الفصل الثاني (4)
سامية: هو مَن؟ ..
عادل: الصرصار ..
سامية: لا .. أنت مؤكّد جُنِنت! ..
(جرس التليفون يرن فتهرع إليه
"سامية" وترفع السماعة.....)
سامية: ألو .. مَن يا افندم؟ .. آه .. صباح
الخير يا أستاذ "رأفت" .. لا .. لم نلبس بعد، ولم نفطر ولم نفعل شيئاً
من الصُبح .. لا أنا ولا هو .. كلّمك؟ .. آه هو الذي كان طلبك في التليفون ..
لاحظت عليه فعلاً .. غير طبیعي .. مريض .. نعم .. في الحمّام .. لا .. هو حابس
نفسه .. الصرصار يا سيدي .. نعم .. صرصارٌ عادي .. لا لا .. هذه حكايةٌ طويلة ..
نعم .. عندما نتقابل .. هو؟ .. لا أظنه ينوي الذهاب إلى الشُغل .. أنا نفسي تأخّرت
.. قطعاً حصل له شيء .. لا .. لا تشغِل بالك .. طبيب الشركة؟ .. وماذا يستطيع أن
يعمل له طبيب الشركة .. أنا متشكِّرة يا أستاذ "رأفت" .. أين "يسريّة"؟
.. صباح الخير يا "يسريّة" .. زوجِك لاحظ وقال لكِ .. لا .. لا تشغِلي
بالِك يا "يسريّة" .. أنا متشكِّرة جداً لكِ وللأستاذ "رأفت"
.. متشكِّرة .. متشكِّرة .. (تضع السماعة .....)
(الطبّاخة تدخل تحمل إناء اللبن .....)
الطبّاخة: مَن الذي وضع اللبن فوق النار
وتركه؟ .. اللبن فار وفاض على الأرض .. وها هو الأبريق فارغ ..
سامية (تشير إلى الحمّام): حضرته ..
الطبّاخة: وما دَخْله في شُغل المطبخ؟! ..
سامية: وأنتِ لماذا تأخّرتِ اليوْم؟ ..
الطبّاخة: المواصلات ..
سامية: زحمة .. لا موضع لقدم .. أليس كذلك؟ ..
الطبّاخة: تمام ..
سامية: أنا فاهمة العُذر .. مفهوم مقدماً ..
الطبّاخة: أجهِّز الفطور؟ ..
سامية: فطور؟! .. انتظري حتى نرى آخرتها .. (وتشير
إلى الحمّام .....)
الطبّاخة (ناظرةً إلى الحمّام): هوَّ .....
سامية: نعم جوّه .. وحابس نفسه ..
الطبّاخة: لماذا؟ .. كفى الله الشر! ..
سامية: الصرصار ..
الطبّاخة: صرصار؟! ..
سامية: اسمعي يا "أم عطيّة" .. هل
نظّفتِ أمس الحمّام جيّداً؟ ..
الطبّاخة: طبعاً يا سِت .. بحمض الفنيك ..
سامية: مستحيل ..
الطبّاخة: الزجاجة قُرْب المطبخ ..
سامية: أنت متأكّدة؟ ..
الطبّاخة: وحياة السِت الطاهرة ..
سامية: من أين جاءنا إذن هذا الصرصار الملعون؟
..
الطبّاخة: من المنور .. من السلم .. من
المواسير .. من الشقوق .. لا الصراصير ولا النمل يخلو منها بيتٌ من البيوت .. مهما
نظّفنا ..
(طول هذا الوقت و"عادل" في الحمّام
منهمكٌ في مراقبة الصرصار في الحوْض، مشيراً بيديْه له متتبّعاً حركة تسلّقه
وسقوطه، مُبدياً بالإيماءات والتنهدات والتمثيل الصامت كل انفعالاته واهتماماته .....)
سامية (صائحةً فجأة): أُف .. وأخيراً أعصابي
يا ناس .. أعصابي! ..
الطبّاخة: أُحضِر لكِ فنجان شاي؟ ..
سامية: لا .. اذهبي أنتِ لعملِك .. ودعيني
الآن ..
الطبّاخة: المبيد قُرْب المطبخ ياسِت، أُحضِره
و .....
سامية: أنا عارفة أن مبيد الحشرات قُرْب
المطبخ .. لكن المسألة أن ..... اذهبى أنتِ يا "أم عطيّة" واتركيني ..
أنا أعرف شُغلي ..
الطبّاخة: أمرِك يا سِت .. (وتخرج.....)
سامية (تتّجه إلى الحمّام وتدق بابه): اسمع
يا "عادل" .. أريد أن أقول لك كلمتيْن .. أنت سامع؟ ..
عادل (دون أن يتحرّك أو يترك المراقبة): سامع
..
سامية: أظن الحكاية طالت وزادت ..
عادل (بطريقةٍ آليّةٍ كالصدى): زادت! ..
سامية: والصبر له حدود ..
عادل: حدود ..
سامية: وأعصابي تحطّمت ..
عادل: تحطّمت ..
سامية: وتصرُّفك سخيف ..
عادل: سخيف ..
سامية (صائحةً): هذا شيءٌ لا يُحتمَل .. ألا
ترد عليَّ .. رُد بأي شيء .. رُد .. رُد .. رُد ..
عادل: رُد .. رُد .. رُد ..
سامية (تاركةً باب الحمّام يائسةً): لا فائدة
.. لم تعد فائدة من الكلام مع هذا المخلوق! .. يكرِّر الآن ألفاظي كالببغاء ..
أصبح الآن في الحمّام صرصارٌ وببغاء! ..
الطبّاخة (تدخل): يا سِت .. أنتم تأخّرتم
اليوْم عن ميعادكم ..
سامية: طبعاً ..
الطبّاخة: اليوم أجازة؟ ..
سامية: لا أجازة ولا حاجة .. اليوْم شُغلٌ
كالعادة ..
الطبّاخة: طيب .. لكن؟ ..
سامية: لكن ماذا؟ .. حضرته حابس نفسه في الحمّام
ولا يرد أن يفتح .. ولا يريد أن يرد .. يئِست من الكلام والدق .. غلبت معه بدون
فائدة .. لا توجد طريقة للاتصال به ..
الطبّاخة: ما دام قفل على نفسه بالتِرباس ..
سامية: لا توجد غير طريقةٍ واحدة ..
الطبّاخة: نجرّبها ..
سامية: أتعرفين ما هيَ؟ ..
الطبّاخة: لا ..
سامية: كَسْر الباب
الطبّاخة: كَسْر باب الحمّام؟! ..
سامية: نعم ..
الطبّاخة: ومَن الذي يكسره؟ ..
سامية: ألا يمكنِك أنتِ؟ ..
الطبّاخة: أنا؟! ..
سامية: فعلاً .. صعبٌ عليكِ ..
الطبّاخة: الباب جامد محتاج لنجّار ..
سامية: انزلي وأحضِري أي نجّار ..
الطبّاخة: لا يوجد نجّارٌ قريبٌ من الناحية ..
سامية: والعمل؟ ..
الطبّاخة: أمرنا لله .. نتركه لحين أن يسأم
ويفتح من تِلقاء نفسه ..
سامية: إنه لن يسأم .. طالما هذا الملعون على
قيْد الحياة ..
الطبّاخة: لكنه لا بد له من الخروج ليلحق شُغله
سامية: سينسى الشغل أو يتناساه .. إني أعرفه
.. إنه أحياناً ينسى نفسه .. إنه في أحيانٍ كثيرة لا يستطيع السيطرة على نفسه ..
ولا على وقته ..
الطبّاخة: وشُغلِك أنتِ يا سِت؟ ..
سامية: هنا المشكلة .. لا أستطيع الذهاب
بدونه .. لأنهم سيسألونني عنه .. ماذا أقول لهم؟ .. أقول إنه تخلّف عن العمل لانشغاله
بالفُرجة على صرصار في حوض الحمّام؟! ..
الطباخة: قولي إنه تعبان .. عنده توعُّك ..
سامية: سيرسلون إليه فوراً طبيب الشركة ..
الطبّاخة: يحضر .. أهلاً وسهلاً ..
سامية: وإذا كشف عليه ولم يجِد عنده أي توعُّك؟!
..
الطبّاخة: حقّاً ..
سامية: إنه دائماً يعرّضني معه إلى مثل هذه
المحرِجات .. ولوْلا إني دائماً بجواره، أنقذه وأقوده لوقع في أخطـاءٍ كثيرة ..
الطبّاخة: ربنا يحميكِ ويقويكِ! ..
سامية: إنه دائماً يطيعني .. ولا يخالفني
أبداً ..
الطباخة: هذا شيءٌ على يدي ..
سامية: ما الذي جرى له هذا الصباح؟! .. أقول
له افتح .. افتح .. افتح .. لكنه أذنٌ من طين وأذنٌ من عجين! ..
الطبّاخة: طول عمره يسمع كلامِك! ..
سامية: إلّا اليوْم .. لا أعرف ماذا حصل له؟!
..
الطبّاخة: عينٌ وصابت! ..
سامية: وآخرتها؟! ..
الطبّاخة: اصبري یا سِت .. الصبر طيّب! ..
سامية: صبري نفد .. انتهى .. فرغ .. الصبر
فرغ! ..
الطبّاخة (ناظرةً جهة الحمّام): لكن يعني ..
كل هذه فُرجةٌ على صرصار؟! ..
سامية: ألا تصدّقين؟ ..
الطبّاخة: واللهِ يا سِت لوْلا كلامِك المصَدَّق
عندي ما كان دخل عقلي هذا الكلام ..
سامية: طبعاً .. هذا لا يمكن أن يحدث من
إنسانٍ طبيعي! ..
الطبّاخة: أكلّمه أنا ياسِت؟ ..
سامية: أنتِ؟! ..
الطبّاخة: أجرِّب؟! ..
سامية: جرّبي! ..
(الطبّاخة تدق باب الحمّام .. بينما "عادل"
في مراقبته للحوْض لا يتحرّك .....)
الطبّاخة (تدق مرّةً ثانية، ثم مرّةً أخرى،
وأخيراً تصيح): أنا "أم عطية" ..
عادل (يرفع رأسه): "أم عطية"؟! ..
ماذا تريدين؟ ..
الطبّاخة: أمسح بلاط الحمّام ..
عادل: ممنوع ..
الطبّاخة: ممنوع؟! ..
عادل: ممنوع المسح اليوم ..
الطبّاخة: أحضر قطعة صابونٍ جديدة أضعهـا على
الحوْض الكبير ..
عادل: موجودٌ هنا الصابون ..
الطبّاخة: وبشكيرٌ جديد؟ ..
عادل: موجود .. كله موجود ..
الطبّاخة: ألا تحتاج لشيء؟ ..