صورة واحد حمار
الأربعاء:
أنا أسعد حمار في الدنيا .. فقد اختارني
المخرج "فهمي الفهّيم" لكي أقوم بدور الحمار بعد أن تحوّل كتاب "توفيق
الحكيم" إلى قصّةٍ سينمائيّة تنتجها المؤسّسة .. بلا شك سأصبح نجماً معروفاً
تملأ صوري الصُحُف والمجلّات بعد أن كنتُ نكرةً وسط حمير المعلّم "عبده الأنتيكة"
.. سيكتبون عني الأخبار الهامّة إذا أصبتُ بمغصٍ أو زکام أو دخلتْ في حـافري شوْكة
.. سيسألونني عن هواياتي وقراءاتي وطبقي المفضَّل وهل هو البرسيم بالمايونيز أو
التبن بالخَلطة .. مجد .. مجد.
السبت:
المخرج يتعذّب من أجلي .. لقد اختارني بعد
متاعبٍ شديدة .. فعندما أراد البحث عن حمارٍ مناسبٍ للقيام بالدور اضطروا بحُكم
اللوائح الروتينيّة إلى الإعلان عن مناقصةٍ تقول:
تعلن المؤسّسة عن
مناقصةٍ لتوْريد حمارٍ مفتخَر تلوح عليه مخايل النجابة والذكاء وذلك للقيام بدور "حمار
الحكيم" في فيـلم "حماری قال لي" .. وتُطلَب العطاءات من مكتب
المدير الإداري نظير دفع مبلغ مائة وخمسين جنيهاً
زائد عشرة جنيْهات ضريبة ملاهي .. وقد تحدّد فتح المظاريف يوم السبت القادم
.. وللمؤسّسة الحق في قبول أو رفض أي عطاءٍ بدون إبداء الأسباب.
وقد كاد العطاء يرسو على المعلّم "زيرو"
الذي عرض حمـاراً ينقص عن ثمني 75 جنيهاً ممّا جعل المخرج يشد شعره ويلطـم خديْه
لأن الحمار نحفان و هفتان وشكله غَم ولا تلوح علیه أی مخايل نباهةٍ أو ملامح ذكاء
ترتفع به إلى المستوى الذي يؤهّله لـكي يكون حماراً فيْلسوفاً .. ونشبتْ خناقةٌ شديدةٌ
بيْن "لجنة المشتريات" وبين المخرج .. إذ تمسّكتْ اللجنـة باللوائح
الماليـّة وتمسّـك المخرج بالنظرة الفنيّة .. اللجنة تتحدّث عن ديوان المحاسبات
وحسابه العسير .. والمخرج يتحدّث عن العمل الفني .. وأخيراً دفع المخرج من جيْبه الخاص
فرق الفلوس للمعلّم "عبده الأنتيكة" حتّى يرسو العطاء عليه بسعرٍ أقل
فيأخذوني أنا.
واليوْم حصلتْ مشكلة: سأموت من الجوع.
الأحـد:
في منتهى الجوع والمكاتبات ماتزال مستمرّة
بشأن شراء حزمة برسيمٍ لي .. فمن يوميْن كتب المخرج مذكّرةً بطلب شراء حزمة برسيمٍ
لي .. امتلأت المذكّرة بالتأشيرات والإمضـاءات:
"لجنـة
المشتريات للاختصاص - امضاء"
"الحسابات
للنظر – امضاء"
"نفيدكم بأن
ميزانيّة الفيلم لم توضع بعد ولا يمكن صرف أي مبلغ لشراء حزمة برسيم - امضاء".
"نفيدكم بأن
الحمـار سيموت من الجوع وحزمة البرسيم مطلوبة فوراً – امضاء".
"نرجو تعيين
بند الميزانيّة الذي سيُصرَف بمقتضاه ثمن حزمة البرسيم - امضاء".
"يعني الحمار
يموت؟ .. نرجو الإفادة - امضاء".
أخيراً .. اشترى لي المخرج أربع حِزَم برسيم على
حسابه .. التهمتها فوراً .. ربنا يسعده.
الأحـد:
علمتُ أن الملف
الخاص بشراء حزمة برسيم قد تضخّم جداً .. فالمخرج ظل يجري وراء المذكّرة في كل
مكتبٍ وكل أدارةٍ وكل قســـم .. عشرات الأوراق مرفقةٌ مع المذكّرة الخاصّة بطلب
شراء حزمة البرسيم .. تفسيراتٌ قانونيّةٌ في عدم مشروعيّة الطلب ومخالفتـه للوائح
المالية - فتاوى - تأشيراتٌ على التأشيرات - بحثٌ من عشرين صفحة فولسكاب عن
المسئوليّة المترتّبة على شراء حزمة البرسيم - بخلاف الكثير من المستندات الأخرى
.. كل هذا والمخرج - الله يستره - لا يزال يُطعِمني من جيْبه الخاص.
الثلاثـاء:
قدّم المخرج مذكرةً يطلب فيها التعجيل بعمل
ميزانيّة الفيلم حتّى يمكن شراء البرسيم والتِبن من هذه الميزانية .. إنها المذكّرة
رقم (9) التي طلب فيها هذا الطلب وذلك غير المذكّرات الأخرى وهي: مذكّرة لتعيين
سايس لرعايتي والسهر على راحتي - مذكّرة لتعيين طبيب بيْطري لمتابعة حالتي الصحيّة
- مذكـّرة بتدبير مكان مناسب لإقامتي إذ أنني أقيم في حوش أحـد الاستديوهات بصفةٍ
وديّة لا رسميّة وذلك بالتفاهم بين المخـرج ومدير الاستديو الله يعمر بيْتهما.
الأربعاء:
سأموتُ من الجوع في حوش الاستديو .. لم أرَ
المخرج من أيّام .. لابد أنه ما زال يسعى وراء المذكرات .. ما زِلتُ مربوطاً وحالي
عدم وعندى حالة نهيـق زفير سريعة جداً بسبب الجوع.
الخميس:
الجوع كافر يا خلق هوه! .. اشتد نهيقي اليوم
عن المعدّل الطبيعي .. ثم أصابتني حالة جنـون وأنا أرى عُمـّال الاستديو يحملون
صناديقاً مملوءةً بالشعير إلى أحد البلاتوهات لتصـوير منظرٍ ریفيٍ في أحد الأفلام
.. شعير!!! .. يا عينى .. إنه طعام الحمير من أولاد الذوات .. فجأة هدأت أعصابي
وأنا أرى المخرج "فهمی الفهّيم" مقبلاً .. وفجأة أيْضاً أصابني حزنٌ
شديد لأنني لم أرَ في يده ولا عود برسيمٍ واحد .. اشتد غَمّي وأنا أسمعه يقول أن
ملف مذكّرة البرسيم الخاص بي قد تضخّم وأصبح ملفيْن وأنه أصبح غير مسئولٍ عني بعد
ذلك لأن عنده أولاد أوْلى بفلوس البرسيم .. ثم نظر لي ولعن سنسفيل جدودي ومشي .. إخص.
الأحـد:
من شدّة الجوع أكلت الحبل الذي ربطوني به ..
ثم تذكّـرت الشعير فتسلّلت في ظلام الليْل إلى البلاتوه الذي امتلأ بأكوام الشعير .. أكلتُ .. ثم أكلتُ .. ثم أكلت .. أكلتُ لي
ولكل الحمير الجائعة في الكون .. طوال الليْل وأنا أمضغ طعام الحمير أولاد الذوات:
الشعير .. شيءٌ ممتعٌ ممتع ... تقولشي فستق .. لأ .. بل ألذ .. المهم أنني لم أترك
حبـّة شعير واحدة على أرض البلاتوه مع شروق الشمس.
الإثنيْن:
صحوّتُ من نومي الهادىء على ضجةٍ في الاستديو
.. المخـرج "خميس فجلة" ثائرٌ جداً لأن الشعير اختفى من البلاتوه .. انه
يصرخ لأن استعراض الشعير الغنائي الراقص سيتعطّل تصویره بسبب اختفاء الشعير .. كان
في منتهى العصبيّة وهو يشرح في صراخٍ شديد هذا التعطيل الذي سيمتد أيّاماً طويلة
بسبب المذكّرة التي سيقدمها إلى "لجنة الشعير" المتفرّعة عن "لجنـة
التكاليف" المتفرّعة عن "لجنة المشتريات" .. ثم اجتمـاع اللجـان
وانفضـاض اللجان ثم الموافقة على شراء الشعير (إن وافقوا أصلاً) .. ثم وضعه بالشكل
المطلوب حتى ترقص حوْله الراقصة "فافي بمبوزيا" ... انتهت ثوْرة المخرج
بالقبض على خفير البلاتوه الذي اتهمه مدير الاستديو بسرقة الشعير.
الثلاثاء:
التحقيقات مستمرّة .. "لجنة المشتريات"
تحقِّق مع المخرج "خميس فجلة" وتحقِّق مع الخفير وتحقِّق مع مدير
الاستديو الذي فأجا اللجنـة بأنه ضبط في ذيْلي حباتٍ من الشعير وأتّهمني بأكله ..
فقاموا بقص جزءٍ من شعر ذیْلي فيه حبـات شعير ووضعوه في حِرز .. وكان مدير
الاستديو يشتمني وهو يضرب على بطني المنفوخة المتخمة بالشعير.
الخميس:
شُكِّلتْ لجنةٌ أكبر للتحقيق .. وقرّرتْ - إثباتاً
لبراءة المدير والخفير - أن تُجري لي عمليّة فتح بطن في الشفخانة لضبط عُهدة الشعير
التي اتهمتهم اللجنة بتبديدها .. فنقلوني إلى الشفخانة .. لكن مفاجأةً سعيدةً حدثتْ:
فقـد اعترضت "لجنة المشتريات" على فتح بطني وتعريض حياتي للخطر لأنني أيْضاً
عُهدة وموْتي أثناء العمليّة يُعتبَر تبديداً .. فأوْدعوني في الشفخانة حتى يُبَت
في أمر العمليّة.
الخميس:
من أسبوعٍ وأنا في الشفخانة والمذكرات متبادّلة
بين اللجــان والإدارات حوْل قضيّة فتح بطني لضبط الشعير.
الخميس:
ما زال تبادل المذكّرات مستمرّاً بين اللجان
والإدارات.
الخميس:
في الشفخانة.
الخميس:
في الشفخانة.
الإثنيْن:
انتهت المشكلة بعدم الموافقة على فتح بطني ..
تحقيقٌ آخـر يدور مع مدير الاستديو والخفير والمخرج: كيف سُمِح لي بالإقامة غير
المشروعة في حديقة الاستديو .. بلغ عدد صفحات التحقيق ۲۰۰ صفحة.
الخميس:
المخرج "فهمي الفهّيم" حائر .. أنه
يدور بي في كل مكانٍ ولا يعرف أین یأويني .. فجأة وسط الطريق ضربني بالشلّوت
وتركني أبرطع وهو يلعن سنسفيل جدودي ثم ركب تاكسي وانصرف.
السبت:
عُدتُ للمعلّم "عبده الأنتيكة" وسمعتُ اليوْم أن تحقيقاً يدور مع المخرج "فهمي الفهّيم" بتهمة تبديدي.