حِسْبة بِرما
معنى ومناسبة المثل:
هو مَثَلٌ يُضْرَب حينما يتعثّر ويحتار الشخص
فى عمليّةٍ حسابيّةٍ صعبة أو مشكلةٍ معقَّدةٍ عسيرة تحتاج تفكيراً ووقتاً وجهداً لكي
يتم حل معضلتها العويصة.
جنسيّة المثل وأصل منشأه:
يعود أصل نشأة هذا المثل إلى قرية
"بِرما" الكائنة بمحافظة "الغربيّة" والتي ترجع تسميتها بهذا
الاسم إلى إحدى هذه التفسيرات الثلاث:
-
التفسير الأوّل: أن
أهلها مترابطون ومتمسّكون بحبلٍ وثيقٍ قويٍ من الحب والوِد والعلاقات
الأسريّة الوطيدة فقد اعتادوا على الزواج بين بعضهم البعض وعدم الارتباط بمَن هو
غريبٌ عنهم .. والمعروف أن كلمة "المبروم" أو "الـمُبرَم" أو
"البريم" تعني: الحبل الذي جُمِع بيْن مفتوليْن فتم فتلهما في حبلٍ
واحدٍ متين.
-
التفسير الثاني: أن أهالي
القرى المجاورة كانوا - وهم في طريقهم إلى مدينة "طنطا" - يمرّون بقرية "بِرما"
(التي تبعد عن "طنطا" حوالي 12 كيلومتراً) فيضطرّون لأن يبرموا (أي
يمشوا طويلاً حتّى ينالهم التعب) حوْلها برماً على أرجلهم أو ركوباً على
ظهور دوابهم لأن هذه القرية على شكلٍ شبه بيضاوي والطرق داخلها ضيّقة وغير ممهّدة
ممّا يجعل هؤلاء الأهالي مضطرّين لأن يسلكوا الطريق الدائري الواسع الممهَّد
الطويل الذي يحيط بها ويلتفّوا حوْلها يميناً أو يساراً تفادياً لاختراقها في خطٍ
مستقيمٍ أقصر.
-
التفسير الثالث: لأن
بها الكثير من الحقول والتُرع ممّا يجعلها تجمع بين البر والماء
لتصبح من أشهر القرى البرمائيّة في تلك المنطقة.
قصّة المَثَل:
من المعروف أن قرية "بِرما"
مشهورةٌ بأن غالبيّة أهلها يمتلكون ويعملون في معامل إنتاج البيْض (وأحياناً
الرقود عليه أو بجواره) وأفران تفريخ الكتاكيت ومزارع تربية الطيور الداجنة (الدجاج والبط والأوز) حيث تمثّل
هذه القرية نسبةً كبيرةً من إجمالي تجارة البيض والطيور في "مصر".
ويُحكى قديماً أن سيّدةً فقيرةً من تلك
القرية كانت تسير في إحدى الطرقات وهي تحمل فوق رأسها قفصاً كبيراً مُحـمَّلاً
بالبيْض (الذي جمعته من دواجنها التي تربّيها في منزلها) لتذهب به لإحدى أفران
التفريخ المنتشرة في القرية لتبيعه وتقبض ثمنه .. وفي الطريق اصطدم بها رجلٌ يركب
درّاجة فوقع القفص على الأرض وتكسّر معظم البيْض وسط نحيبها وعويلها على مجهودها
الذي ضاع في غمضة عيْن .. تجمع المارة حوْلها وحوْل الرجل وحاولوا جميعاً مساعدتها
وتعويضها عما فقدته من بيْض .. وبعد أن اتفقوا على أن يجمعوا ثمن البيْض المكسور
فيما بينهم سألوها:
-
كم بيْضةً كانت
بالقفص؟
قالت:
-
لا أتذكّر العدد
بالضبط .. ولكنكم لوْ أحصيْتم البيْض بالثلاثة (يعني تلاتات تلاتات) تتبقّى بيْضة ..
ولوْ عددتموه بالأربعة تتبقّى بيْضة .. ولوْ بالخمسة تتبقّى بيْضة .. ولوْ بالسِتّة
تتبقّى بيْضة .. ولوْ حسبتموه بالسبعة فلا يتبقى شيْئاً.
وهنا عجز الجميع عن معرفة عدد البيْض الذي
كانت تحمله .. وأصبحت هذه الحِسبة هي الشُغل الشاغل للقرية وقتاً طويلاً .. وتنافس
الجميع لمعرفة عدده وحل هذه المسألة الحسابيّة التي تناقلها الناس فيما بينهم .. وانتقلت
الحيرة من قرية "بِرما" إلى مدينة "طنطا" ثم محافظة "الغربيّة"
ومنها إلى بر "مصر" كلّه.
الجدير بالذكر أن هناك بالفعل من تمكّن من حل
هذه المسألة الحسابيّة المعقّدة حيث اكتشف بعد تفكيرٍ طويل أن عدد البيْض هو (301)
بيْضة.
تعليق "ابن أبي صادق":
أظن - وليس كل الظن إثم - أن المواطن المصري
هذه الأيّام يقع في أكثر من حسبة بِرما كل يوْم .. وغالباً لا يجد لها حلاً ..
مثلاً:
-
كيف يستطيع رب
الأسرة أن ينفق من مرتبه ما يكفي من طعامٍ وكساءٍ وتعليمٍ وعلاجٍ ومعيشة دون أن
يضطر إلى الاستدانة؟
-
متى يدبّر الشاب
مصاريف الزواج قبل بلوغه سِن الأربعين؟
-
من أين تشتري سيّدة
المنزل طعاماً صحيّاً ومفيداً لأبناءها دون أن يكون ملوَّثاً بمياه المجاري وبالأسمدة
المسرطِنة؟
-
هل يستطيع الوالدان
أن يُنشِآ أولادهما على الدين الصحيح والأخلاق الحميدة والسلوك القويم رغم ما يحيط
المجتمع من إلحادٍ وفسادٍ وهمجيّة؟
-
لماذا لا يتساوى
الجميع بالوطن في نفس الحقوق والواجبات؟
منهم لله ولاد "الهِرما" اللي كانوا السبب في حسبة "البِرما".