صورة واحد متعصب كروي
الجمعــة:
مشجعو نادينا لا يفهمون في أصول التشجيع الكُروي
.. يجلسون في المباريات مكتفين بالانفعال وبس .. هذه منتهى المسخرة .. لذلك قرّرتُ
تكوين رابطة مشجّعين أصـوليّة مكوّنةً مني ومن "عبـده جاعورة" و"فهمي
بيبس" و"عزّوز شيلوا الرِف" و"حنفي النشـانجي" و"محمود
الشُضَلي" .. واتفقنا على أن نشجّع نادينا المحبوب التشجيع الأصولي المجدع.
وبدأنا نشاطنا في مباراة اليوم عندما دخلت
الكرة في شبكتنا وكأنها رقبـة قِزازة بيبس تغرس في قلوبنا .. هنا صرخ "عبده
جاعورة":
-
يــي .. يــي ..
يــي.
قاصداً الاستهزاء
بالواد الفِرْوِد اللي حط الجون .. الله يخرب بيته .. وقد ردّدنا وراء "عبده
جاعورة" هذا الهتاف الاستهزائي الذي لم يشاركنا فيه مشجعو نادينا الباردين ..
ثم تسلّق "عزّوز" أكتافنا وراح يهتف:
-
شيلوا الرِف .. شيلوا
الرِف.
قاصداً استبعاد
الحَكَم من إدارة المباراة .. ثم أخـذ "محمود الشُضَلي" مكانه فوْق أكتافنا
ليشير على الولد الفِرْوِد مرّة وعلى الرِف (الحَكَم) مرّةً أخرى مردِّداً:
-
العبيط أهه العبيط
اهه.
كُل هذا ومشجّعو نادينا ساكتين كأن على
قلوبهم مراوح .. فكان لابد من اتخاذ إجراءٍ سريع .. وفعلاً بحث "حنفی النشانجي"
عن طوبةٍ سمينة نشّنها في دماغ الرِف الموالِس الذي كان يمكن أن يحسب الكورة
أوفسايد أو أوت أو أي حاجة .. ووقف "فهمی بيبس" يصيح كالمجنون:
-
ناولوني واحدة كبيرة
ولذيذة.
فناوله "عبده جاعورة" زجاجة "كوكا
كولا" من أرض المدرّج فاشتد هياجه وهو يصيح:
-
قلنا كبيرة ولذيذة
موش "كاكولا" خللینی افتح قرنه.
وعندئذٍ لمح مشجّعو نادينا الصامتين زجاجة
الكازوزة في يد "جاعورة" فتسلل أحدهم ليهدِّئنا قائلاً في فلسفةٍ كدّابة:
-
يا جماعة عيب كده ..
الرياضة غالب ومغلوب.
فزغده "عزّوز شيلوا الرِف" قائلاً:
-
إنتَ باين عليك
زمالكاوي لِـمِض.
فأقسم الرجل على أنه أهلاوي وراح يردّد أن
الرياضة - قال إيه - غالب ومغلوب .. فرد عليه "حنفي النشانجي" مع زغدةٍ
شديدة:
-
إحنا ما نتغلبش يا حِدِق.
وبرغم ذلك وقف الرجل أبو دم بارد يُلقي علينا
محاضرة فارغة عن حاجة اسمها الروح الرياضيّة .. وهنا أعجبني "محمود الشُضَلي"
الذي قال له مع زغدةٍ في بطنه:
-
إنتَ روحك رياضيّة؟
-
أظن كده.
-
طب ورّینی بقى روحك
الرياضيّة يا روح ماما.
وهجمنا على الرجل وضربناه علقةً محترمة ..
وأخرج "محمود الشُضَلي" مطواةً حامية من جيبه وصمّم على أن يذبح الرجل
ويطلّع روحه ليرى ما هو شكل الروح الرياضيّة التي قرفونا بالحديث عنها .. غير أن
بقيّة مشجّعي نادينا في المدرج راحـوا يهدِّئون من ثوْرتنا حتّى رأينا رجال الشرطة
مُقبلين فهربنا في الهوجة تارکین مشجّع نادينا أبو روح رياضيّة ممدَّداً على الأرض
في انتظار طلوع روحه الرياضيّة.
وعدتُ إلى البيْت وأنا في منتهى الغَم والنكد
.. وما أن فتحتُ باب الشقّة حتى فوجئتُ بمصبيةٍ كبيرة: زوجتي تُغنّي في المطبـخ
"حماده حماده يا سُكّر زيادة" .. طبعاً لا يمكن أن يكون "حماده"
هذا إلّا "حماده" إيّاه والعياذ بالله .. فليس عندي ولد بهذا الاسم حتّى
تغني له زوجتي "حماده حماده" .. فإبنى مكتوب اسمه في شهادة الميلاد "أهلاوي
أبو عوف" أمّا اسم الدلع الذي اناديه به فهـو "صا - لح .. صا - لح"
.. فما معنى أن تغنى زوجتي لـ"حماده إمام" إلّا إذا كان قد ظهرت عليها
أعراض التزملُك .. سلامٌ قوْلاً من ربٍ رحيم .. اندفعتُ نحو المطبخ ودمّي يغلي
ووقفت بالباب والشرر يتطاير من عيْني وسألتها وهي ترتعد:
-
"حماده"
.. هه؟
وما لبثتُ أن عاجلتها بشوطةٍ هائلة تكوّمتْ
بعدها في الكورنر .. ثم هجمتُ عليها أوسعها ضرباً وأنا أُذكّرها بالأغنية الوحيدة
المسموح لها بغنائها وهي: "يا صحابي یا أهلي یا جیراني .. أنا عايز أخدكوا ف
أحضاني" .. ثم أسرعت لأسحب كرسيّيْن من مُدرّج الصـالة وعدتُ إلى المطبخ
بسرعة وصعدتُ فوق الصندرة لأقذفها بالكراسي ثم ظللت أبحث حوْلي عن زجاجةٍ كبيرة
ولذيذة فلم أجـد سـوى عربيّة لِعبة قديمة بزمبلك فقلبتها على ظهرها وأشعلت فيها
النار وناديتُ علی ابني:
-
"صا - لح .. صا
– لح".
وجاء الولد فوْراً فطلبتُ منه أن يجمع لي
حجارة من الشارع لأحدف بها تلك المرأة المتزملِكة التي راح الدم يسيل من رأسها
بلون فانلة أعظم نادي في الكون .. وقد أدرك الولد بنباهةٍ وتعصّب عظيميْن أن أمّه
قد ارتكبت خيانةً كرويةً سودا ولابد أن "تزملكاً" ما قد بدا عليها ..
فنظـر إلى أمّه شذراً وهو يقول لي:
-
تحب افوت على عم "حنفي
النشانجي" ييجي يحدفها بالطوب معاك؟
-
لأ .. إجرى انتَ هات
الطوب حالاً.
وازداد إعجابي بالولد وهو يشير عليَّ باقتراحٍ
مدهش قائلاً:
-
اجيب لك جرايد تولّعها
فوق الصندرة وترميها على ماما لحد ما ارجع بالطوب؟
بسرعة أحضر الولد الجرائد القديمة فأشعلتُها
ورميْتُهــا من مُدرَّج الصندرة واحدةً بعد واحدة وهي تصرخ ولا مغيث بعد أن أقفل
الولد النبيه الباب علينا بالمفتاح .. ولمّا لم أجد ما أفعله حتّى يعود الولد
بالطوب فقد وقفت فوق الصندرة أهتف وأنا أشير إليها:
-
العبيطة أهِه ..
العبيطة أهِه.
ثم أعجبني جداً منظر حريقة الجرايد القديمة
التي كانت تحاول أن تطفئها والدم يسيل من رأسها فرُحتُ أرقص بسعادةٍ وأنا أصيح:
-
بُصي .. شوفي .. أنا
عملت إيه .. بُصي .. شوفي .. أنا عملت إيه.
وفي النهاية باتت زوجتي في المستشفى وبِت أنا
في التخشيبة.
الأربعـاء:
عاد ابني "صا - لح .. صا – لح" من
المدرسة يبكي .. وبسؤاله عن السبب اتضح أنه قال للمدرّس في حصّة المعلومات العامّة
أن الذي اخترع الفنجال هو "الفناجيلي" .. وأن "الروبي" هو
مخترع الروبيّة الهندي وأن "الشربيني" هو الذي أنشأ مدينة "شربين"
.. فثار المدرِّس الزمالكاوي - اللهم احفظنا - على هذه الإجابات الصحيحة وصمّم
الولد على إجاباته فضربه المدرِّس وأحاله إلى ناظر المدرسة .. وأصر الولد الجدع
على هذه الإجابة أمام الناظر الذي قال له:
-
روح هات لي أبوك.
واللهِ عال .. مدارس آخر زمن.
ثم ذهبتُ إلى "حنفي النشانجي"
لنبحث في هذه البلوى السودا .. وفتحتْ لي الباب ابنته الصغيرة "غيدة"
التي قالتْ لي أن والدها غير موجود لأن عنده تمرین فعرفت على الفوْر أن "حنفي"
قد ذهب إلى الخرابة الواقعة خلف البيت ليحدّف المعيز بالطوب تمريناً على النشان
للماتش الجاي .. فذهبت إليه في الخرابة وقضيْنا وقتاً سعيداً في حدف المعيز بالطوب
وأنا أحكى له ما جرى لإبني في المدرسة .. واتفقنا على عمل اللازم.
الجمعـة:
ألف نهار أبيض .. الإسماعيلي غلب الزمالك
تلاتة صفر .. جاری المعلّم "مسعود الحانوتي" مُعتكِف في بيْته يبكي طول
النهار .. واحتفالاً بالمناسبة أقمت حفلة جوزة.
السبت:
أعددنا كميناً مدهشاً لمدرِّس الولد "صا
- لح .. صا - لح" .. إذ نقره "حنفي النشانجي" طوبة في رأسه سقط
بعدها على الأرض .. فجرجره "محمود الشُضَلي" إلى بيت "عزّوز شيلوا
الرِف" .. وهناك أقر المدرّس واعترف بأن الله حق .. وأن "الفناجيلي"
هو مخترع الفنجال وأن "الروبي" هو مخترع الروبيّة وأن "الشربيني"
هو باني "شربين" .. وقد أقر المدرِّس أيضاً - والفضل يرجع لضرب "الشُضَلي"
بشيءٍ جديد لم نكن نعرفه كلنا إذ قال المدرس اللئيم من تلقاء نفسه أن "كنفاني"
هو مخترع الكُنافة.
الأحـد:
قبضتْ الشُرطة اليوْم على المعلّم "مسعود
الحانوتي" واتهمته النيابة بالشروع في قتل المدعو "مخيمر" الذي نُقِل
إلى المستشفى مصاباً
بجراحٍ بالغة .. قال المعلم "مسعود" في التحقيق أن "مخيمر"
استفزّه بعد هزيمة الزمالك من الإسماعيلي إذ وقف تحت نافذته يصيح:
-
إسماعیلي یا سُكّر.
اتّضح أن "مخيمر" كان ينادي على شَمّام.
الإثنيْن:
فصلوا الولد من المدرسة .. كما أرسلتْ الشرطة
شاويشاً لتستدعيني لسؤالي عن ضَرْب المدرِّس ولكنني أنكرت وجودي في البيت حتى أستشير
"حنفى النشانجي" في الموضوع. ذهبتُ إلى "أبو الأحناف" فطمأنني
أن الحق معانا بإذن الله .. لأنه استكتب المدرِّس اعترافاً بخط يده ذكر فيه أن "الروبي"
هو مخترع الروبيّة و"الفناجيلي" هو مخترع الفنجال و"الشربيني"
هو مَن بنى "شربين".
مستورة بإذن الله .