كاكاو
وَقَفَ "بَهْجَتُ"
بسَيَّارَتِهِ الأُجْرَةِ عَلَى جانِبِ الطَريقِ بَعْدَ أَنْ أَشارَ لَهُ أَحَدُ
الشَباب، وما إنْ رَكِبَ الشابُّ حَتَّى انْطَلَقَ "بَهْجَتُ" في طَريقِهِ
بَعْدَ أَنْ قالَ لَهُ الشابُّ بِلُطْف :
- والنَبي يا اسْطَى
توَصَّلْني كُليِّة الطِب فِ "الأَزاريطَة" بسُرْعَة.
- حَضْرِتَك طالِب
فِ الطِب؟.. فِ قِسْم إيه؟
- أَنا فِ سَنَة رابْعَة..
بَسْ التَخَصُّص بَعْد الإمْتياز إنْ شاءَ الله.. بَسْ انا ناوِي نبْقَى دُكْتور عُيون
إنْ شاءَ الله.
- رَبِّنَا يوَفَّقَك..
أَنا ابْن عَمِّي دُكْتور أَطْفال.. أَصْلُه ما كَمِّلْش تَعْليمُه.. ها ها.. أَيُّوه
يا جِدْعان.. الإشارَة بَقِت حَمْرا.. مَعْلِهش حَ نِسْتَنَّى شويَّة.. أَهو انْتَ
لَوْ كُنْت اتْخَرَّجْت كان زَمانَك نِزِلْت كَشَفْت عَليها وشُفْتَها حَمْرا ليه..
يمْكِن عايْزَة قَطْرَة.. ها ها.
- يا رَب تِفْتَح بسُرْعَة
عَلَشَان الْحَق الامْتِحان.
- طَبْ ما نِزِلْتِش
بَدْري ليه بَدَل تَعَب الأَعْصاب دَه يا دوك؟
- أَنا كُنْت عامِل
حِسابي أَروح بعَرَبيتي بَسْ طابور مَحَطِّة البَنْزين عَطَّلْني.. وما لَحَقْتِش
نِمْلا بَنْزين قَبْل ما يِخْلَص.
- مَعْلِهش كُل تَأْخيرَة
وفيها خيرَة.. واللهِ الواحِد مِشْ عارِف يعْمِل إيه فِ حِكايِة البَنْزين دي.. أَنا
امْبارِح واقِف فِ البَنْزيمَة تَلات ساعات بَعْد الفَجْر.. المَفْروض الحُكومَة
تشوف لَها حَل.. يَعْني مَثَلاً توَزَّع عَ النــاس حِمــير يرْكَبوها بَدَل العَرَبيَّات..
يَعْـني يبْقَى شِعار البَلَد "حُمار لكُل مُواطِن" أو "لكُل مُواطِن
حُمار".. ها ها.. إيه رَأْيَك؟
- بَرْضُه الحُكومَة
حَ تِعْمِل أَزْمَة فِ الحِمير أَوْ تشيل الدَعْم عَنْ "بَرْسيم 80".
- ها هاي.. حِلْوَة
دي يا دوك.. أَهي الإشارَة اخْضَرِّت أَهِه.. مِنُّه لله بَقَى "مُبارَك"
خَرَب البَلَد قَبْل ما يتْخَلَع.
- طَبَعَاً مِشْ تَلاتين
سَنَة بيْمُص فِ خير البَلَد.. المَفْرُوض يعْمِلوا لكُل حاكِم عَرَبي كُرْسي تيفال
عَلَشَان ما يلْزَقْش فيه كِتير.
- يا باشا دول بياكْلوا
فِ أَتَّة مَحْلولَة.. سَمَعْت النُكْتَة دي؟.. بيْقول لَك واحِد تونْسي بيقول
لصاحْبُه الليبي : شُفْت رَيِّسْنا جاي يقول لِنا بَعْد تَلاتَة وعِشْرين سَنَة "أَنا
فهِمْتُكُم".. رَد الليبي وقال لُه : إحْمِد رَبَّك.. إحْنَا رَيِّسْنا بَعْد
اتْنين وارْبِعين سَنَة جاي يقول لِنا "مَنْ أَنْتُم؟".. هأو أو أو.
واسْتَمَرَّ الاثْنانِ
في التَهَكّمِ والتَنْكيتِ عَلَى أَحْوالِ البِلادِ والعِبادِ حَتَّى وَصَلا إلى
"الأَزاريطَة"، ووَجَدَ "بَهْجَتُ" نَفْسَهُ قَريباً مِنْ مُسْتَشْفَى
"الشاطبي" للوِلادةِ حَيْثُ تُقيمُ زَوْجَتُهُ في انْتِظارِ أَوَّلِ مَوْلودٍ
لَهُما بَعْدَ طولِ انْتِظارٍ فَاتَّجَهَ إلى هُناك، وبَعْدَ أَنْ مازَحَ حارِسَ
البَوَّابَةِ ومَنَحَهُ حِفْنَةَ جُنَيْهاتٍ سُمِح لَهُ بالدُخولِ في غَيْرِ وَقْتِ
الزيارَةِ فَعَرَجَ في السُلَّمِ ودَخَلَ عَنْبَرَ "الحَـمْلِ الحَرِجِ"
بَعْدَ أَنْ ظَلَّ بالبابِ يَسْعَلُ بِشِدَّةٍ حَتَّى تَتَأَهَّبَ النِسْوَةُ بالعَنْبَرِ
لِدُخولِهِ كَرَجُلٍ غَريب، ودارَتْ بَيْنَهُ وبَيْنَ زَوْجَتِهِ هَذِهِ المُحاوَرَة
:
- صَباح الخير يا
"بَسُّومَة".. عامْلَة إيه فِ حَمْلِك الجَمَلي دَه؟
- صَباح النور يا
خويا.. الحَمْدُ لله أَنا كوَيِّسَة.. بَسْ خايْفَة قَوي.. بايِنِّي حَ اعْمِلْها
النَهارْ دَه.. حاسَّة بضَرْب جامِد فِ ضَهْري.
- إنْ شاءَ الله
تقومي بالسَلامَة وتجيبي لنا العَيِّل اللي نَفْسِنا فيه مِنْ زَمان.. ولَوْ انُّه
حَ ييجي فِ وقَتْ منَيِّل.. دَه انا الأسْبوع دَه المَفْروض نجَدِّد رُخْصِة العَرَبيَّة
ونِدْفَع مُخالفات السَنَة اللي فاتِت غير فُلوس التَأْمينات.. يَعْني حَ تِبْقَى
زَنْقَة بيضا.
- يا راجِل دَه كُل
عَيِّل بييجي برِزْقُه.. وبُكْرَه يبْقَى عَنْدَك بَدَل التاكْس مَشْرُوع قَدْ كِدَه..
المُهِم اتِّكِل انْتَ عَلَى الله دَه الوَقْت عَلَشَان الدَكاتْرَه زَمانْهُم حَ يمُـرُّوا
عَ العَنابِر ولَوْ شافوك حَ يزَعَّقوا.. وما تِنْعاش هَمْ حَاجَة رَبِّنَا حَ يدَبَّرْها
مِنْ عَنْدُه.. ولَوْ وِلِدْت النَهارْ دَه حَ نبْقَى نتَّصِل بيك عَ المحْمول.. ياللا..
لا إلهَ إلّا الله.
- مُحَمَّدٌ رسولُ
الله.. سلامُ عَليكُم.
وفي نَفْسِ اليَوْمِ
كانَتْ زَوْجَتُهُ قَدْ هاتَفَتْهَ وأَبْلَغَتْهُ أَنَّ الأَطِبَّاءَ قَدْ قَرَّروا
إنْهاءَ حَمْلِها وتَوْلِيدِها جِراحيَّاً بَعْدَ تَعَثُّرِ تَوْليدِها طَبيعيَّاً،
وهُرِعَ "بَهْجَتُ" إلى المُسْتَشْفَى ليَكونَ في شَرَفِ اسْتِقْبالِ وَلَدِهِ
ولَكِنْ لَمْ يَتَسَنَّ لَهُ ذَلِكَ حَيْثُ خَرَجَتْ الأمُّ فَقَطْ مِنْ غُرْفَةِ
العَمَليَّاتِ إلى عَنْبَرِ الوِلادةِ في حينَ خَرَجَ ابْنُهُ إلى قِسْمِ حَضَّاناتِ
الأَطْفالِ حَيْثُ لوحِظَ عَلَيْهِ زَرَقانٌ بالشَفَتَيْنِ وصُعوبَةٌ بالتَنَفُّس،
وفي اليَوْمِ التالي صَارَحَ الطَبيبُ "بَهْجَتَ" وزَوْجَتَهُ بِأَنَّ
الطِفْلَ مُصابٌ بِعَيْبٍ خِلْقِيٍ في القَلْبِ حينَ أَظْهَرَتْ المَوْجاتُ الصَوْتيَّةُ
وُجودَ انْعِكاسٍ في الشُريانَيْنِ الرَئيسيَّيْنِ للقَلْبِ حَيْثُ يَخْرُجُ الشُريانُ
الرِئَويُ مِنَ البُطَيْنِ الأَيْسَرِ والشُرْيانُ الأَوُرْطيُ مِنَ البُطَيْنِ
الأَيْمَنِ بالإضافَةِ إلى وُجودِ ثُقْبَيْنِ بَيْنَ البُطَيْنَيْنِ والأُذَيْنَيْنِ
مِمَّا يَسْتَدْعِي نَقْلَ المَوْلودِ إلى مُسْتَشْفَى "أَبو الريشِ"
الجَامِعيِ بالقاهِرَةِ بِعَرَبَةِ إسْعافٍ خاصَّةٍ لِعَمَلِ جَراحَةٍ دَقيقَةٍ
بالقَلْبِ في غُضونِ أُسْبوعٍ عَلَى الأكْثَرِ وإلّا تَفَاقَمَتْ حَالَتُهُ وسَاءَ
وَضْعُهُ الصِحِّي، وعَلَى الرَغْمِ مِنْ أَنَّ عَمَليَّةَ الوِلادَةِ التي تَمَّتْ
وعَمَليَّةَ قَلْبِ المَوْلودِ المَطْلوبَةِ كانَتا شِبْهَ مَجانِيَّتَيْنِ إلّا أَنَّه
أُسْقِطَ في يَدِ "بَهْجَتِ" فَقَدْ كانَ مَطْلوبٌ مِنْهُ تَوْفيرَ مَبْلَغٍ
كَبيرٍ مِنَ المالِ لِتَجْديدِ رُخْصَةِ سَيَّارَتِهِ في المَوْعِدِ المُحَدَّدِ بِجانِبِ
نَفَقاتِ الأَدْوِيَةِ لِزَوْجَتِهِ والحَضَّانَةِ لِمَوْلودِهِ وباقي مَصاريفِ عَمَليَّةِ
القَلْبِ ومَصاريفِ إقامَتِهِ مَعَ زَوْجَتِهِ في "القاهِرَةِ" ليَكونا
بالقُرْبِ مِنْ ابْنِهِما التي أَبَتْ عَلَيْهِما الظُروفُ إلّا أَنْ يُحْرَما
مِنْ أَخْذِهِ في أَحْضانِهِما فاكْتَفَيا بِمُشَاَهَدَتِه مِنْ خَلْفِ زُجاجِ غُرْفَةِ
الحَضَّانات.
وفي أَثْناءِ هَذا الأُسْبوعِ
اضْطُرَّ "بَهْجَتُ" للعَمَلِ لَيْلَ نَهارَ واقْتِراضِ بَعْضاً مِنَ المالِ
بجانِبِ بَيْعِ شَبْكَةِ زَوْجَتِهِ وحُلَيْها الذَهَبيَّةِ لِتَدْبيرِ المالِ المَطْلوب،
ولَكِنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّ أَبَداً عَنْ روحِهِ المَرِحَةِ أَوْ ابْتِسامَتِهِ اللَطيفَةِ
أَوْ إيمانِهِ بِرَبِّهِ ولَمْ يَتَوَقَّفْ ساعَةً عَنِ الهِزارِ وإلْقاءِ النِكاتِ
والمُزاحِ مَعَ الغَيْرِ حَتَّى كانَ جاءَ يَوْمُ العَمَليَّةِ الحَرِجَةِ التي اسْتَغْرَقَتْ
أكْثَرَ مِنْ خَمْسِ ساعاتٍ بَذَلَ فيها الأَطِبَّاءُ مَجْهوداً خارِقاً وأَظْهَروا
بَراعَةً فائِقَةً حَتَّى خَرَجوا وبَشَّروا الأَبَوَيْنِ - اللذَيْنِ كانا يَقِفانِ
عَلَى أَعْصابِهِما طَوال هَذِهِ المُدَّةِ كَمَنْ يَتَلَظَّى عَلَى جَمْرٍ مِنَ
النَارِ - بِنَجاحِ العَمَليَّةِ وإنْقاذِ حَياةِ المَوْلود.
وبَعْدَ ساعَةٍ كانَ
الزَوْجَانِ يَنْظُرانِ بِلَهْفَةٍ إلى فَلْذَةِ كَبِدِهِما مِنْ وَراءِ الزُجاجِ
مَرَّةً ثانيَةً وقالَ الزَوْجُ والدَمْعُ يَتَرَقْرَقُ مِنْ عَيْنَيْه :
- أَيُّوه.. الواد ابْن
الكَلْب دَه مِشْ حَ يطْلَع بَقَى مِنْ وَرا أُمْ الإزاز دَه.. دَه زَيْ ما يكُون
واخِد خَمْسَة وارْبِعين يوم حَبْس احْتياطي عَلَى ذِمِّة الوِلادَه.. إمْتَى
بَقَى نشوفُه فِ حُضْنِك بتْرَضَّعيه.
فَرَدَّتْ "بَسْمَةُ"
وهيَ تَبْتَسِمُ ابْتِسامةَ حَسْرَة :
- هوَّ انا بَقَى فيَّ
لَبَن.. ما نِشِف مِنْ عَدَم الرِضاعَة والزَعَل.
فقالَ "بَهْجَت"ُ
ضاحِكاً ليُخَفِّفَ عَنْها :
- مِشْ مُشْكِلَة.. بَسْ هوَّ يقوم بالسَلامَة وانا حَ نكَلِّم السِتْ "أُم كنوز" النُوبيَّة.. أَهي روخْرَه لِسَّه والْدَه وصِدْرَها ما شاءَ الله يرَضَّع حَيْ بحالُه.. عَلَى الأَقَلْ مِشْ حَ ترَضَّعُه لَبَن زَيِّك.. لأ.. دي حَ ترَضَّعُه حَليب بالكاكاو.