أغداً ألقاك
عندما كان الشاعر السوداني
"الهادى آدم" طالباً يدرس فى كلية "دار العلوم" بجامعة "القاهرة"
(حمل فيما بعد درجة الليسانس فى اللغة العربية وآدابها ثم حصل على دبلومٍ عالٍ فى
التربية من جامعة "عين شمس" ثم على الدكتوراه الفخريّة من جامعة "الزعيم
الأزهرى" بالسودان كما عمل معلماً بوزارة التعليم بمدينة "رفاعة"
السودانيّة) هام عِشقاً بفتاةٍ مصريّة (كانت زميلةً له فى الجامعة) وحين تخرّجا
تقدّم إلى أسرتها طالباً الزواج منها لكن طلبه قوبل بالرفض الشديد من رب الأسرة ..
كما قوبلت كل محاولاته للدفع بوسطاء لإقناع الأب بتزويج ابنته من ذلك الطالب
المغترب الذي تخرّج حديثاً .. ولم يحتمل الشاعر الحزين تلك الصدمة فحزم أمتعته
عائداً إلى السودان واعتكف في منزله حزناً على محبوبته .. واعتاد العاشق المكلوم –
من وقتٍ لآخر – على اللجوء إلى شجرةٍ قريبةٍ من بيْته واعتبارها صاحبةً له يبثّها
همومه ويسرُّ لها بلواعج صبابته .. وفي يوْمٍ من الأيّام فوجئ "الهادي"
برسالةٍ من محبوبته تخبره فيها بموافقة والدها أخيراً على زواجهما .. وقبل يومٍ من
مسارعته للعوْدة للـ"قاهرة" من جديد وفي خضم مشاعر فرحته العارمة توجّه
إلى صديقته الصامتة (الشجرة) لتشاركه فرحته بقرب لقائه بحبيبته في اليوم التالي .. وتحت ظلال أوراقها الوارفة
كتب:
أغداً ألقاك يا خوْفَ فؤادي من غدِ
يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعدِ
آه .. كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا
كنت أستدنيه (أطلب اقترابه) لكن هبته (خِفت
منه) لـمّـا أهابا (بعثَ على الخوْف أو أخاف)
وأهلّت (ظهر هلالها) فرحةُ القُرب بهِ حين
استجابا (لبّى وأجاب بالقبول)
هكذا أحتملُ العمرَ نعيماً وعذابا
مهجةً (روحاً أونفساً) حَرّى (حرّانة وهي مؤنّث
حرّان ويعني شديدة اللوْعة) وقلباً مسّه الشوْقُ فذابا
***
أنت يا جنةَ حُبّي واشتياقي وجنوني
أنت يا قِبلة روحي وانطلاقي وشجوني
أغداً تشرق أضواؤك في ليلِ عيوني
آه .. من فرحة أحلامي ومن خوْفِ ظنوني
***
كم أناديك وفي لحني حنينٌ ودعاء
آه .. رجائي أنا .. كم عذبني طولُ الرجاء
أنا - لوْلا أنت - لم أحفِل (أهتم وأبالي) بمَن
راح وجاء
أنا أحيا في غدي الآن بأحلام اللقاء
فأتِ أو لا تأتي .. أو فافعل بقلبي ما تشاء
***
هذه الدنيا كتابٌ أنت فيه الفِكَرُ (الأفكار
أو الفكرات)
هذه الدنيا ليالٍ أنت فيها العُمْرُ
هذه الدنيا عيونٌ أنت فيها البَصَرُ
هذه الدنيا سماءٌ أنت فيها القمر
فارحم القلب الذي يصبو إليك
فغداً تملُكه بيْن يديْك
***
وغداً تأتلف الجنّة (تتكوّن من أو تضم) أنهاراً وظِلاّ
وغداً ننسى فلا نأسى (نحزن ونهتم) على ماضٍ
تولّى (مضى وأدبر)
وغداً نسهو (ننظر بطرْفٍ ساكنٍ ونتأمّل ونرنو)
فلا نعرف للغيْبِ (كل ما غاب عن الإنسان من مجهولٍ لا يُرَى) محلّا (مكاناً
وموْضِعاً)
وغداً للحاضرِ الزاهرِ (المزدهر المشرق
الصافي) نحيا .. ليس إلّا (أي أننا لا نعيش اليوم إلّا لمجرّد الانتظار للغد
المشرق)
قد يكونُ الغيبُ حُلْواً .. إنما الحاضرُ
أحلى