جعلوني مواطناً (1)
بمجرّد أن التقى
عقرب الثوانِ اللاهث مع عقرب الدقائق الذي يسير بتؤدّة عند رأس الساعة مخلّفيْن
عقرب الساعات القصير الكسول ممدّداً معهما على استقامةٍ واحدة عند السادسة حتّى
رنّ جرس المنبِّه في إصرار فلم يجد "صالح المصري" بُدّاً من النهوض لكتم
هذا المنبِّه اللحوح المزعج وتوجّه متثاقلاً إلى الحمّام ففعل ما يفعله الناس صباح
كل يوم ثمّ أخذ مساره اليومي المعتاد في المنزل ليوقظ باقي الأسرة ؛ فعاد أوّلاً
إلى حجرة نومه وهزّ زوْجته برفق قائلاً :
- إصحي يا
"سميحة".. "سميحة".. قومي الساعة بقت ستّة وربع.. يا
"سميحة"....
- صباح الخير يا
"صالح".. العيال صحوا؟
- ما انا رايح
اصحّيهم أهه.. قومي انتي بس علشان تلحقي تفطّريهم وتعملي لهم السندوتشات وتلبسي وتروحي
على شغلِك.
- حاضر يا خويا.. قايمة
أهه.. بس والنبي قبل ما تنزل ما تنساش تسيب لي فلوس علشان اشتري الخضار واللحمة واطبخ
لكم الغدا.
- حاضر.
- واوعى تنسى تدفع فواتير
التليفون والميّه والكهربا والغاز.
- حاضر.
- طبعاً انت مواعدني
النهار ده تدّيني فلوس علشان اشتري لك انت والولاد هدوم تحتانيّة.. أصلها بقت
هلاهيل.. ده انا بانكسف أنشرها قدّام الناس وبانشّفها ف الحمّام.
- حاضر.. حاضر.. حاااااااضر.
- حضّر لك الخير يا
خويا.
وتركها
"صالح" تتثاءب وتتمطّى وذهب إلى غرفة ولديْه ففتح الباب ودخل الحجرة وأزاح
الستائر الثقيلة جانباً فاقتحم نور الصباح أنحاء الغرفة وصاح "صالح"
فيهما :
- قوم ياض انت وهوَّ..
إيه ح تفضلوا نايمين للضهر.. طبعاً ما انتم سهرانين لوش الصبح ع الكمبيوتر الزفت
ده هوَّ والفيس.. سمعت يا حمار منّك له.. انت يا له يا "هاني".
- أيوه يا بابا.. شويّة
كده بس.
- شويّة إيه يا تور
انت؟.. هوَّ انا بابيع لك ترمس؟
- يا بابا انا باروح
المدرسة متأخّر علشان ما اقفش الطابور.
- وما تقفش الطابور
ليه بسلامتك؟
- علشان بيطلّعوا
اللي مش لابس لبس العسكريّة وبيذنّبوه.
- ماشي يا خويا.. آديني
ح اشتري لك اللبس النهار ده لمّا اشوف آخرة حججك إيه.
- واعمل حسابك كمان
ع المصاريف لسّه ما دفعتهاش.
- حاضر.. مع إنك
بتقول إن كل الحصص احتياطي وألعاب وما فيش مدرسين بيدخلوا يشرحوا حاجة.
- ما همّ عارفين إنّنا
بناخد دروس خصوصيّة عندهم.. ح يشرحوا مرّتين يعني!.. آه.. بالمناسبة ما تنساش فلوس
درس العربي والانجليزي والرياضة والمذكرات بتاعتهم.
- حاضر.
- وحق المواصلات.
- حاضر.
- ومصروف الشهر.
- الله يخرب بيتك
شيّلتني الهَم ع الصبح.. قوم فز يا كلب يا إبن الكلب.. واللهِ ما انت مكمّل نومك..
وصحّي الزفت اللي ميّت جنبك ده ع السرير.
- أنا صاحي مش ميّت..
هوَّ فيه حد يعرف ينام ف المورستان ده.
- طب ما دام انت
صاحي بتستعبط ليه؟.. ما تقوم من نفسك يا أخي.. هوَّ انتم لازم تقطعوا قلبي كل يوم.
- ح اروح أعمل إيه ف
الكليّة ده الوقتِ يا حاج؟.. ح ابيع لبن؟.. أنا عندي أوّل محاضرة الساعة عشرة ونص.
- طب نام نامِت عليك
حيطة.. لِمِض ع الفاضي.
- استنّى بس يا حاج
رايح فين؟.. هوَّ دخول الحمّام زي خروجه؟
- عايز إيه يا سي
حمار انت؟
- فين فلوس الكورسات
اللي قلت لك عليها؟
- يا ابني هوَّ انا
مَكَنة فلوس.. انت مش كنت لسّه واخد فلوس الأسبوع اللي فات؟
- يا حاج دوكهه كانت
فلوس مادّة التسويق.. إنما دي فلوس كورسات الكمبيوتر.
- أومّال كتب
الكليّة اشتريتها تهبّب بيها إيه؟
- ما انا قلت لك قبل
كده مليون مرّة.. ماشي نقول تاني.. الكتب دي بنذاكر منها علشان نمتحن لإن الامتحان
بييجي منها.. إنّما الكورسات دي بنذاكرها علشان لمّا نتخرّج يبقى عندنا
الإمكانيّات والمهارات اللي نعرف نشتغل بيها.. لإنّنا لو اكتفينا باللي بندرسه ف
كليّة التجارة ح نتخرّج تور الله ف برسيمه.. وما حدّش ح يقبل يشغّل حد ما عندهوش
فكرة عن مبادئ التسويق وإدارة الأعمال والكمبيوتر.. خلاص.. فهمت؟.. ولّا تحب ابروز
لك الكلام ده ع الحيطة.
- حيطة امّا تقع
عليك وتخلّصني من لسانك الطويل ده يا أخي.. واللهِ ما انت فالح.. ومسيرك تخلّص
الكليّة وتقعد ف البيت زي اختك الكبيرة من غير شغلة ولا مشغلة.
- ماشي.. بس ح افضل
ف أرابيزك لغاية ما يجي لي العَدَل.
- وحياة امّك ما ح
تقعد ف البيت لحظة بعد ما تتخرّج.. إن شا الله تمسك دفاتر الفُرن بتاع الحاج
"عليش".. أنا ناقص اقعد اعلف فيك تاني.. أنا عايز اللي يساعدني.
- تعلف فيّ!.. بالذمّة
ده لفظ تقوله لابنك الجامعي.. ده على أساس إني بقرة مثلاً؟
- البقرة بتفهم أكتر
منّك.. اتخمد بقى وسيبني اشوف اللي ورايا.
وأسرع
"صالح" لحجرة بنتيْه ووقف على بابها وطرقه وهو يصيح :
- يا
"ابتسام".. قومي يا بنتي أحسن المدرسة تفوتِك.. إنتي يا بت.
وانفتح الباب وخرجت
منه "رقيّة" ابنة "صالح" الكبرى فبادرت بقولها :
- صباح الخير يا
بابا.
- صباح النور يا
بنتي.
-
"ابتسام" صحيت من شويّة ودخلت الحمّام.
- أومّال انتي صاحية
من بدري ليه؟
- أبداً.. قلت اساعد
ماما ف تحضير الفطار.. واصبّح على حضرتك.
- ليه فيه حاجة؟.. عايزة
مني أي طلبات؟
- ما نستغناش يا
بابا.. ربّنا يخلّيك لنا.. يعني هوَّ لازم يبقى فيه حاجة علشان اصبّح على ابويا
حبيبي.
- ربّنا يكمّلك
بعقلك يا حبيبتي.. أروح انا البس بقى أحسن اتأخّر.
- آآآآآ.. مش ناسي
حاجة يا بابا.
- متهيّأ لي لأ.. آه..
قصدِك على بوسة كل يوم؟.. قبل ما انزل ح ادّيها لِك.. ولّا مستعجلة من ده الوقتِ؟..
هاتي خدِّك.
- لأ.. مش قصدي.. أصل
النهار ده السبت.
- أنعِم وأكرِم.. حصل
لنا الشرف.. والسبت ده بقى ما له؟.. فيه عيد الفلّاح ولّا مولِد سيدنا
"الأرندلي"؟
- لا يا بابا.. مش
انت متفق مع ماما إنّك ح تدّيها فلوس علشان ننزل انا وهيّ نشتري الستاير النهار ده
بعد العصر.
- أنا؟.. مش فاكر.
- طب آديني بافكّرك
أهه.
- الله!.. مش
الستاير ع العريس؟.. هوَّ الواد خطيبِك ده مبلّط ف الخط ليه وعامل نفسه من
"بنها"؟.. هوّ مش عايز يشارك معانا ف الجهاز بتاعكم؟.. أومّال هوَّ داخل
الجوازة دي بإيه؟.. بالمجهود؟.. أَمّا غريبة واللهِ.
- يا بابا طول عمر
الستاير ع العروسة.. حتّى اسأل أي حَد.
- واللهِ انتي اللي
مضيّعانا بالسهوكة بتاعتِك دي.. حاضر يا ستّي ح ابقى اعدّي ع المكنة ف البنك اسحب
لِك ميتين جنيه.. مش كفاية؟
- ميتين جنيه إيه بس
يا بابا.. ده الفرنشات والشراشيب لوحدها بـ....
- بس بس.. أنا
باهزّر.. ح ابقى ادّي ماما ألفين جنيه.. مبسوطة؟
- ربّنا يخلّيك لنا
يا بابا يا رب وما يحرمنا منّك.
- طب حِلّي عني بقى
خلّيني البس هدومي.. وشوفي البت "ابتسام" اتأخّرت ف الحمّام كده ليه.
- أنا اهو يا بابا.
- إيه يا بت.. ساعة
ف الحمّام!
- أصل عندي مغص وإسهال
ورجّعت مرتين النهار ده.
- ألف سلامة عليكي
يا حبيبتي.. ما لِك؟
- أصلها أكلت فسيخ
امبارح بالليل يا بابا؟
- وانتي يا
"رقيّة" سيبتيها؟
- واللهِ قلت لها ما
سمعتش كلامي.
- أنا مش ح ادخّل
الفسيخ البيت تاني.. عاجبِك كده.. أومّال أخت كبيرة ع الفاضي.. اتفضّلي البسي وروحي
معاها المدرسة خدي لها جواب واطلعي بيها ع التأمين يكشفوا عليها.. بس خلّي الدكتور
يكتب لها دوا من برّه أحسن دوا التأمين عامل زي الميّه.. ما بيحوّقش.. خدي مية
جنيه أهُم وابقي رجّعي لي الباقي.. ده لو فضل منهم حاجة.. عليه العوض.