الفصل الثالث (5)
الدكتور: لا تخَف .. سيدخل .. لا شيء يستعصي
على عبقريّة النمل ..
سامية (وهي تطل عليهما من الباب): خلصنا من
بطولة الصرصار ودخلنا في عبقريّة النمل!!! ..
عادل (وهو مستمرٌ في المتابعة): أنا أشك في
إمكان إدخال الصرصار من هذا الشق الصغير ..
الدكتور (يتابع النظر هو الآخر): عمّا قليلٍ
سنري ..
(جرس التليفون يرن.....)
سامية (وهي تهرع إلى التليفون): تليفون يا "عادل"
.. ربما كان لك ..
عادل (يلتفت ويلحق بها): لي أنا؟ ..
سامية (ممسكةً بالسمّاعة): ألـو .. مَـن يـا
أفـنـدم؟ .. الدكتور؟ .. نعم موجود .. لحظة واحدة .. (تنادي) التليفون يا دكتور! ..
الدكتور (يهرع ويمسك بالسمّاعة): ألو ..
الشركة .. آه .. أنا الدكتور .. أهلاً وسهلاً .. أيْن هذه الحالة شارع .. رقم ..
انتظِر حتى أدوِّن .. (يخرج دفتره الصغير ويكتب) .. كم الرقم مرّةً أخرى؟ .. متشكّر
.. الحالة التي في يدى .. آه .. انتهيْتُ منها الآن .. مطمئنة .. لا .. لا خطورة
على الإطلاق .. مجرّد توعُّك .. سأبلغه .. شكراً ..
(يضع السمّاعة .....)
عادل: يسألون عنى في الشركة ..
الدكتور: طبعاً ..
سامية: ظنّوا الحالة خطيرة ..
الدكتور (لـ"عادل" وهو يضع
السمّاعة): يبلغونك تمنيّاتهم بالشفاء ..
عادل: الشفاء؟! ..
سامية: وأنا أيضاً أضم صوْتي إليهم! ..
عادل: نعم؟! .. نعم ؟! ..
(في تلك الأثناء تكون الطبّاخـة قـد انسلّت
إلى الحمّام حاملةً جردل مـاءٍ وخِرقة وجعلت تنظّفه وتزيل مـا على الحائط من نملٍ
دون أن يفطِن الآخرون المشتغلون بالحديث .....)
الدكتور (ناظراً في ساعته): أنا مضطرٌ لأن أترككم
.. حالةٌ أخرى في انتظاري ..
سامية: حالة أخرى؟!! ..
الدكتور: في شارعٍ بعيد .. لا يصح أن أتأخّر
.. إلى اللقاء ..
عادل: انظر يا دكتور .. أتذهب هكذا .. قبل أن
تُلقي نظرةً على النمل ..
سامية: تريد أن تُعطِّل الدكتور من أجل النمل
أيضاً؟! ..
الدكتور: أنا في الحقيقة يُهمّني ذلك .. هيّا
بنا نُلقي نظرة ..
عادل: هيّا بنا .. لعل النمل يكون قد نجح في
إدخال الصرصار هذا الشق ..
سامية (تشيّعهما بنظراتٍ مستغربة): عجيبةٌ
واللهِ ..
("عادل" والدكتور ما يكاد الاثنان
يبلغان الحمـّام حتى تخرج منه الطبّاخـة بجردلها .....)
الطباخة (لـ"سامية") نظّفت الحمّام
يا سِت ..
سامية (مشغولةً بإخراج ملابسها من الدولاب):
.....
عادل (في الحمّام): مصيبةٌ لو كانت "أم
عطيّة" عملتها ..
الطباخة (بدون فهم): عملتها؟! ..
عادل (صائحاً أمام الحائط): يا خسارة .. يا
خسارة ..
الدكتور (خلفه ينظر إلى الحائط): عملتها؟! ..
عادل: عملتها .. انظر .. أزالت النمل
والصرصار وكل شيء .. نظّفت الحائط من كل ما عليه.
الدكتور (خارجاً من الحمّام): سوء حظ! ..
عادل (للطبّاخة وهو خارج): لماذا يا "أم
عطيّة" .. لماذا؟! ..
الطباخة: أنا عملت حاجة؟ ..
عادل: لا .. ولا حاجة .. اذهبي لشُغلِك
والسلام .. لعنة الله عليكِ ..
(الطباخة تخرج مندهشة .. والدكتور يحمل
حقيبته .....)
الدكتور: رجائي أن تمضي يومك في راحة ..
وتعود غداً إلى عملك في أحسن حالٍ إن شاء الله ..
عادل: وما الذي يبقيني إلى الغد؟ .. سألبس
الآن وأذهب إلى العمل حالاً ..
الدكتور: لا أرجوك .. المفروض أنك اليوْم في
أجازة ..
عادل: وماذا أعمل الآن بهذه الأجازة؟ .. ألا
يمكنك أن تلغيها؟ ..
الدكتور: كيف ألغيها؟! .. الشركة تعرف أني
هنا .. وأني جئت من أجل هذه الحالة .. ماذا أقول لهم؟ .. أقول إنه .....
سامية: إنه قاعد يتفرّج على صرصار! ..
الدكتور: لا تُعقِّد الأمور يا أستاذ "عادل"
.. يوْم أجازةٍ ويمضي .. ويُحَل الإشكال ..
سامية (تحمل ملابسها): أنا داخلة الحمّام ..
عن إذنكم .. أظن دخول الحمّام الآن غير ممنوع! ..
عادل: يا فرحتِك! ..
سامية: انصحه يا دكتور أن يُمضي يوْم الأجازة
في عملٍ مفيد.
عادل: وما هو العمل المفيد في نظرِك؟ ..
الدكتور: على كل حال .. الأستاذ "عادل"
يعرف كيف يمضي الوقت في شيءٍ ممتعٍ ومفيد ..
سامية: أراهن أنه سيمضي يوْمه جالساً يكتب
مذكراتٍ عن مصير الصرصار! ..
الدكتور: وأين هو الآن الصرصار .. لم يبقَ له
أثر .. حتى ولا شاربٌ واحدٌ من شواربه ..
عادل: المهم هو كفاحه .. من أجل حياته ..
الدكتور: نعم .. وهذا ما سيظل عالقاً بذاكرتي
.. إلى اللقاء جميعاً ..
سامية: نحن في غاية الشُكر يا دكتور .. ونأسف
على تعطيلك عندنا كل هذا الوقت .. بدون مبرّر ..
الدكتور: بالعكس .. بالعكس ..
سامية: أرجو أن تكون الحالة التي أنت ذاهبٌ
إليها أكثر جديّة! ..
الدكتور: ثِقي أني لم أضيع وقتي عندكم عبثاً
.. إلى اللقاء ..
(ويخرج الطبيب بسرعة .....)
سامية (وهي داخلةٌ الحمّام): اسمع يا "عادل"
.. أنت اليوم عندك أجازة .. يكون في معلومك .. أريد أن تمضي هذا اليوم في عملٍ
نافع .. سامع؟! .. عندك ملابسي وفساتيني منكوشةً في الدولاب .. اقعد رتِّبها وعلِّقها
بالراحة .. واحدةٌ واحدة .. أرجع من شُغلي ألقى كل شيءٍ نظّمته ورتّبته .. مفهوم؟ ..
عادل (في إطراقٍ عميق): .....
سامية: سامعني؟! ..
عادل: سامع ..
سامية: وإيّاك فستانٌ واحدٌ يُطَبَّق منك أو
يتكرمش .. مفهوم؟! ..
عادل (صائحاً): مفهو ... و ... و .. م! ..
سامية: أنا حذّرتك ..
(ثم تدخل "سامية" الحمّام وتُغلِق
عليها بابه .....)
عادل (يصيح): يا "أم عطيّة" .. هاتي
الجردل والخِرقة .. وأزيليني من الوجود! ..
(ستار)
(تمّت ..... ولكن هناك تعقيبٌ هام من "ابن أبي صادق" بالأسفل)
تعقيبٌ واجب:
قد يرى بعض القرّاء أن هذه المسرحيّة مملّة
وبدون عقدةٍ أو أحداثٍ مثيرة وعديمة المعنى بل وبلا مغزى (كما قال "توفيق
الحكيم" نفسه في مقدّمة هذه المسرحيّة عندما كتب: "إنها مجرّد مسرحيّة
وكفى") .. ولكنهم مخطئون .. فالقصّة مليئةٌ بالرموز والمعاني والخلاصات
الهامّة .. وكما تعوّدتٌ وتعوَّدتَ – صديقي قارئ مجلّة "ابن
أبي صادق" – أن أعرض عليك ما قد يخفى على بعضنا بعد قراءة بعض النصوص
الأدبيّة لبعض الكتّاب فإنني أتشرّف بنشر نقد أدبي موضوعي رائع لفلسفة "توفيق
الحكيم" فيما وراء مسرحيّة "مصير صرصار" للناقد العراقي الكبير
"صباح هرمز الشاني":
مسرحيّات
"توفيق الحكيم" ... والمسخ
كتب "توفيق
الحكيم" مسرحية "مصير صرصار" عام 1966 وتتحدّث المسرحية في الفصل
الأوّل على لسان الصراصير المتكوّنة من خمس شخصياتٍ هي: الملك، الملكة، الوزير،
العالِم، والكاهن، يقابله في الفصل الثاني نفس العدد من الشخصيّات هي: "عادل"،
"سامية"، "الدكتور"، "الخادمة"، و"رأفت"
الذي لايظهر على خشبة المسرح.
ومثلما تتقابل صنف
المجموعة الأولى التي تمثّل الحشرات مع صنف المجموعة الثانية التي تمثّل البشر من
حيث العدد، كذلك فهما يتقابلان مع بعضهما البعض من حيث معالم وأبعاد شخصيّاتهما، فالملك
يقابله "عادل"، والملكة تقابلها "سامية"، والعالِم الدكتور، والوزير
الخادمة، والكاهن "رأفت"، إلّا أن هذا التقابُل يتّضِح بين شخصيّتيْ
الملك و"عادل" من جهة، والملكة و"سامية" من جهةٍ أخرى أكثر من
بقيّة الشخصيّات، كالعالِم والطبيب والوزير والخادمة، متمثّلاً هذا التقابُل بضعف
شخصيّة الملك و"عادل"، وقوّة شخصيّة الملكة و"سامية"، ويوازي
هذا التقابُل تقاطعٌ في تفكير المجموعتيْن من حيث واقعيّة تفكير الملكة إزاء حل
مشكلة الصرصار، وحيال عدم واقعية "سامية" في اضطهاد زوجها، وواقعية
تفكير "عادل" نحو صراع الصرصار من أجل الخروج من الحوْض، وعدم واقعيّة
الملك في حل مشكلة الصرصار، كما تجري أحداث الفصليْن في نفس المكان وهي حجرة النوم،
وفي نفس الزمان وهو الصباح، ونفس الغرض وهو العمل، واستيقاظ الملك و"عادل"
من نوْمهما قبل الملكة و"سامية"، وحدوث نفس المشكلة بين المجموعتيْن،
وهي أسبقية الذهاب إلى الحمّام.
ويمكن ملاحظة هذه
التقابلات والتقاطعات من بداية الفصليْن والملك يوقِظ الملكة من نومها للعمل (في بداية
الفصل الأول) مقابل إيقاظ "سامية" لـ"عادل" للذهاب إلى العمل
(في بداية الفصل الثاني)، وضعف شخصيّتيْ الملك و"عادل" مقابل قوّة شخصيّة
زيجاتهما من خلال وضع الملكة لمستواها في نفس مستوى الملك، والسخرية من آرائه، والرد
عليها بعدم انتقاصٍ من سلطانه، وإبعاد "سامية" لـ"عادل" من
دخول الحمّام لتدخل قبله، وقوْله لها: "لا لن تدخلي .. لن أضعف اليوْم، ولن أتهاون
في حقوقي ولن استسلم بعد اليوْم"، وبالإضافة الى إقراره لنفسه بضعفه أمامها.
وتصب واقعيّة أفكار
الملكة في إصرارها على حل مشكلة النمل، مقابل تهاون وانهزاميّة زوجها وحاشيته في
ايجاد الحلول الناجعة لهذه الأزمة، عبر اتهام زوجها بجعل مشكلة النمل مسألة شخصيّة
حتى لا يشغل نفسه بالحل الحاسم،وتنبيهها له بحفظ لسانه وأن يتكلّم معها بأدب، وعدم
تسخيف آراء حاشيته قبل مناقشتها، وكذلك تطلب "سامية" من زوجها
"عادل" - وهي في الحمام - أن يسكت وألّا يزعجها، ويجهِّز لها الفطور،
ويضع اللبن على النار، ويناولها البُرْنُس والصابون والليفة وزجاجة الكولونيا
وعلبة البودرة.
وإذا كانت مسألة الإصرار
على مبدأ "كفاح لا أمل فيه" في مفهوم "توفيق الحكيم" هو جوهر
التراجيديا (متمثّلاً هذا الكفاح في صراع الصرصار في الحوْض وبانسحابه على شخصيّة "عادل"
بالتمرّد على زوْجته ليتحوّل في النهاية إلى حشرةٍ ممسوخة كالصرصار) فانه قد عبّر
عن هذا المفهوم من خلال الكوميديا، وبذلك جاءت ثيمة النص عن طريق التراجيديا، وجاء
بناء معماريّته عن طريق الكوميديا، موَلِّداً هذا التزاوج كوميديا سوداء.
وهذا العنصر يظهر في
الفصل الأول عبر مجيء الملك الى دست الحكم (كرسي العرش) عن طريق تحدّيه لطول
شواربه بشوارب جميع الصراصير، ولأن الصراصير لم يكن لديها وقتٌ لقياس الشوارب فقد
سلّمت العرش له فوراً، أمّا الوزير فقد اصبح وزيراً لاهتمامه البالغ بعرض المشكلات
المربِكة والمجيء بالأخبار المزعجة وهو الذي عيّن نفسه ووافق الملك لانه لم يكن له
منافس، والعالِم بمعلوماته الغريبة عن أشياءٍ لاوجود لها إلّا في رأسه هو.
كما وتظهر الكوميديا
السوداء في نفس هذا الفصل لحل مشكلة الصراصير والقضاء على النمل، بمهاجمة الأولى
على الثانية بعشرين صرصاراً ثم ينخفض هذا العدد إلى عشرة، وعدم اجتماع الصراصير في
طابورٍ لعدم معرفتها النظام و أن تدريبها لايدخل في اختصاص الوزير، ولا دَخْل
للعالِم في مشكلتها،كونها قديمة وسياسيّة.
ولأن المشكلة
الحقيقيّة هي في كيفيّة تحشيد بضعة صراصير التي لم تجتمع من قبل إلّا حول قطعةِ من
الطماطم (كما قال العالِم)، فقد جاءت - من هنا - فكرة إيجاد قطعةٍ منها لشنّها
الهجوم على النمل ولكن تواجِه هذا الحل مشكلةٌ أخرى وهي صعوبة العثور على قطعة طماطم،
ثم حتى وإن تم العثور عليها فإن اجتماعها حوْل الطعام سيكون بدون جدوى لأنها ستأكل
وتملأ بطونها، ثم ينصرف كلٌ منها في طريق.
ولكن أغرب هذه
العناصر هو في وجود ارتباطٍ وثيقٍ بيْن اجتماع عِدّة صراصيرٍ في مكانٍ ما، ووقوع
كوارثٍ من نوْعٍ خاص، كحركة الجبال، وهطول المطر الخانق المبيد، ولعل خوْف
الصراصير من هذه الكوارث جعلها من قديم الأزل تتجنّب مثل هذه التجمُّعات، ومن هنا
نشأ سيْر كل واحدٍ منها بمفرده في اتجاهٍ مختلف.
وتزداد غرابة تلك
العناصر كلّما توغّلنا أكثر في قراءة النص، وتبلغ درجة اعتبار الصرصار نفسه أكثر رُقيّاً
من النمل لأن عنده ميزة تحديد النسل الذي يفتقر إليه النمل.
وإذا ما أعدنا قراءة
الحوارات التي شيّدت بناء معماريّة النص لإثارة عنصر الكوميديا السوداء لوجدنا أنها
جاءت بقصديّة الترميز الى موقف الدول العربية المخزي - وقتها - من قضيّة "فلسطين"،
وهي قصديّةٌ تنبؤيّةٌ لأحداث نكسة يونيو عام 1967 أذ يرمز اعتلاء الملك لعرش الحكم
(بسبب طول شواربه عندما لم يكن لبقية الصراصير وقتٌ لقياس شواربها فسلّمت له العرش)
إلى أن رؤساء الدول العربيّة يتبوّؤن السُلطة عن طريق القوّة (أي عن طريق
الانقلابات العسكريّة دون ان يكون لشعوبهم رأيٌ في ذلك) ويكون أكبرهم في الرُتبة
والدرجة العسكريّة (أطولهم شارباً) هو الرئيس والزعيم، كما أن موافقة الملك (أو
الحاكم العربي) على تعيين الوزير لم يأتِ لخبرة الوزير وحنكته في الإدارة بل لعدم
وجود من ينافسه إشارةً إلى أن الوزير العربي لم يصبح وزيراً إلّا لكوْنه من جماعة
الملك وحزبه في انقلابه هذا، كما أن القضاء على النمل بعشرةٍ أو عشرين صرصاراً هو
استهانةٌ بإيجاد الحلول الناجعة للمشكلة، وبالتالي بمصير الشعب (وفي هذا إشارةٌ
إلى ضخامة الجيوش العربيّة غير المنظّمة وغير القابلة للحشد كوِحدةٍ واحدة مقابل جيش
العدو الإسرائيلي الأقل حجماً والأكثر تنظيماً وتدريباً)، ويدخل ضمن هذا الإطار ،
عدم اختصاص الوزير في تدريب الصراصير، وعلاقة العالِم بحل مشكلتها، كما ترمز صعوبة
إيجاد قطعةٍ من الطماطم إلى الحالة الاقتصاديّة المزرية التي يعيشها الشعب العربي
في ظل الحكومات الدكتاتوريّة، وحتى وإن رُفَعَت بعض المعاناة عن كاهل هذا الشعب
فهو لا يمنح ثقته الكاملة لحكوماته لمعرفته أن هذا لن يدوم طويلاً، أمّا وقوع
كوارث باجتماع بضعة صراصير كحركة الجبال وهطول الامطار المبيدة فترمز إلى هزيمة
الشعب العربي أمام قوّة وجبروت عدوّه الإسرائيلي الذي تساعده "أمريكا"،
ولكن اعتبار الصراصير نفسها أكثر رُقيّاً من النمل لأنها تقوم بتحديد النسل فالمسألة
معكوسةٌ تماماً في الواقع العربي فالعدو الإسرائيلي هو الذي يسير على هذا النهج في
حين أن الشعب العربي ولّادٌ بالفِطرة، لذلك فإن الرُقي يتمثّل في "إسرائيل"
والتخلّف يتمثّل في العرب.
وإذا كان من تغيُّرٍ
ما قد طرأ على شخصيّتيْ "عادل" والملك، فقد اقترن هذا التغيُّر لتقاطع
دوافعهما، مقترناً الأوّل بدافع الظلم، والثاني بدافع حب الاستطلاع، لذلك فقد اتسم
دافع "عادل" بالتمرّد على زوجته بعدم الخروج من الحمّام لمراقبة الصرصار
وهو يحتضر، وكان دافع الملك هو الكفاح الذي لا أمل فيه، أي ارتبط دافع "عادل"
بدافع الصرصار ، ووقع تحت تأثيره، وبشكلٍ أوضح فقد انتقل الاثنان من حالة الضعف إلى
القوة، ومن حالة الدفاع عن النفس إلى حالة الهجوم على الآخر، ولكن لم يحدث هذا
التغُّير في وقته المناسب بل جاء في وقتٍ متأخِّر، ولم يعُد أيّاً من الحلول يجدي
نفعاً فبلغ اليأس ذروته، تماماً كما هو الحال بعد خسارة الشعب العربي حربه مع
العدو حين زاد اليأس بين العرب، وكما لم يعُد أمام "عادل" سوى حلٍ واحدٍ
وهو انتحال شخصيّة الصرصار أو بالأحرى أن يستسلم ويصبح صرصاراً كالصرصار المللك
الذي أُزيل من الوجود فلم يعُد أمام العرب (إذا لم يُصلِحوا من أنفسهم ويبتعدوا عن
منطق وتصرّفات الصراصير) سوى أن يزالوا من الوجود على أساس أن البقاء للأكثر قوّةً
والأكبر تنظيماً والأفضل عملاً.