المعاني الاستراتيجيّة لأغنية "بعد سبعين سنة"
بعد سماعي لأغنية "بعد سبعين سنة" لمحمد عبد الوهاب (والتي غنّاها في 1952 بمناسبة طرد الاستعمار بعد حوالي سبعين عاماً من الاحتلال البريطاني لمصر) ثارت في نفسي عدّة تساؤلات بمناسبة مرور حوالي سبعين عاماً أخرى على إطلاق هذه الأغنية:
- يقول الشاعر مؤلّف كلمات الأغنية:
"يا مصر تم الهَنا بهمّة الأحرار .. وبعد سبعين سنة الليل طلع له نهار"
.. وهل يقصد الشاعر "حركة الضبّاط الأحرار" الذين بفضلهم طبعاً يتم
الهَنا ويتحقّق المُنى رغماً عن أنوفنا جميعاً؟ .. وهل انبلج النهار فعلاً بعد طول
حلكةٍ وظُلمة؟
- يقول الشاعر: "ياما صبرنا سنين ياما" .. وهل انتهت سنوات الصبر العجاف وبدأنا في حصد ثمار الصبر المُرّ ونعمنا بالسنوات السمان الموعودة؟ .. هل عبرنا عنق الزجاجة المزعومة في كل عهد وتحرّرنا إلى زمن الرخاء أم رقدنا وركدنا في قاع تلك الزجاجة بلا حراك؟
- يقول الشاعر: "بقى لنا ده الوقت
كرامة" .. وهل شهدنا بالفعل عصر الحريّات دون المساس بعزّة نفس وشرف المواطن
العادي؟ .. وهل كرامة الفلاح أو العامل أو الطبيب أو المهندس أو المحامي أو
المعلّم تساوي كرامة القاضي أو الضابط أو أمين الشرطة أو عضو البرلمان أو أي صاحب
مالٍ ذي نفوذ؟
- يقول الشاعر: "كان الفساد من
حوالينا" .. وهل انتحر الفساد بعد أن عاش وعشّش طويلاً بأرضنا؟ .. وهل مات
الباشوات والبكوات أم تمّ إحياؤهم من جديد فعاثوا فساداً وإفساداً بطول البلاد
وعرضها؟
- يقول الشاعر: "قوّة الدنيا
شبابها" .. وهل آمن حكّامنا بتلك المقولة فمكّنوا الشباب من القبض على مقاليد
السلطة في كل مؤسسات الدولة ومفاصلها أم ألقوا القبض على هؤلاء الشباب في كل عصر
وغيّبوهم في غياهب السجون والمعتقلات حتى ثابوا إلى ما يريده السجّان وكفروا بوطنهم
ففقدوا انتماءهم وصار جل حلمهم أن يهاجروا بعيداً ليفرّوا من هذا المستنقع السحيق؟
عزيزي القارئ:
أنا لا أحكم على أحد ولا أدين
أحداً ولذلك فلن أجيب على تلك التساؤلات وسأتركها لك لتجيب عليها أنت بما تراه
ولكن بصدقٍ وضمير دون خداعٍ للنفس .. وتذكّر دائماً أن كوريا الجنوبية وإندونيسيا
قد حصلتا على استقلالهما قبل مصر بسبع سنوات فقط والهند قبلها بخمس سنوات فقط أما
ماليزيا فبعد مصر بخمس سنوات وسنغافورة بعدها بثلاثة عشر عاماً .. فحاول أن تقارن
وتكتشف بنفسك أسباب الفروق الشاسعة بين حالنا وحالهم .. عسى أن تمضي السبعون عاماً
القادمة دون أن يسمع أحفادنا تلك الأغنية (التي سمعتُها أنا بعد أبي وجدي اللذيْن ماتا
كمداً دون أن يجدَّ جديد) فتتقافز أمام عيونهم ومخيّلتهم نفس تلك التساؤلات الكئيبة.