الفصل الثالث (3)
عادل: مَن قال إني أريد له النجاة؟! ..
سامية: عجيبة؟! .. لا تريد نجاته؟! .. تريد
إذن موْته؟! ..
عادل: ولا أريد أيضاً موْته ..
سامية: ماذا تريد له إذن؟! ..
عادل: لا أريد له شيئاً .. أنا لا شأن لي به
..
سامية: طبعاً .. طبعاً .. أنت لا شأن لك به
على الإطلاق .. لا علاقة لك به .. لا علاقة أبداً .. أنت شيءٌ وهو شيءٌ آخر .. هذا
ما نعرفه جيّداً .. أليس كذلك يا دکتور؟ ..
الدكتور: بدون شك ..
سامية: تأكّد يا "عادل" أننا على
يقينٍ تام أنه لا صلة لك بهذا الصرصار .. وهذا ما نتمنى نحن لك أن تعرفه جيّداً
وأن تعتقده ..
عادل: وهل أنا لا أعرف ذلك؟! ..
سامية: المهم الاعتقاد في قرارة نفسك ..
عادل: الاعتقاد بماذا؟! ..
سامية: الاعتقاد بأنه لا توجد أي قرابةٍ ولا
أدنى تشابهٍ بينك وبينه ..
عادل: تشابهٌ بیني وبینه؟! .. وبعدها لك يا "سامية"؟!
.. أبَلَغَ الأمر إلى هذا الحد؟! .. تتحدّثين عن تشابهٍ بيني وبين الصرصار؟! ..
سامية: بالعكس .. أنا يسرني ويسعدني أن لا
يكون هناك أي تشابه
عادل: إذن هذا التشابه موجودٌ في نظرِك ..
سامية: ليس في نظري أنا يا "عادل"
..
عادل: في نظر مَن إذن؟ ..
سامية: في نظرك أنت ..
عادل: في نظري أنا؟! .. في نظـرى أنـا أني
أشبـه الصرصار؟! ..
سامية: إذن أنت لم تعد ترى ذلك؟! ..
عادل: أرى ماذا؟! .. أرى أنى أشبه الصرصار؟! ..
من أي ناحيةٍ أشبهه؟! .. أخبريني من فضلِك؟! .. إنك ولا شك تجاوزتِ الحدود .. هذا
كثيرٌ يا "سامية" .. كثيرٌ جداً .. أشبه الصرصار؟! .. أنا؟! .. من أي
جهة؟! .. من جهة الشوارب؟! .. إذا كان من جهة الشوارب فأنا حليقٌ .. كما تريـن! ..
مـن جهـة الملامح؟ .. القَسَمات؟ .. التقاطيع؟ .. تكلّمي! .. تکلّمي! .. تکلّمي! ..
سامية: تكلّم أنت يا دكتور أرجوك! ..
الدكتور: اسمحي لنا بلحظةٍ على انفراد ..
سامية: سأذهب يا دكتور لأحضر لك فنجان قهوة! ..
(تخرج وتترك الدكتور و"عـادل" على
انفراد .....)
الدكتور: اسمع يا أستاذ "عادل" ..
أوّلاً زوْجتك مخلصةٌ لك كل الإخلاص، ولا تقصد إطلاقاً جَرْح شعورك ..
عادل: بعد الذي سمعته؟! ..
الدكتور: صدّقني .. إنها تحترمك وتقدّرك ..
وتضعك في مكانةٍ عاليةٍ جداً .. رغم اعتقادك أن شخصيّتك أضعف من شخصيّتها ..
عادل: شخصیّتي أضعف من شخصيّتها؟! .. مَن قال
ذلك! ..
الدكتور: لا .. لا أحد .. هذا مجرّد فرض ..
مجرّد احتمال .. أن يكون هذا هو اعتقادك الداخلي ..
عادل: لم يخطر على بالي إطلاقـاً مثـل هـذا
الفـرض أو الاحتمال ..
الدكتور: ربّما مثلاً .. تكون طلباتها .. أو
ما يمكن أن تفهم منه أنه أوامرها ..
عادل: فعلاً هي صاحبة طلباتٍ وأوامر .. بل
أكثر مـن ذلك .. تحكّمات .. بل ورغبةٌ في التسلّط ..
الدكتور: أنت معترفٌ بهذه النقطة ..
عادل: بالتأكيد ..
الدكتور: ترى إذن أن لها رغبةً في التسلّط؟ ..
عادل: طبعاً .. مثل أغلب الزوْجات .. خصوصاً
مَن كانت مثلها تخرّجت مع زوجها في نفس الكليّة .. وتوظّفت معه في نفس العمل ..
الدكتور: إذن المساواة بينكما تامةٌ في كل
شيء ..
عادل: في كل شيء ..
الدكتور: ومع ذلك تريد هي أن تمتاز .. وأن
تتسلّـط وتتحكّم ..
عادل : بالضبط .. حالة زوجتي ..
الدكتور: وأنت تركتها تتسلّط وتتحكّم ..
عادل: نعم .. أتدرى لماذا؟ ..
الدكتور: لأنها هي .....
عادل: لا .. أرجوك .. انتظر .. لا تتعجّل
وتستنتج من ذلك أنها هي أقوى مني شخصيّة .. تلك مزاعمها هي ..
الدكتور: مزاعمها؟! ..
عادل: قُل لي بصراحة يا دكتور .. أليست هي
التي قالت لك شيئاً كهذا؟ ..
الدكتور: أظن ..
عادل: نعم .. هذا ما أعرفه عنها .. إنها في
دخيلة نفسها تعتقد أنى أضعف منها شخصيّة ..
الدكتور: وهل هذا غير صحيح؟ ..
عادل: طبعاً .. غير صحيحٍ بالمرّة .. هي حُرّةٌ
تعتقد في نفسها ما تعتقد .. إذا كان غرورهـا يصوّر لها ذلك .. فلتتصوّر ما شاءت ..
الدكتور: لكن هذا لا يمنع أنك تطيعها ..
وتنفذ كل أوامرها ..
عادل: رغبةً مني في إرضائها .. لأنها امرأة ..
امرأةٌ ضعيفة .. فرحانةٌ بشبابها ونهوضها ونبوغها .. لا أحب أن أصدمها في اعتقادها
بتفوّقها وقوّتها .. إنى أعتبر ذلك نذالة .. نذالةً مني أنا الرجل القوي .. وأرى
أن واجب الرجولة هو إشعارها بقوّتها وأهميّتها .. ورَفْع روحها المعنويّة ..
الدكتور: رَفْع روحهـا هـي؟!! .. عجيبـة! ..
المسألـة انعكست ..
عادل: أي مسألة؟ ..
الدكتور: سؤالٌ آخر يا أستاذ "عادل"
.. مسألة الصرصار ..
عادل: ماله الصرصار؟ ..
الدكتور: اهتمامك به؟! ..
عادل: وأنتم ما سر اهتمامكم باهتمامي؟! ..
الدكتور: لا أبداً .. أبداً .. فقط .....
عادل: اسمع يا دكتور .. المسألة كلها بدأت تتّضح
لي .. فهمت الآن .. فهمت .. جماله .. وشواربـه .. وشخصيّته .. والتشابُه .. إذن
كان قصدكم أني ..
الدكتور: بصراحة يا أستاذ "عادل"
نعم ..
عادل: نعم؟ ..
الدكتور: غرضنا كله كان مجرّد المعاونة و.....
عادل: والمشاركة .. المعاونة والمشاركة مع زوْجتي
في مثل هذا الكلام ..
الدكتور: لا يا أستاذ "عادل" ..
هذه نظريةٌ معروفة ..
عادل: نظرية؟! .. أي نظرية؟! ..
الدكتور: أنا في الحقيقة لست متخصّصاً في
الـطب النفساني .. لكنى درسته كهوايةٍ ليس إلّا .. ولذلك .....
عادل: مفهـوم .. ولذلك اعتقدت أني مـن فصيلـة
الصراصير ..
الدكتور: لا .. ليس هذا بالضبط .. على كل حال
أنا الآن غيرت رأيي ..
عادل: الحمد لله؟ .. رأيت الآن أني "بنی
آدم"! ..
الدكتور: اعذرني يا أستاذ "عادل"
.. ملابسات الموضوع كلّها تجر إلى هذا الاتجاه ..
عادل: أرجوك يا دكتور .. فهّمني بالتفصيل ما
الذي قام في ذهنكم طِبقاً لطبّكم النفساني؟ .. الدكتور: لا .. لا لزوم الآن .. أنا
متأسِّف ..
عادل: وزوجتي "سامية" كانت تعرف
رأيك هذا؟ ..
الدكتور: نعم ..
عادل: وهي التي ساعدتك على أن ترى أني صرصار؟!
..
الدكتور: لا يا أستاذ "عادل" لا ..
ليس الأمر هكذا .. ليس هكذا بالضبط وأؤكّد لك .. أؤكّد لك ..
عادل: اسمع يا دكتور .. أحب أن أقول لك بكل
صراحة إن أي تشابهٍ بيني وبين الصرصار هو مجرّد .....
الدكتور: العفو .. العفو يا أستاذ عادل ..
قصدنا شريف قصدنا والله شريف ..
عادل: اسمح لى أن أُكمِل .. إذا اعتقدتم أنى
أشبه الصرصار فأنتم مخطئون ..
الدكتور: طبعاً .. وأي خطأ! .. أنا معترفٌ أني
أخطـأت التشخيص .. معترفٌ أني مخطئ .. وألـف مـرّةٍ مخطئ ..
عادل: نعم .. خطأٌ جسيم .. لأني لا يمكن أن
أصل إلى المستوى الرائع الذي وصل إليه الصرصار ..
الدكتور: ماذا تقول؟! .. المستوى الرائع؟! ..
عادل: نعم ..
الدكتور: أأنت جاد؟! ..
عادل : كل الجد .. وأكرّر ما قلت ..
الدكتور: إذن أنت معجبٌ بهذا الصرصار؟! ..
عادل: وأقدّره ..
الدكتور: وتقدره؟! ..
عادل: وأحترمه ..
الدكتور: وتحترمه؟! ..
عادل: وأفهمه جيّداً ..
الدكتور (ناظراً إليه فاحصاً ومدقِّقاً ):
مفهوم .. مفهوم .. وتتمثّل به وتتخيّل نفسك .....
عادل: في مكانه؟ ..
الدكتور: نعم مثله ..
عادل: نعم .. أتخيّل ذلك ..
الدكتور: إذن أنت .. أنت .....
عادل: أنا ماذا؟ ..
الدكتور: لم أعد أدرى .. أنت حيّرتني يا
أستاذ "عادل"! ..
عادل: أرجوك يا دكتور كفاية .. لا تطبِّق عليَّ
طِـبّك النفساني مرّةً أخرى .. الأمر أبسط من كل ذلك بكثير .. وسأشرحه لك بوضوح ..
تسمح؟ ..
الدكتور: تفضّل! ..
عادل: أوّلاً .. تخيّل أنك صرصار! ..
الدكتور: أنا؟! ..
عادل: أو أن الصرصار هو أنت ..
الدكتور: يا أستاذ "عادل" .....
عادل: أرجوك .. لا تنظر إليَّ هذه النظرات ..
أنا فاهم معنى نظراتك تماماً .. أنت لم تزل تشك .. أنت فعلاً في حيرةٍ من أمري ..
ولكني أؤكّد لك مرّةً أخرى أن الأمر يختلف تماماً عمّا يجول برأسك ..
الدكتور: إذن استخدامك هذه الألفاظ هو من
قبيل المداعبة أو .....
عادل: خذها على أي معنىً شِئت .. المهم أن
تترك معنى حكاية الطب النفساني هذه وتكون معي طبيعيّاً
الدكتور: أكون طبيعيّاً؟! ..
عادل: نعم .. هل أنت الآن طبيعي؟! ..
الدكتور: والله أنا .. في الحقيقة .....
عادل: غير متأكّد؟! ..
الدكتور: لم أعد أدري شيئاً ..
عادل: أنا أقول لك .. اترك نفسك على السجيّة
.. انسَ أنك دكتور .. ولنأخذ الموضوع بمنتهى البساطة .. هل أنت مستعد؟ ..
الدكتور: نعم ..
عادل: عظيم .. ماذا كنت أسألك؟ ..
الدكتور: سألتني عن .....
عادل: نعم .. تذكّرت .. سألتك أن تتخيّل أنك
الدكتور: أني صرصار ..
عادل: أو أن الصرصار هو أنت ..
الدكتور: فعلاً .. فعلاً
عادل: والآن .. إلى الخطوة الثانية ..
الدكتور: لكن .. انتظر .. في حالتي لا يمكن
.....
عادل: لا يمكن ماذا؟ ..
الدكتور: لا يمكن أن أكون صرصارا ..
عادل : لماذا؟ ..
الدكتور: لأني .. لم أتزوّج بعد ..
عادل: وما هي العلاقة؟! ..
الدكتور: يظهر أني .. أسأت التعبير ..
عادل: لا .. أنت فقط أسأت فهمي .. أنا لم
أطلب منك أن تكون الصرصار العائلي .. بمعناه النفساني .. لا .. أنا أقصد الصرصار
الحقيقي الذي أمامك في هـذا الحوْض ..
الدكتور (يشير إلى الصرصار في الحوْض): هذا؟!
..
عادل: نعم .. هذا البطل ..
الدكتور: بطل؟! ..