صورة متحف سينما
نحن الآن سنة 3000 والناس يترددون على المتحف
السينمائي للفرجة على مومياءات قدماء السينمائيين ومخلّفاتهم وحضاراتهم الفيلميّة
الغابرة .. المتحف كلّه قاعاتٌ فسيحةٌ لامعة وفتريناتٌ زجاجيّة تحتوى على آثارٍ
وحفريات قدماء السينمائيين.
هذه مثلاً فترينة بها مومياء ممدّدة وعليها
بطاقة الشرح تقول: مومياء المخرج "خا-ميس-فجلة" من الأسرة السينمائيّة
الرابعة في العصر الجهلوي .. ظهر في عصره بعض الشُبّان المثقفين وكان كل منهم يطلق
على نفسه: "المخرج الطليعي" .. وتدل حفريّات شارع الهرم أن المخرج "خا-ميس-فجلة"
كان يجهل معنى كلمة "طليعي" فقد أراد أن يقلّد هؤلاء الشُبّان فكتب في
مقدّمة أحد أفلامه: "فيلم بالألوان الطليعية من إخراج المخرج الطليعي خا-ميس-فجلة".
وفى فترينةٍ أخرى مومياء تقول بطاقتها:
مومياء السيناريست "شي-حا-ته-فجلة" من الأسرة السينمائيّة الرابعة في
عصر الجاهليّة الدراميّة .. وتدل النقوش الخاصّة بهذا العصر أن "شي-حا –ته-فجلة"
كان يطلق على نفسه "ابن سينا الجديد" ظنّاً منه أن الفيلسوف "ابن
سينا" هو مخترع السيناريو .. وتقول النقوش أيضاً أن "شی-حا-ته-فجلة"
كان ينتقد بشدّة "تشارلز ديكنز" في مواعظه التي يكتبهـا في الحوار
باعتبار أن "تشارلز دیکنز" هو مبتكر رقصة "التويست" فلم يكن
يعرف ان "أوليفر تويست" هي رواية لـ"ديكنز" وليست رقصةً من
ابتكاره.
وفي فترينةٍ ثالثة بوبينة فيلم محنَطّة عليها
بطاقةٌ تقول: بوبينة فيلم من عصر الأسرة الفجلويّة الرابعة .. اسم الفيلم "فاجعة
في بير السلم" .. من حفريّات شارع الهرم .. ومن اخراج "خا-ميس-فجلة"
.. والفيلم من أفلام المأساة ومع ذلك ليس في الفيلم كادرٌ واحد يخلو من رقصة أو
اغنية حتى في مشـاهد المأتم .. الأمر الذي جعل علماء الاجتماع المعاصرين يعتقدون
أنه كان من تقاليدنا الاجتماعيّة أيام عصر الأسرة الفجلوية الانطلاق في الرقص
والغناء إذا مات شخصٌ عزيز .. ذلك أن فيلم "فاجعة في بير السلم" يحتوى
على مشهد المطربة "فتا-كات" ووالدها يموت أمامها فتبكى ثم تُسرع إلى الشرفة
لتغني لحبيبها بطـل الفيلم في النافذة المقابلة: "إفتـح شـباكك يا عطيـّة وإلحقني
بشويّة ميـّه" .. فيفتح حبيبها الشباك ويبادلها الديالوج الغنائي وفجأة يتحول
المشهد الى تابلوه غنائي راقص اسمه: "أبوها السقا مات".
وفي الفترينة رقم (9) بالمتحف تمثالان شمعيّان
لعروس وعريس في ليلة الزفاف يرتديان ملابس القرن العشرين وبطاقة شرح تقول: عروسة
وعريس .. نهاية كل فيلم في عهـد الأسرة السينمائيّة الفجـلويّة.
وفي فترينةٍ مجاورة مجموعة من الأوراق
القديمة المتآكلة ومعها بطاقةٌ تقول: سيناريو لفيلم اسمه "دموع فوق السطوح"
من عصر الأسرة الرابعة .. وقد دلّت حفريّات شارع الهرم على أن "شي-حا-ته-فجلة"
قد كتبه في أقل من 36 ساعة (500 صفحة) وأنه أكمل الخمسين صفحة الأخيرة في بوفيه
الاستديو اثناء التصوير وهو يشرب الشـاي الكشري .. والخطوط والحواشي الحمـراء هي
تعديلات المخرج "خا-ميس-فجلة" في السيناريو اذ أضاف إلى الأمراض التي تصيب
البطل في الرواية مرض الصرع .. وكان السيناريست قد اقتصر على إصابة البطل بفقدان
الذاكرة والعمى والسُعال الديكي وداء الفيل (انظر الفترينة 11) .. وفى الفترينة (11)
مجموعة بوبينات أفلام ترجع إلى عصر الأسرة الفجلوية الرابعة .. وهي من أفلام
المأساة واسماؤها على التوالي هي: "تفيدة يا حبي أنا"، "حب ف نُص
الليل"، "حب وبلح وجوافة"، و"حنان وعيش وطعميّة" .. وكلّها
من إخراج المخرج "خا-ميس-فجلة" الذي أطلقوا عليه مخرج المعجزات .. ففي هذه
المجموعة التي عثر عليها من أفلامه نجد البطل مصـاباً بكل أنواع الأمراض المستعصية
.. المتوطنة منها والمستوردة ثم يشفيه المخرج بمعجزاتٍ مدهشة في آخر عشرة أمتار من
الفيلم تمهيداً للنهـاية السعيدة وزواجه من البطلة .. ففي فيلم "حب وبلح وجوافه"
نجد قمة المعجزة في أعمـال "خا-میس-فجلة" إذ يموت البطل في هـذا الفيلم
مسموماً بالجوافة وتشيَّع جنازته ويوارى التراب .. وتكشف النقوش التي عُثِر عليها
في شارع الهرم قصّة المعجزة التي قام بها المخرج فتقول أن منتج الفيلم اعترض على
هذه النهاية التي تؤثّر تأثيراً فلوسيّاً على شباك التذاكر .. فاستأنف "خا-ميس-فجلة"
التصوير بعد نهاية الفيلم وموت البطل وانتقلت الكاميرا الى قرافة "الغفير"
لتصوّر بطل الفيلم وهو يخرج من القبر إلى بيت البطلة ليطلب يدها بين الطبل والزمر
حتى تكون النهاية سعيدة كما طلب المنتج .. ويفسِّر الفيلم سبب عوْدة البطل إلى
الحياة تفسيراً علميّاً يدور حول نظرية زراعة الأعضاء في الجسم الإنساني .. فما
دام يمكن زرع عضو سليم مكان عضو تالف فممكن جداً زراعة بنی آدم سليم بحاله في بني
آدم ميّت .. وهكذا تم زرع بني آدم کومبارس بدفنه حيّاً في تراب مقبرة بطل الفيلم
فانزرع الكومبارس في بطن الفتى الأوّل فخرج من المقبرة حيّاً .. وتقول الحفريّات أن
"خا-ميس-فجلة" قد أثار ازمة شديدة بسبب عدم ترشيح هذا الفيلم للمهرجانات
الدوليّة إذ كان واثقاً من الفوْز بسبب فكرة زراعة الجسم البشري في جسم بشري آخر
فهي فكرة أبّهة لم يسبقه إليها مخرجٌ بشري أو بيطري .. والجدير بالذكر أن المخرج "خا-ميس-فجلة"
قد اعتزل مهنة الإخراج في عصر الأسرة السينمائيّة السادسة الذي يُعرَف بعصر المثقّفين
وعاد إلى ممارسة مهنته الأصلية: تمرجي.
والفترينة رقم (18) عبارة عن قاعة زجاجيّة
فسيحة أُقيم فيها ديكورٌ لكباريه تقول عنه البيانات: نموذج لديكور في عصر الأسرة
السينمائيّة الرابعة يضم الكباريه الذي كان أهم ضرورةً فنيّة في الأفلام الفجلويّة
.. إذ كان على البطل أن يتجه دائماً إلى الكباريه كلّما أُصيب بأزمةٍ أو صدمةٍ
عاطفيّة فيظل يشرب الويسكي وهو يشاهد رقص "عزيزة نايلون" .. وقـد أدّى
ظهور الكباريه في كل فيلم - خـلال عصر الأسرات الأولى - إلى إعطاء صورةٍ مشوَّهةٍ عن
حياتنا في تلك العصور إذ تبادر خطأً إلى أذهان علماء الاجتماع المعاصرين أن كل شاب
من قدماء الشباب المصريين كان لابد أن يسكر طينة في الكباريه .. إذا هدّده أهل
حبيبته بفسخ الخطبة يُصاب بأزمةٍ عاطفيّة ويجرى إلى الكباريه ليشرب الخمر .. إذا
خطبها شاب آخر يحدث شرحه .. إذا اكتشف خيانتها يشرب كل زجاجات الخمر في بار
الكباريه ابتداءً من الشمبانيا وانتهاءً بالسبرتو .. فالكباريه في أفلام الأسرات
السينمائيّة الأولى يؤكد أن كل العشّاق في بلادنا كانوا يصبحون في حالة سُكْر طينة
عند أوّل أزمةٍ عاطفيـّة.
وفي الفترينة رقم (٢١) مومياء عليها بطاقةٌ
تقول: مومياء للمؤلّف "أق-رع-فجلة" من الأسرة الرابعة .. وتدل الحفريّات
على أن النقّاد أطلقوا عليه لقب "الطرابيشي" لأنه لم يكتب في حياته إلّا
قصةً واحدة راح يقلّبها بعـد ذلك كما تُقلَب الطرابيش حتى ضرب الرقم القياسي في
ذلك .. إذ أُخرِجت هذه القصّة بأشكالٍ مختلفة في أكثر من عشرين فيلماً.
وفي الفترينة (٢٧): أصول لقصّة سينمائيّة من
عهد الاسرة الرابعة .. حيث كانت القصّة تروي حدّوتة أم أنجبت بنتاً من سيّدها
البيه ثم تفترق الأم عن البنت وهي لا تزال في طفولتها .. وتكبر البنت دون أن تعرف
أمها بينمـا أمها تعرفها .. وفي النهاية السعيدة: "بنتي حبيبتي .. مامتي حبیبتي"
.. وقد ظهرت هذه القصّة في مئات الأفلام في عصر الأسرة الرابعة على عِدّة أشكال: فمرّة
ابن لا يعرف أباه ومرّة يرفض الأب الكشف عن أبوته لابنته لأنه من نزلاء ليمان طرة
أو لأنه حرامي أو لأنه نصّاب أو أي حاجة .. بينما ابنته تعيش في التبات والنبات مع
زوجها وكيل النيابة الذي حقّق في جريمة أبيها وهكذا .. المهم أن هناك - في مئات من
الأفلام - حالةٌ من عدم التعارف بين الأم أو الأب من جانب وبين الابن أو البنت من
جانبٍ آخر .. وهذه الحدوتة لها أصلٌ يُعرَف باسم حدوتة "خششبان" التي
كانت ترويها الجدّات للأطفال عند النوم.
وفي الفترينة 33 : مومياء للمنتج "جا-موس-بيه"
الذي أقنعه المخرج "خا-ميس-فجلة" بإنتاج رواية "الحرب والسلام"
لـ"تولستوي" ولمّا قَبِل قال له "خا-ميس" أن "تولستوي"
يطلب العربون فأعطاه "جا-موس" مائة جنيه لتوصيلها إلى "تولستوي"
وطلب منه تحديد موْعد مع الكاتب الكبير الذي يسمع عنه كثيراً ورحّب "خا-ميس"
الفهلوي بذلك فحضر في اليوْم التالي مع شخصٍ قدّمه إلى "جا-موس-بيه"
قائلاً: "الكاتب الكبير عبده تولستوي" فاحتفی به "جا-موس-بيه"
حفاوةً بالغة .. وكان "خا-ميس-فجلة" قد اشتري كتاب "الحرب والسلام"
من سور الأزبكيّة بقرش ثم نسخه على الآلة الكاتبة وراح يقرأه للمنتج في أسبوعٍ كامل
.. وكان "جا-موس-بيه" يتناول كل صفحةٍ بالتعديل والتبديل .. وعندما
انتهى من تعديلاته اقترح تغيير اسم الرواية الى "السلام والكلام" لأن
السلام يسبق الكلام ولا معنى "للحرب والسلام" لأن الذي يحارب شخصاً لا
يمكن أن يقول له: "سلامو عليكو" .. وقد استجاب "خا-ميس-فجلة"
لكل التعديلات التي أدخلها المنتج حتّى تحوّلت إلى روايةٍ استعراضيّةٍ غنائيّةٍ
راقصة قامت ببطولتها الراقصة "فهيمة لهاليبو" التي كان يؤمن "جا-موس-بيـه"
بمواهبها العظيمة.
وفي الفترينة 107 – في نهاية المتحف – مومياء تقول بطاقتها: مومياء لمتفرِّج من عصر الأسرة الرابعة .. عاش بطلاً ومات بطلاً .. له الرحمة والفاتحة!