تحية كبرى لوزارة الخارجية المصرية لإزالتها صورة الرئيس الراحل "محمد مرسي" من حائط الرؤساء المصريين
اعتاد أسلافنا
الحكّام الفراعنة على إهالة التراب وطمس آثار مَن سبقهم في الحُكم ليزيلوا ذكراه
هو ويخلّدوا ذكراهم هم فقط والتي كانت تُمحى أيضاً ممَّن تبعوهم فيما بعد .. فتجد
على سبيل المثال وليس الحصر تلك الوقائع المذكورة في التاريخ:
-
تعرّضت
الملكة "حتشبسوت" (التى كانت وصيّةً على ربيبها "تحتمس الثالث")
إلى طمس تاريخها كله تقريباً بعدما اعتلى ذلك الـ"تحتمس" العرش فى القرن
الخامس عشر قبل الميلاد .. فقد قام "تحتمس الثالث" (ثم ابنه "أمنحوتب
الثاني" من بعده) بإزالة صورها من الآثار والنقوش والتماثيل والخراطيش
والمعابد ومن قوائم الملوك أيضاً .. وذلك فى محاولةٍ يائسةٍ بائسة للانتقام منها
ومحو ذكراها للأبد.
-
لـمّا بدأ "إخناتون"
تأسيس عقيدته فى التوْحيد والدعوة للإله "آتون" أزال اسم الإله السابق
"آمون" من المعابد والأبنية وخلافها ووضع اسم "آتون مكانها.
-
عندما جاء الفرعون
"حور محب" آخر ملوك الأسرة الثامنة عشر عيّن مسؤولين مختصّين تابعين له (بس
ما كانوش تبع وزارة الخارجيّة) لمحو ذكرى مَن سبقه في الحُكم (كالملك
"آي" و"توت عنخ آمون" و"إخناتون") بكسر ملامح
وجوههم (خصوصاً أنوفهم) في التماثيل والنقوش والمنحوتات الأخرى على الجداريّات
وخلافها .. وأيضاً كشط وطمس وإخفاء أسمائهم هم وطبع ووضع خراطيش اسمه هو مكانها ..
وكذلك طمس صور وأسماء الإله المندحر "آتون" وإعادة اسم الإله
"آمون".
-
تم محو وإزالة كل ما
تم ذكره عن سيدنا "يوسف" وسيدنا "موسى" في كل الآثار المصريّة
.. ولذلك لا تجد لهما ذِكْراً أو ذِكرى في أي أثرٍ تركه لنا الفراعنة وقدماء
المصريّين.
-
أمر السادة الضبّاط
المشرفون على الرقابة الفنيّة في ثورة 1952 بأزالة كل الأغاني والحوارات الإذاعيّة والمواد الفيلميّة التي تمجِّد رمز العهد الملكي "فاروق" .. وفي الأفلام القديمة تستطيع أن تلاحظ الشخبطة على صورة
الملك "فاروق" بسبب كشطها من فوق شريط "السوليلود" (العفريتة
أو النيجاتيف) لتظهر على الشاشة كأنها خطوط بيضاء عشوائيّة كما في أفلام "الأسطى حسن"
و"ليلى بنت الفقراء" و"غزل البنات" وغيرها من الأعمال.
-
بعد تولّي الرئيس
السابق "جمال عبد الناصر" حُكم "مصر" تم إصدار أمر بإزالة اسم
الرئيس الأسبق "محمد نجيب" من حجر أساس كل مشروع تم افتتاحه في عهده
ليتم وضع اسم "عبد الناصر" بدلاً منه .. وكذلك إزالة اسم "محمد
نجيب" من كتب المناهج الدراسيّة ووضع اسم "عبد الناصر" مكانه كأوّل
زعيمٍ لجمهوريّة "مصر" بعد الحكم الملكي.
-
بعد أن تسبّبت ثورة
"25 يناير" في خلع الرئيس السابق "حسني مبارك" (وجاء من بعده
المجلس العسكري ثم "محمد مرسي" ثم "عدلي منصور" ثم "عبد
الفتّاح السيسي") تمّت إزالة اسم "مبارك" من العديد من الشوارع والمدارس
والمشاريع .. حتى محطّة مترو الأنفاق في ميدان "رمسيس" تم تغيير اسمها
من محطّة "مبارك" إلى محطّة "الشهداء" .. وكذلك تم محو اسم
قرينته "سوزان مبارك" من لوجوهات ودعايات مكتبة الأسرة وحملة القراءة للجميع.
-
نفس هذه العادة
القميئة فعلتها قريبتي السِت "أم فاروق" (مرات خالة بنت عم سِلفة أبو أم
اللي جاب أمي) عندما أصرّت على إجبار ابنها على إزالة صور حماته المرحومة "أم
فريال" من ألبوم فرحه .. وأقسمت برأس سيدي "مغاوري" ألّا تخطّي له عتبة
بيت ولا تشرب عنده بُق ماء حتى يشيل صورة زَفّته المُعلّقة في حجرة الصالون والتي
ظهرت فيها المذكورة طشاش على آخر جزء بجوار إطار البرواز من تحت .. وكان ذلك بسبب
أن المذكورة (اللي ما تتسمّى واللي يا رب توْلع ف نار جهنّم بكيروسين غير نقي)
سرّقت "أم فاروق" في جمعيّة شهر رمضان منذ عدّة أعوام وأنها أيضاً كانت
بتلقّح عليها بالكلام يوم الفرح أمام المعازيم .. ده غير إنها سلَّطت الواد بتاع
البوفيه يوميها إنه ما يبـِلِّش ريقها الناشف بكوبّاية شَرْبات ولا حتى بإزازة
بيبس .. الواطية.
أنا شخصيّاً كنت معارضاً لسياسة الرئيس
الراحل "محمد مرسي" خصوصاً عندما أهمل في إبعاد كبار رجال نظام "مبارك" عن
الحكم وتقاعس عن اتخاذ مواقف محدّدة وقراراتٍ هامة في صالح ثوْرة الشعب وانهمك في
تمكين أهله وعشيرته من مفاصل الدوْلة فيما يُسمّى بـ"الأخونة" (تماماً كما
ينهمك الآن الرئيس الحالي "عبد الفتّاح السيسي" في تمكين قادته ومحبّيه
من مفاصل الدوْلة فيما يُسمّى بـ"العسكرة") .. ولكنني في النهاية لم أكره
شخص الرئيس السابق كما لا أبغض الرئيس الحالي نفسه بل أمقت بشِدّة تصرّفاتهما
وتصرُّفات مَن سبقهما والتي أدّت بنا إلى ما نحن فيه من تخلّفٍ وتدهورٍ بين الأمم
المتقدِّمة على جميع الأصعدة.
ومن وِجهة نظري المتواضعة أن عدم وضع صورة
الرئيس الراحل "محمد مرسي" بين رؤساء مصر هو مكسبٌ له وهو وضعٌ منطقيٌ
وموَّفَقٌ وربما مريحٌ أيضاً (وأظن أنه لو كان هذا الأمر بيد المرحوم "محمد
مرسي" ذاته لاختار نفس ما حدث) .. لأنه من الظُلم كثيراً أن نضعه بين هؤلاء
فهو لا يشبههم ولا يشبهونه .. فهو الوحيد بينهم الذي أتى للحُكم وجلس على كرسي
الرئاسة بتكليفٍ من الشعب الذي اختاره (وللحق لم أكن من بين ناخبيه) في انتخاباتٍ
ديمقراطيّةٍ حُرّةٍ بالفعل .. وهو الوحيد بينهم الذي ظل (رغم فترته الرئاسيّة
القصيرة) متواضعاً عطوفاً في غير تجبُّرٍ أو تصنُّع .. وهو الوحيد بينهم الذي كان
مدنيّاً .. وهو الوحيد بينهم الذي لم يتكسّب (ماديّاً أو معنويّاً) من منصب
الرئاسة ولم يجنِ من ورائها شيئاً سوى السجن والاضطهاد الذي طال أسرته ومؤيّدوه بل إنه ظُلِمَ وتأذّى حتى مات ودُفِن وحيداً دون مراسمٍ رسميّة أو حتى عاديّة.
فتحيّةٌ كبرى للسادة المسؤولين في وزارة الخارجيّة لهذا الموْقف الرخيص (ولهذه الحركة البلدي النُص كُم التي تندرج تحت بند كيد النِسا) الذي لم يساوِ بينه وبين مَن سبقه ومَن لحقه فهو بالفعل لا يستحق أن يكون من بينهم فأظنه يستحق ما هو أفضل .. وتحيّة أخرى أكبر وأعظم لأنهم رغم قصدهم أن يتجاهلوا الرئيس المغفور له (بإذن الله) "محمد مرسي" وأن يستأصلوا طيْفه من ذاكرة الشعب المصري إلّا أنهم تسبّبوا – من حيْث لا يحتسبون وعلى عكس ما يرغبون – في إحياء ذكراه واستدعاء ذِكره واستحضار صورته في قلب وعقل ولسان المصريّين وغير المصريّين .. المحبّيين والكارهين له على حدٍ سواء.