صورة واحد امتحاناتي
الجمعـة:
قضيْتُ اليوْم كلّه أحاول
وضع أسئلة الامتحانات في اللغـة العربية وانتهتْ محاولاتي بتمزيق كُل الأسئلة بعد
أن اكتشفتُ أنها سهلةٌ ومفهومةٌ ويمكن للطلبة الإجابة عليها.
السبت:
اتصل بي صديقي الأستاذ
"الدندراوي" .. قال لي أنه لا يجد أسئلةً صعبةً في مادة التاريخ .. بعد
مناقشةٍ طويلة اتفقنا على الاجتمـاع في بيْت صديقنا الأستاذ أبو عقدة" إذ أننا - نحن الثلاثة - نؤمن بمذهب امتحاني
واحد لا تؤمن به الاغلبيّة العظمى من الأساتذة واضعي الامتحانات .. مذهبنا أن يكون
الامتحـان تعجيزاً وأن تكون الأسئلة ألغـازاً وإلّا فكيف يمكن لنا أن نكشف عن قدرات
الطالب الخارقة ومعجزاته؟ .. إن الأسئلة الواضحة السهلة ذات الإجابات الموجودة في
الكُتُب تدل على جهـل الممتحِن وتفاهته وقِلّة معلوماته العلميّة .. ثم ما فائدة
الامتحانات بالذِمّة ولماذا نُنفِق من أجلهـا كل هـذه الفلوس إذا لم يكن الهدف
منها هو تطهير العِلْم من الطلبة الحمير الذين لا يستطيعون الإجابة على إسئلتنا
الرفيعة؟
الأحـد:
اجتمعنا في بيت
الأستاذ "أبو عقدة" استقر الرأي في بداية الاجتماع على أن يعرض كلٌ منّا
الأسئلة التي وضعها في مادته حتى نتبادل الآراء لنتلافى سهولة أي سؤال.
بدأتُ بعرض أسئلتي ..
أمسكتُ الورقة وقرأتُ الامتحان الذي وضعتُه للّغة العربية:
- أولاً: الإنشاء: أكتب في أحد الموْضوعيْن
الآتييْن:
1-
العتدريس وأثره في الحضارة الإنسانيّة.
2-
تجعلق الخرطاف يوْماً فتشـوْشـن في أكمةٍ حتّى سالتْ دماؤه. أكتب موضوعا على
لسانه الذرب.
عند هذا الحد من
قراءتي للأسئلة مطَّ الأستاذ "أبو عقـدة" شفتيْه في استياءٍ قائلاً:
- "العتدريس" دي مفهومة قوي.
وعلّق "الدندراوي"
في قرف:
- وموضوع الإنشاء الثاني فيه عبارة
واضحة جداً وهي "حتّى سالت دماؤه" .. كل طالب ح يفهم معناها.
استمرّتْ المناقشة
بيْننا وانتهتْ بأن انتحيْتُ جانباً لأعيــد صياغة السؤال .. ثم عُدتُ أقرأ لهما
تعديل الأسئلة بعد تصعيبها الشديد:
- اكتب في أحد الموضوعيْن الآتييْن:
1 - الإقلائظ وأثره في الحضارة الإنسانيّة.....
فقاطعني الأستاذ "أبو
عقدة" بقوْله:
- "الإقلائظ" دي متهيأ لي
تتفهِم قوي وعبارة "وأثره في الحضارة الإنسانيّة" برضه معناها واضح جداً.
وأيّد "الدندراوي"
رأی "أبو عقدة" فانتحيْتُ جانباً لزيادة تصعيب السؤال وعُدتُ أقرأ لهما:
- اكتب في أحد الموضوعيْن الآتييْن:
1 - الإقلائظ ورموحه المشمول في
حضارة الانسان.
صاح "أبو عقدة":
- كده عال.
فواصلتُ القراءة:
2
- تجعلق الخرطاف يوْماً فشوْشن في جـردابةٍ حتّى تبعرط بعرطةً شديدة. اكتب
موضوعا على لسانه الذرب.
وهنا سأل "أبو
عقدة" الأستاذ "الدندراوي":
- فاهِم حاجـة من الكلام ده؟
قال "الدندراوي":
- أبداً.
وهنا أعلن "أبو
عقدة" رضاءه عن أسئلة الإنشاء .. فواصلتُ قراءة الأسئلة بيْن استحسان "أبو
عقدة" و"الدندراوي" حتّى وصلتُ إلى السؤال الذي أقول فيه:
- اشرح معنى هذيْن البيْتيْن وأعرِبهما:
ومنجارٌ يكلكلُ بالبردعِ الخافقاتِ
يُهفتِعُ بالكئيمِ كركـودَ الكِلاتِ
كأنَّ القوكَ فوقَهُ وهَنان الشـرى
يُهنجِرُ في الدُجى مَرنونَ الفُـتاتِ
عندئذٍ صمّم الأستاذ
"أبو عقدة" على أن هذيْن البيْتيْن في منتهى الوضوح والسهولة لدرجة أنه
فهمهما ببساطة .. فطلبت منه شرح المعنى فقال كلاماً كثيراً سألني بعده:
- مش ده المعنى المقصود؟
فأقسمتُ له أنني لا
أعرف أي معنىً لهذيْن البيْتيْن لأنني نقلتهما من قصيدةٍ لشاعرٍ جاهلي اسمه "الضيْرنس"
.. وهنا اقترح "الدندراوي" أن اطلب من الطالب في السؤال
كتابة باقي القصيدة .. فلمّا قلتُ له أنها غير مقرّرةٍ عليهم في النصوص ولم يسمعوا
أبداً عن شاعرٍ جاهلي اسمه "الضيْرنس" صاح "أبو عقدة":
- هوَّ ده يبقى التعجيز اللي على أصـله يا أستاذ .. اكتب السؤال
زي ما قال "الدندراوي".
عندئذٍ عدّلتُ السؤال طالباً من الطالب إكمال
القصيدة.
بعد ذلك بدأ "الدندراوي" يعرض
علينا الأسئلة التي وضـعها لمادة "التاريخ" .. قال أنه توخّى أن تكون
أسئلته أسئلة ذكاءٍ صعبة لا أسئلة أوْلاد صمّامين حمير .. ثم قرأ من ورقةٍ في يده:
- أجب عن كلٍ من (أ) و (ب) في السؤال التالي:
-
(أ) اشرح معنى كلمة
"نابوليون" فيما لا يقل عن خمسين سطراً.....
صاح "أبو عقدة":
- خلّيهم ۱۲۰ سطراً.
ثم هزَّ رأسه متشكِّكاً في صعوبة السؤال
معلناً أنه من المُحتمل جداً أن يجيب عليـه عددٌ كبيرٌ من الطلبة .. وانتهت
المناقشة بتعديل الفقرة (أ) من السؤال كالتالي:
- (أ) اشرح
معنى كلمة "نابوليون" فيما لا يقل عن ٢٠٠ سطرٍ بحيث يكون عدد كلمات
السطر الواحد 11 كلمةً ونصف كلمة.
ثم بدأ "الدندراوي" يقرأ الفقرة
(ب):
- (ب) الازدواج التاريخي في سياسة "بسمارك" يؤدّي إلى
الاتساع التاريخي مع بعض التباعد في الأبعاد المتقاربة أو المتوازية أو المتقاطعة
أو ذات الزوايا الحادة. اشرح معنى هذه العبارة شرحاً وافياً.
قال الأستاذ "أبو عقدة":
- أنا عندي فكرة أحسن للسؤال ده.
ثم أمسك بالقلم والورق لفترةٍ قرأ علينا
بعدها هذا التعديل:
- (ب) إذا افترضنا أن سياسة "بسمارك" هي عبارة عن
المثلث متسـاوي الأضلاع (أ ب جـ)، بداخـله دائرةٌ محيطها ٢٥ سنتيمتراً تمثّل
الازدواج التاريخي، مُدَّ بداخلها الوتر (د هـ) الذي يمثّل الاتساع التاريخي، ثم
الوتر (ن و) الذي يمثّل الامبراطور "غليوم"، فاثبت أن التباعُد التاريخي
في سياسة "بسمارك" = الزاوية (ب جـ أ) – ۱/۲ ط نق تربیع – مربّع مساحة الدائرة X (ن و )+ (د هـ).
"ملحوظة": محظورٌ
على الطالب استعمال البَرجل أو المنقلة أو المسطرة أو القلم الرصاص أو رسم أی رسم
في هامش ورقة الإجابة أو على النشّافة وإلّا يُعَد امتحانه لاغياً.
عندما انتهى الأستاذ "أبو عقدة" من
قراءة السؤال قام الأستاذ "الدندراوي" واحتضنه بشِدّة ثم باسـه في الخديْن
.. كما قمتُ أنا وهنّأته بحرارةٍ على وَضْع هذا السؤال الرائع .. وبعد ذلك استأذن
الأستاذ الكبير "أبو عقدة" في تأجيل الاجتماع إلى يومٍ آخر للنظر في
بقيـّة الأسئلة إذ أنه مشغولٌ بترتيب وإعداد الأسئلة في الامتحان الشفوي بالمعهد
الذي يدرّس فيه .. ثم دعاني مع الأستاذ "الدندراوي" لحضور لجنـة الشفوي
غداً بالمعهد حتّى نأخذ فكرةً عن أصول الأسئلة الامتحانيّة.
الثلاثاء:
ذهبتُ مع "الدندراوي" إلى المعهد
.. ولكن قبل أن نذهب إلى القاعة التي يُعقَد فيها الامتحان حـدث شيءٌ مؤسف .. إذ
سمعنا في الممر أستاذاً بالمعهد لا نعرفه يتحـدّث إلى أستاذٍ آخر حديثاً سخيفاً عن
الأستاذ "أبو عقدة" .. فقال عنه أنه رجلٌ مصابٌ بالساديّة وحب القسوة
الشديدة على الآخرين وأن هوايته في أوقات الفراغ هي أن يضرب أوْلاده ضرباً أليماً
فإذا لم يجـدهم في البيْت أمسك بذيل القطّة ليدير بها ذراعه في الهواء فإذا لم
يجـد القطّـة وقف في النافذة يضرب النـاس بالنِبلة .. وقال ذلك الأستاذ الذي لا
نعرفه أن الأستاذ "أبو عقدة" حلف يميناً بالله العظيم أن يُطهِّر العلم
من طُلّابه الحمير .. مضيْنا إلى القاعة دون أن نناقش هـذا الأستاذ الجاهل فيما
قاله احتقاراً مِنّا لشأنه.
وفي قاعة الامتحـان الشفوي استقبلنا الأستاذ "أبو
عقدة" بترحابٍ كبير .. وأجلسنا في جانبٍ من القاعة .. ثم عاد ليرأس لجنة
الشفوي وهو يقول للساعي:
-
نادي لي الطالب "أحمد
الغلبان".
وما أن ردّد الساعي اسم الطالب على الباب حتى
هبَّ الأستاذ "أبو عقدة" تاركاً مكانه متّجهاً نحو البـاب .. وفوجئنا به
يسـأل الطالب الذي اجتاز الباب:
-
إنتَ "أحمد
أحمد الغلبان"؟
وأمام هذا الرجل ذي الهيْبة العظيمة وقفتْ الكلمات
في حلق الولد وهو يرتجف واكتفى بهَز رأسه .. وهنا عاجله الأستاذ "أبو عقدة"
بقلمٍ شديدٍ من يده اليُمنى على وجهه ثم لحقها بصفعة شمال أقوى من الأخرى ثم راح
يضربه بالشلاليت .. ووقع الولد على الأرض فراح الأستاذ "أبو عقدة" يركله
بعنف قائلاً:
-
قوم یا جاهل يا ابن
الجاهل.
فنهض الولد مرتجفـاً وهو يدفن رأسـه بيْن
ذراعيـْه بينما الأستاذ "أبو عقدة" يصرخ فيه:
-
إنتَ "أحمد أحمد
الغلبان"؟
قال الولد بصعوبة:
-
نعم.
وهنا لكمه الأستاذ لكمةً شديدةً وهو يصيح:
-
إنتَ متأكّد إن إجابتك
دى صَح؟
وجاوبه الطالب مرّةً أخرى:
-
نعم.
وعندئذً ثار الأستاذ "أبو عقدة"
وهو يقول:
-
إسفوخس على شكلك يا
جاهل .. إزّاي یا حیوان تعرف إجابة سؤال باسألهولك؟!!! .. إنتَ "أحمد أحمد
الغلبان"؟
فأجاب الولد بنعم وهو يُقسِم بالله العظيم .ّ
ثوْرة الأستاذ "أبو عقدة" وصاح فيه:
-
وكمان بتحلف يا جاهل.
ثم ضربه شلوتاً قويّاً وهو يصرخ:
-
برّه .. برّه .. صِفر
.. ساقِط .. برّه.
وأسرع الولد يجري خارجاً بيْنما الأستاذ "أبو
عقدة" يضرب كفّاً بكف وهو يتعجّب كيف يجاوب الولد بسهولة على سؤالٍ له .. هل
هان مسـتوى أسئلته إلى هذا الحد؟ .. وشخط الأستاذ "أبو عقدة" في الساعي:
-
نادي لي على الطالب "أحمد
أحمد المرحوم".
وعندما دخل الولد تكرّر نفس المشهد إذ
استقبله الإسـتاذ بالسؤال الأوّل:
-
إنتَ "أحمد
أحمد المرحوم"؟
وما أن أجاب بنعم حتّى حدث له ما حدث لـ"أحمد
أحمد الغلبان" .. وانتهى الأمر بطرده وإعطائه صفراً بينْما الأستاذ "أبو
عقدة" يصيح:
-
واللهِ مسخرة ..
هَزُلَتْ .. عِشت وشُفت طلبـة حمير يجاوبوا على سؤال ليَّ بنعم .. أنا ماحدِّش يعرف
يجاوب على أسئلتي .. أنا أسئلتي لها مستوى .. أسئلة ذكاء لا يمكن حَد يجاوب عليها ..
نادي لي ع اللي بعده "أحمد أحمد الناصح" .. واللهِ عال وآدی واحد عامل لي
ناصـح.
دخل الولد - ويبدو أنه عرف من زميليْه السابقان
ما حدث لهما - فاستقبله الأستاذ "أبو عقدة" من الباب سائلاً إيّاه:
-
انت "أحمد أحمد
الناصح"؟
قال الولد بخُبثٍ شديد:
-
ده سؤال صعب يا فندم
.. واللهِ مش عارف.
وهنا انفرجتْ أسارير الأستاذ "أبو عقدة"
ونظر إلينا وإلى زميليْه في اللجنة وهو يقول:
-
مش باقول لكم إن
أسئلتي لا يمكن تكون سهلة أبداً.
ثم ضرب الولد على قفاه بشِدّة قائلاً:
-
تعالى امتحن یا جاهل
.. تعالى جاتكوا القرف.
فجلس الولد أمام اللجنة فسأله الأستاذ "أبو
عقدة":
-
قول لي يا "أبو
جهل" .. إنت اسمك إيه؟
رد الطالب عليه وقد بدا عليه أنه وعى درس
زميليْه جيّداً:
-
ده سؤال عويص يا فندم
.. إدّینی فرصة لسؤال تاني.
وضحك الأستاذ "أبو عقـدة" في فخر لأن
الولد عجز عن الرد وعاد يسأله:
-
إنتَ طالب هنا ف
المعهد؟
-
ممكن أفكّر في
السؤال شويّة يا فندم؟
-
فکّر یا جاهل.
-
طب ممكن السؤال ده
تاني؟
-
إنتَ طالب هنا ف
المعهد؟
-
مش عارف الاجابة ..
ممكن فرصة كمان؟
-
قوم يا جاهل .. صِفر.
كان شيْئاً ممتعاً أن نشهد أنا و"الدندراوي"
رسوب مائة وخمسين طالباً بلغ مجموع درجاتهم مائة وخمسين صفراً.
الجمعـة:
في البيت مع الأستاذ الكبير "أبو عقدة"
لمراجعـة بقيـة أسئلة التاريخ التي وضعها "الدندراوي" .. رفض الأستاذ "أبو
عقـدة" سؤالاً يقـول:
-
اكتب بالتفصيل تاريخ
العالم منذ خلق "آدم" و"حواء" حتّى قيام حرب "فيتنام".
قال الأستاذ "أبو عقدة" أنه سؤالٌ سهل
ممكن الإجابة عليه .. وكتب بدلاً منه سؤالاً يقول:
-
أجب عن السؤال
التالي: كان المفروض أن يكون هنا سؤالٌ في التاريخ ولكن الممتحن عدل عن كتابته في ورقة
الأسئلة. اذكر ما هو هذا السؤال وأجب عليه بالتفصيل.
احتضن "الدندراوي" الأستاذ "أبو
عقدة" بشِدّة على هذا السـؤال الرائع.
الجمعـة:
الحمد لله .. لم ينجح أحد .. لا في اللغة العربيـّة ولا في التاريخ .. أقمنا حفلةً بهيجةً بهذه المناسبة السعيدة عند الأستاذ "الدندراوي".