اللي ما يعرفش يقول: "عدس"
معنى ومناسبة المثل:
يقال هذا المثل لـمَن ليْست له درايةً بأمرٍ
ما ويجهل حقيقته ويكتفي فقط بالحكم عليه من الظاهر دون أن يعرف باطنه وجوْهره.
جنسيّة المثل وأصل منشأه:
هذا المثل - بالتأكيد – مصري .. ويعود - غالباً
- للعصر المملوكي.
قصّة المثل:
يُحكى قديماً أن تاجر بقوليّات (كان يمتلك دكّاناً
لبيع العدس والفول والذرة والأرز وغيرها) ترك زوجته لتقف بدلاً منه في الدكّان كي يذهب هو
لإحضار شحنةٍ جديدةٍ من البضاعة .. وبعد أن وصل لسوق الجملة اكتشف أنه نسى صُرّة الدنانير
في الدكّان فعاد ثانيةً ولكنه لم يرَ زوجته تجلس أمام الدكّان كعادتها .. ولـمّا
ولج بالداخل يبحث عنها سمع أصواتاً تأتي من المخزن الملحق بالدكّان ففتح باب
المخزن وفوجئ بزوجته في أحضان رجلٍ غريب خلف إحدى جوالات (شوالات) الأُرز .. ثار
التاجر وحاول أن يُمسِك بالعشيق ولكن العشيق دفعه وهرب مندفعاً خارج الدكّان ليجري هرباً
من الزوْج المصدوم الذي أمسك بسكّينٍ كان على منضدةٍ بالدكّان وأسرع ليلحق بالعشيق
وينتقم لشرفه المهدور .. ووقف القدر بالمرصاد للعشيق المتعجّل فقد تعثّر في جوالٍ (شوالٍ)
من العدس فوقع الجوال على الأرض وتبعثر كل ما فيه من العدس الذي وقع فوْقه العشيق
وهو يستنجد بالناس المارّين بالشارع أمام الدكان .. ولكن الزوْج كان أسرع فجثم
فوْق العشيق وعاجله في صدره بطعنةٍ نجلاء بالسكّين فأردته قتيلاً على الفوْر .. وعندما
أمسك به الناس ورأوا العدس المتناثر على الأرض مختلطاً بدماء القتيل ظنّوا أن
التاجر قتل الرجل لأن القتيل كان لصاً وسرق منه بعضاً من العدس .. فاستغرب الناس
من سلوك الرجل وأنكروا عليه قتل الرجل بسبب حفنةٍ من العدس الرخيص .. واقتاد الناس
التاجر إلى الوالي لينظر في أمره وحكوا له عن ملابسات الجريمة بناءً على ما
اعتقدوه وما ظهر لهم دون أن يعرفوا حقيقة الأمر .. ووسط جمعٍ غفير وقف التاجر بين
يديْ الوالي يلوذ بالصمت وهو عاجزٌ عن تفسير سبب القتل حفاظاً على سمعته بين الناس
وتجنّباً للفضيحة وخوْفاً من أن تلوك ألسنة الناس شرفه بالسوء فلا يستطيع أبناؤه -
طوال عمرهم - أن يرفعوا رؤوسهم بعد خطيئة أمهم التي هي زوجته الخائنة .. وقال له
الوالي:
-
يا لك من رجلٍ ظالمٍ
طاغية .. أتقتل رجلاً أراد سرقة بعضاً من العدس .. ألم يجُل بخاطرك أنه ربّما يكون
فقيراً ويريد إطعام أسرته بهذا العدس المسروق؟ .. أليس في قلبك متّسعٌ لبعض الرحمة
والشفقة؟ .. لماذا لم تقبض عليه وتأتيني به حيّاً لأقتص لك منه بالقانون؟ .. ما لك
تقف صامتاً كالأبكم؟ .. لماذا لا تدافع عن نفسك؟ .. قُل شيْئاً يا رجل .. أيستحق
العدس حياة إنسان؟!!!
فرد التاجر المكلوم قائلاً بصوْتٍ خفيض:
-
اللي ما يعرفش يقول
عدس.
تعليق "ابن أبي صادق":
للأسف .. ولأنه يمر الآن بمرحلة "رجول
الفراخ" (في عصر الرخاء) فلم يعد بمقدور المواطن المصري الغلبان الآن أن يقول:
"عدس" (بعد أن أصبح غير قادرٍ على أن يقول: "بِم" أيْضاً) لأن
السعر الحالي لكيلو العدس (المفروض أنه أكلة شعبيّة للفقراء) قفز من 25 جنيهاً
ليصبح 50 جنيهاً (الضِعف مرةً واحدة) .. ولذلك فأنا - توفيراً لميزانيّة الأسرة وتجنّباً
لصرف أي فلوس - أنصح اللي ما يعرفش أن يقول:
-
"آتس".
- "يرحمكم الله"!