدة الإنارة بعرض الشوارع وطولها،
وكانا يستمعان إلى "أم كلثوم" التي تشدو في الراديو أغنية "أراك
عصي الدمع" والتي ما إن وصلت إلى المقطع الذي تقول فيه : "نعم أنا
مشتاقٌ وعندي لوعةٌ" حتّى انفجر "اشرف" قائلاً بصوْتٍ عال :
- ألا يا ابا انت مش
مشتاق للحكاية دي ونِفسك تجرّبها؟
- حكاية إيه؟
- بيقولوا
"طبّاخ السم بيدوقه" وانت بقى لك سنين بتعمل اليفط دي وعمرك ما جرّبتها.
- إنت انهطلت يا له..
عايزني آكل اليفط؟
- لا يا حاج.. أنا
قصدي ما نفسكش تكتب يفط باسمك؟
- طب ما انا اللي
كاتب يافطة المحل : "عبد الرافع للدعاية والإعلان".
- يا حاج أنا غرضي
تدخل الانتخابات وتعمل يفط لنفسك.
- ههههههه.. الله
يحظِّك.. انتخابات مين يا ابني!.. هوَّ احنا لاقيين ناكل.. ده احنا بقينا في شهر
تمانية أهو وما دفعناش إيجار الدكان من أوّل شهر السنة دي في 2005.. كتّر خيره
المقدّس "سمعان" سايبنا براحتنا.
- يا حاج احنا
بالذات مش ح نتكلّف مليم احمر.
- إزّاي يا فالح؟
- إحنا نزوّد ثمن
اليافطة الواحدة عشرة جنيه بس.. وزي ما انت عارف إن قماش كل يافطة والخشب بتاعها والحبال
وبوية الخطوط بيتكلّفوا تقريباً عشرين جنيه.. يعني قصاد كل يافطتين ح تعملهم لغيرك
ح تعمل يافطة لنفسك.. مش ح تتكلّف غير مصنعيّة كتابتك لليفط ومش معقول ح تدفع فلوس
لنفسك.. هو انت اتّفقت مع كام مرشَّح تعمل له كام يافطة؟
- أنا متفق مع كل
المرشَّحين ف دايرتنا إن انا اللي اعمل لهم الدعاية بتاعتهم.. حتّى الدعاية
الورقيّة.. ح آخد منهم الشغل واعمله من الباطن لحسابي عند عمّك
"التابعي" المطبعجي.. وانا أوْلى من الغريب.
- ورق الفلاير ده
بتلات تعريفه.. يعني الموضوع مش ح يكلّفنا حاجة.. إحنا عندنا هنا ف دايرة
"الفنجري" خمس مرشَّحين.. لو كل واحد ح يعمل ميت يافطة يبقى ح تعمل لهم
خمسميّة.. يعني ح تعمل لوحدك ميتين وخمسين.. أكتر من أي واحد فيهم مرّتين ونص.
- يا ابني هيّ اليفط
اللي بتنجّح؟.. ولّا هيّ دي المصاريف الوحيدة ف الانتخابات؟.. ده فيه عزايم وهدايا
ودعاية وتربيطات وشوادر ورشاوي وهَم ما يتلم.
- لأ بقى.. اليفط والدعاية
أهم حاجة.. والحاجات التانية دي مقدور عليها.. سيب لي بس الموضوع ده.. أنا ح اسجّل
اسمك واقدّم أوراقك الأسبوع الجاي قبل باب الترشيحات ما يقفل.. ونكون كمان خلّصنا
بقية شغل المرشَّحين وخدنا باقي فلوسنا علشان ما حدّش يحمرأ لمّا يعرف إنك ح
تنافسه.
- يا ابني اعقل.. إحنا
مش قد المرشَـّحين دوكهمَّ.
- بالعكس.. دي الناس
قرفانة منهم إكمنّهم من برّه الدايرة وبرّه المركز كلّه.. وما حدّش منهم عمل حاجة
للبلد مع إنهم كانوا نوّاب ف مجلس الشعب ومجلس الشورى والمجلس المحلّي لأكتر من
دوْرة.. ده احنا ما بنشوفهومش إلّا أيّام الانتخابات وكان الله بالسر عليم.. فالحين
بس ييجوا يلعبوا ف دماغنا ويوعدونا بحاجات ياما ويعملوا لنا م البحر طحينة ولمّا
ينجحوا ويترستقوا ع الكراسي ما يعتّبوش البلد وآدي وش الضيف.. عندك الأولاني ده
اللي اسمه "رشاد بيه الكاحول" : الناس كلّها عارفة إنه بيسرق أراضي
الدوْلة وبيحط إيده عليها وبعد ما يساوي نفسه مع المسؤولين يرجع يبيعها تاني
بأسعار خياليّة وبقى ملياردير من الحكاية دي.. وراخر "سليمان باشا
السلكاوي" : رجل الأعمال النصّاب اللي كل شُغله من تحت الترابيزة ولولا الحَصانة
كان زمانه ف السجن بيصيّف وكفاية الملايين اللي عملها من شِراه لشركات القطاع
العام الخسرانة اللي بيمصمص عمّالها ويشرّدهم ويبيع مَكَنها الأول وبعدين أراضيها..
وعندك كمان الحاج "خليل البنّا" : بتاع ربّنا اللي إخوانه بيبعتوا له
فلوس من برّه يشغّلها لهم وبيتاجر في العملة وتأشيرات الحج والعمرة وكلّه بما يرضي
الله.. وعم "فرج أبو دودة" : اللي كان بيلم الدودة زمان وربّنا فتح عليه
بعد ما تاجر ف المبيدات الفاسدة واشترى فدادين بالهبل وبطّل يزرع فيها قمح وقطن وبقى
يزرعها كاكا وكيوي.. قال يعني البلد ناقصة كاكا.. دي الكاكا مزروطة في البلد للركب..
والآخراني ده اللي اسمه "وليم رمسيس" : اللي بيتاجر في الآثار المسروقة
ويهرّبها بلاد برّه بالاتفاق مع كبارات البلد وآخر المتمّة أخد جايزة الدوْلة
التقديريّة ف العلوم الاجتماعيّة.. يعني كلّهم شِمال ولا مؤاخذة.
- وانا بقى اللي
يمين؟
- ع الأقل الناس
عارفة إنك واحد منهم وإنك جاي علشان تخدمهم علشان عارف مشاكلهم وغرقان فيها زيّهم..
لعلمك بقى انت ح تكتسحهم.
- أيوه يا بني بس
الانتخابات لها ناسها.
- يا راجل صلِّ ع
اللي ح يشفع فيك.. ديّتها إيه؟.. ح نعمل اليُفَط ونعلّقها على كل ناصية وكل زقاق..
وح نلف ع القهاوي والمحلات والبيوت نقابل الناس بالحضن مع ابتسامة وضحكة وكام بوسة
وكلمتين حلوين.. وقبل يوم الانتخابات ح نبقى نعمل شادر ف الوسعاية ونبقى نسجّد
الناس بكلمتين من عيّنة إن البلد لازم يبقى فيها مستشفى كبيرة ومدرسة ثانوي ومركز
شباب فيه حمّام سباحة وبنك تسليف زراعي.. ولازم كل فلاح يبقى عنده أرضه وبهايمه وعربيّة
ينقل بيها المحصول بتاعه.. ده غير إن البلد لازماً تدخلها الكهربا والميّه الحلوة
والتليفون.. وطبعاً كل ده ح يتم على إيدك انت يا ابا لمّا تنجح إن شاء الله.
- وانا مين علشان
اعمل كل الحاجات دي؟.. انت فاكرني "عثمان أحمد عثمان"؟
- يا ابا أهو كلام
ابن عم حديت.. هوَّ الكلام عليه جمرك؟.. إيش حال بقى لو ما كنتش ح ترشَّح نفسك ف
دايرة "الفنجري".. خلّيك فنجري بُق.
- انت كبّرتها ف
دماغي يا واد يا سوْ انت.. باينّك ح تودّيني في طوكر يا ابن الكلب يا ابو مخ ضارب.
- بكره تدعي لي.. ده
احنا ح نتنطر نطرة لفوق خالص.. اسمع كلامي تكسب.