"للحب آلهةٌ كثيرة" | الفصل الخامس (2)
ولم تتوانَ
"عبير" عن تنفيذ ما انتوت فتوجّهت رأساً في المساء التالي إلى عيادة
"كريم" وطلبت من الممرّضة أن تكون الأخيرة في قائمة الكشف بحُجّة أن
حالتها تتطلّب من الطبيب التأني والتمعّن دون استعجال حالةٍ أخرى وراءها، ولبّت
الممرّضة طلب "عبير" وأدخلتها أخيراً بعد كل المرضى، وما إن رآها
"كريم" حتى تجمّد في مكانه وتسمّر في كرسيه ثمَّ ما لبث أن تخلّص من
شعوره بالمفاجأة وبدأ يتحرّك فهبّ واقفاً مادّاً ذراعه اليمنى وهو يتصنّع نسيانه
للإنسانة التي أسرت قلبه من قبل وقال :
- أهلاً وسهلاً ..
إزايّك يا مدام آآآآ .. معلهش فكّريني باسم حضرتِك.
وردّت عليه
"عبير" بخبثٍ مكشوف كي تسبر أغواره وتكتشف ما يرمي إليه :
- إسمي
"سناء" .. كنت باتابع معاك من ييجي سنة كده.
وفوجئ
"كريم" بردّها وإنكارها لاسمها الحقيقي ولم يدرك هدفها بعد ولكنه اضطر
لاستكمال اللعبة التي بدأها هو في الأصل ولكنه لم يحذق أصولها حتى النهاية فقال :
- أيوه ايوه .. أنا
فاكر سيادتِك .. بس نسيت اسمِك .. حضرتِك عارفة بقى العيّانين بتوعي كتير .. صعب
احفظ أساميهم كلّهم.
فأجابت
"عبير" في برود لتقابل تجاهله بلا مبالاة أقوى :
- ربّنا يكون ف
العون.
وساد الصمت بينهما
لحظاتٍ كأنها دهور إلى أن قطعه "كريم" بسؤاله :
- الممرّضة قالت لي
إن حضرتِك طلبتي تدخلي ف الآخر علشـ.....
وقطعت
"عبير" حديثه لتختصر الديباجة وتدخل في قلب الموضوع دون مواراةٍ أو
دوران فأفصحت مباشرةً عمّا تريد :
- لا .. أنا قلت لها
كده بس علشان عايزاك ف موضوع شخصي بعيد عن الطب.
وحاول
"كريم" أن يتنصّل من الحوار مع حبيبته حتى لا يثمر حديثهما عن أشياءٍ
يحاول الابتعاد عنها قدر المستطاع فقال لها محاولاً اجتثاث جذور هذا الحديث من
أساسه :
- أنا آسف يا مدام
.. أنا هنا دكتور وبس .. عندِك شكوى مرضيّة قوليها علشان اكتب لِك العلاج .. غير
كده ما فيش أي حاجة شخصيّة بيني وبينِك.
وأصرّت
"عبير" على الدفاع عن حبّها حتى النهاية ورفضت أن تترك مصيرها في مهب
الريح دون أن تعرف حقيقة شعور "كريم" نحوها وصمّمت أن تُرسي سفينة
أفكارها على مرسى ثابت بدلاً من أن تتركها تتخبّط في بحرٍ مظلمٍ من الهواجس
والظنون فقالت صائحةً بصوتٍ عالٍ ينم عن إلحاحٍ لا يلين :
- ما هو انت لازم
تسمعني .. أنا مش ح امشي من هنا إلّا اما اعرف كل حاجة.
ويبدو أن صوت
"عبير" العالي قد لفت انتباه الممرّضة فطرقت بخفّة على الباب كي تستطلع
ما يحدث :
- أيوه .. أدخلي يا
"عليّة" .. فيه حاجة.
- أبداً يا افندم ..
أنا بس قلت اشوف حضرتك لو عايز حاجة.
- لأ .. شكراً ..
باقول لِك إيه .. قفّلي انتي برّه واتّكل على الله روّحي .. علشان الكشف ده ح
يطوّل.
- مش مشكلة يا دكتور
.. أستنّاك.
- لا لا .. ما فيش
داعي .. روحي انتي علشان تلحقي المواصلات .. مع السلامة .. وسيبي الباب ده مفتوح.
- حاضر .. سلامُ
عليكم.
وكفَّ الاثنان عن
الكلام قليلاً حتى انصرفت الممرّضة وأغلقت باب العيادة وراءها فتشجّع
"كريم" وسأل "عبير" :
- اتفضّلي اتكلّمي
.. خير يا مدام "سناء"؟
وملّت
"عبير" من الاستمرار في هذه اللعبة السخيفة التي استمرأها
"كريم" وقرّرت كشف أوراقها فقالت :
- إنت فعلاً مش فاكر
إسمي ولّا بتستعبط؟
فتكلّف
"كريم" الغضب ليبتعد عن الإجابة بصراحة قائلاً بحدّة :
- لو سمحتي يا مدام
.. ما فيش داعي للألفاظ الخارجة .. قلت لِك إن العيّانين بتوعي كتير .. يمكن فوق
الألف واحد .. وإن الـ......
وقاطعته
"عبير" مرّةً أخرى بقوْلها :
- ويا تري عندك فوق
الألف كلية برضه؟
وتساءل
"كريم" في توجّس :
- نعم؟ .. قصدِك
إيه؟
وكاشفته
"عبير" وهي تبتسم :
- يعني يا ترى
اتبرّعت للألف عيّان دول بألف كلية زي ما اتبرّعت لي؟
وبُهِت
"كريم" من وقع المفاجأة التي أفقدته النطق فعاجلته "عبير"
وكالت له الصدمة تلو الأخرى وأخرجت له ورقةً من حقيبتها واندفعت تقول :
- مش دي ورقة تبرّعك
بكليتك علشاني؟ .. تقدر تنكر؟
فردَّ عليها
"كريم" بصوتٍ خافت ينم عن الاستسلام :
- هوَّ الدكتور
"سعيد" قال لِك.
فأجابته
"عبير" وقد أحسّت بالانتصار :
- لأ .. ما قال ليش
حاجة .. أنا عرفت بالصدفة واخدت الورقة دي من وراه.
- ......
- اتكلّم يا
"كريم" .. اتبرّعت لي ليه بكليتك؟ .. ما هو معنى كده إنك بتحبّني .. طب
ليه أنكرت حبّك ليّ وسِبتنا نتعذّب احنا الاتنين المدّة دي كلّها؟ .. وليه رفضت
الارتباط بيَّ لمّا طلبت منّك؟ .. إنت بتحبّني ولّا لأ ؟ .. ما ترد عليَّ .. ساكت
ليه؟
- ......