جُحا المِصْري
جَلَسَ الحاجُّ
"نّصْرُ الدينِ أَبو الروسِ الرومي" في شُرْفَةِ مَنْزِلِهِ يَتَنَسَّمُ
ريحَ المَساءِ اللَيِّنَةَ بَعْدَ يَوْمٍ حارٍ مُضْنٍ مُمْسِكاً في يَدِهِ بكوبٍ مِنَ
الشايِ الساخِنِ الذي تَطْفو عَلَى صَفْحَتِهِ وَرَقَتَيْ نَعْناعٍ أَخْضَرٍ وكانَ
يَشْرَبُ كُلَّ رَشْفَةٍ بَيْنَ الفَيْنَةِ والأُخْرَى مُحْدِثاً صَوْتاً عالِياً
يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْتاعِهِ بِطَعْمِ الشاي مُغَطِياً أَحْياناً عَلَى صَوْتِ المِذياعِ
الذي وَضَعَهُ بِجانِبِهِ عَلَى إفْريزِ الشُرْفَة، وكانَ صَوْتُ المُذيعِ يَصِلُهُ
عَبْرَ الأَثيرِ قائِلاً :
- كانَتْ هَذِهِ سَيِّداتي
سادَتي أُغْنيَةُ "مالي أَنا مالي".. كَلِمات "مُحَمَّد حَمْزَه"
وأَلحان "بَليغ حَمْدي" ومِنْ غِناءِ "وَرْدَه".. "صَوْتُ
العَرَبِ" مِنْ "القاهِرة".. يَأْتيكُم الآنْ موجَزُ أَنْباءِ
الثامِنَة :
أَعْرَبَ السَيِّدُ
وَزيرُ الخارِجيَّةِ المِصْريُّ عَنْ رَفْضِهِ التَدَخُّلِ في الشَأْنِ العِراقيِ
نافِياً أَنْ يِكونَ قَدْ طالَبَ نَظيرَتَهُ الأمْريكيَّةَ أَثْناءَ لِقائِهِما أَمْس
بالإسْراعِ في سَحْبِ القُوَّاتِ الأَمْريكيَّةِ مِنْ "بَغْدادَ" أَوْ أَنْ
يَكونَ قَدْ انْتَقَدَ السياسَةَ الأَمْريكيَّةَ تِجاهَ المُعْتَقَلينَ المِصْريّينَ
والعَرَبِ في سِجْنِ "أَبو غُريب" أَوْ مُعْتَقَلِ"جوانتانامو"،
كَما طالَبَ سيادَتُهُ "إسْرائيلَ" بِضَبْطِ النَفْسِ حِيالَ الخُروقاتِ
الفِلَسْطينيَّةِ للهُدْنَةِ مُعْلِناً عَنْ وقوفِ "مِصْرَ" عَلَى الحِيادِ
دائِماً كَما حَدَثَ أَثْناءَ الغَزْوِ الإسْرائيلي لِجَنوبِ "لُبْنان" |||
نَفَى السَيِّدُ وَزيرُ الدَفاعِ المِصْريِ مُجَدَّداً عَزْمَ بِلادِهِ إرْسالَ وَحَداتٍ
مِنَ الجَيْشِ المِصْريِ لِوَقْفِ المَذابِحِ الدائِرَةِ في "سُوريا" وأكَّدَ
سِيادَتُهُ أَنَّ مَوْقِفِ "مِصْرَ" لَمْ يَتَعَدَّ كَوْنَها تُراقِبُ
الأَحْداثَ بقَلَقٍ مَعَ إدانَتِها العَميقَةِ لِما يَتَعَرَّضُ لَهُ الشَعْبُ السُوريُ
الشَقَيق ||| دَعا شَيْخُ الأَزْهَرِ أَئِمَّةَ المَساجِدِ أَنْ تَكونَ خُطَبُهُم
في صَلاةِ الجُمْعَةِ المُقْبِلَةِ حَوْلَ المَجاعَةِ التي يَتَعَرَّضُ لَها شَعْبُ
"الصُومالِ" المُسْلِمُ الشَقيقُ والتي أَدَّتْ لِوَفاةِ ما يَتَجاوَزُ
المِلْيونَ ونُزوحِ مِليونَيْنِ آخَرَيْنِ كَما صَرَّحَ بأَنَّ "مِصْرَ"
لَنْ تَقِفَ مَكْتوفَةَ الأَيْدي بَلْ سَيَرْفَعُ الشَعْبُ المِصْريُ كُلُّهُ أَيْديهِ
بالدُعاءِ إلى اللهِ مِنْ أَجْلِ كَشْفِ الغُمّةِ وصَلاحِ الأُمَّة ||| هَنَّأَ
السَيِّدُ مُديرِ مَصْلَحَةِ الضِرائِبِ الفَنَّانَةَ "شَهْوَة" بزيجَتِها
السابِعَةِ مِنْ رَجُلِ الأَعْمالِ "ثَرْوَت عَبْدُ الغَني" نافِياً بذَلِكَ
الأَنْباءِ التي أُشيعَتْ عَنْ نِيَّتِهِ تَقْدِيرَ الضَريبَةِ المَفْروضَةِ عَلَيْهِما
وَفْقَ تَكَاليفِ فَرَحِهِما التي قُدِّرَتْ بِخَمْسَةِ مَلايينَ جُنَيْه وأَوْضَحَ
سَيادَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الأُمورِ الشَخْصيَّةِ التي لا يَجِبُ إقْحامُ المَصْلَحَةِ
فيها ||| أَخيراً : أَعْلَنَتْ إدارَةُ النادي الأَهْلي أَنَّها لَيْسَتْ طَرَفاً
في الأَزْمَةِ الدائِرَةِ بِخُصوصِ الأَرْبَعَةِ وسَبْعينَ شَهيداً مِنْ جَماهيرَ
النادي في سِتادِ "بورسَعيد" وأَنَّ الأَمْرَ بِرُمَّتِهِ قَدْ أُحيلَ لِلمَحْكَمَةِ
الرياضيَّة.
وهُنا اقْتَحَمَ خَلْوَةَ
"نَصْرٍ" ابْنُهُ الشابُّ الذي قال :
- لَوْ سَمَحْت يا
"بابا" أَنا حَ ابْقَى اروح مَعَ اصْحابي فِ حَرَكِة "6 شَوَّال"
ميدان التَحْرير يوم الجُمْعَة الجايَّة عَلَشَان نِشارِك في مِلْيونيِّة "ثَوْرِة
الشَك".. ماشي؟
- لأ يا روح امَّك
مِشْ ماشي.. مِلْيونيِّة إيه وزِفَت إيه؟.. طَنِّش تِعيش تاكُل قَراقِيش.. بيقولوا
"خَلّيك فِ حالَك يزيد راس مالَك".
- ما الشَعْب طول عُمْرُه
بياكُل قَراقيش لِغايِة ما البَلَد باظِت.. لَوْ كُل واحِد يفْضَل قاعِد عَ الكَنَبَة
عُمْرِنا ما حَ نِتْقَدِّم.
- واللهِ دَه انْتُم
اللي حَ تِخْرِبوا البَلَد.. إنْتَ يا لَه مِشْ شايِف البَلاوِي اللي بتِحْصَــــل
والعِــــيال اللي بيْمـــــوتوا.. دَه حَتَّى البَنات بيتْسَـــحَلوا ويتْعَرُّوا..
أُقْعُد رَبِّنَا يهْدِيك.
- يَعْني يا بابا أَنا
أَقَل مِ البَنات دي.. أُمَّال انا راجِل إزّاي.. المَفْروض يبْقَى عَنْدِنا نَخْوَة..
دَه "المُعْتَصِم بالله" أَمير المُؤْمِنين زَمان راح بجيشُه حارِب
الروم وفَتَح "عَـمُّوريَّة" عَلَشَان فيه واحْدَة اتْعَرِّت هِناك وقالِت
: "وامُعْتَصِماه".. نقوم إحْنَا دَه الوَقْت نِعْمِل وِدْن مِنْ طين ووِدْن
مِنْ عَـجين؟
- أَوَّلاً : لا
انْتَ راجِل ولا انْتَ أَمير المُؤْمِنين ولا حَتَّى أَمير الشُعَراء.. إنْتَ يا
دوبَك طالِب فِ كُلِيَّة.. ثانياً : النَخْوَة والشَهامَة والجَدْعَنَة والكَلام
اللي ما بيأكِّلْش عيش دَه كان زَمان.. دَه الوَقْت خَلاص بَحْ فينيتو.. خالْتي وخالْتَك
واتْفَرَّقِت الخالات.. كُل واحِد بيقول يا للا نَفْسي وياحِيطَة داريني وبيُرْبُط
الحُمار مَكان ما يحِب صاحْبُه.. ثالِثاً : إنْتَ مِشْ حَ تكون أَجْدَع مِنِّي.. أَنا
زَمان ياما طَلَعْت فِ مُظاهْرات لَمَّا كُنْت عُضْو فِ حَرَكِة
"حَدَتّو" الشيوعيَّة.. وكانِت الجَلالَة واخْداني زَيَّك كِدَه.. لِغايِة
ما مَرَّة اتْقَبَض عَلَيَّ ورِجَّالِة "عَبْد الناصِر" عَمَلوا مَعايَّ
الصَح.. وبَعْد سَبَع أُشْهُر فِ المُعْتَقَل طَلّعوني وأَوِّل ما رَوَّحْت كان سِيدَك
الله يرْحَمُه مِسْتَقْبِلْني بِعَلْقَة مُحْتَرَمَة معَلِّمَة عَلَى جِتِّتي لِحَدْ
دَه الوَقْت.. مِنْ ساعِتْها وانا مِ البيت للشُغْل ومِ الشُغْل للبيت ومافيش فِ دِماغي
غير إنّي أَوَفَّر لكُم لُقْمِة العيش وارَبِّيكُم كوَيِّس.. وبَعْدين يا أَخي إعْمِل
بكَلام "جُحا".. "جُحا" قال إيه؟
- قال حاجات كِتير..
أَنْهي فيهُم؟
- قالوا "لجُحا"
: إِلْحَــق.. الضَرْب دايِر فِ البَلَد.. رَد عَليهُم وقال : "طول ما الضَرْب
بعيد عَنْ راسي خَلاص.. ما ليش دَعْوَة".
- يا حاج دَه الرَسول
أَمَرْنا بإنِّنا نِتْدَخَّل فِ اللي فيه مَصْلَحِة الناس.. وضَرَب مَثَل بالناس
اللي كانوا راكْبين فِ الدور التَحْتاني بِتاعْ سَفينَة وكانوا حَ يعْمِلوا خُرْم
فِ السَفينَة عَلَشَان يجيبوا مِنُّه مَيَّه.. لَوْ الناس التانيّين اللي راكْبين
فِ السَفينَة مِنْ فوق سابوهُم وما اتْدَخَّلوش كانوا حَ يغْرَقوا كُلّهُم.. بِصَراحَة..
أَنا مِشْ مُقْتَنِع بالكَلام بتاعَك دَه.
- إنْ شا الله عَنْ عين
أَهْلَك ما اقْتَنَعْت.. عَمَّال مِ الصُبْح أَدادي فيك وانْتَ ابْن كَلْب مِشْ عايِز
تِكْبَر لي وتِسْمَع كَلامي.. هيَّ كِلْمَة.. لِحَدْ ما تِتْخَرَّج وتِشْتَغَل وتِصْرِف
عَلَى نَفْسَك أَوْ لِحَدْ ما انا اموت لازِم تِفْضَل تَحْت طوعي.. إنَّما بَعْد كِدَه
ابْقَى اتْنَيِّل اعْمِل زَيْ ما انْتَ عايِز.. إخْفَى مِنْ وِشِّي بَقَى الساعَة
دي.
وانْصَرَفَ الابْنُ
مُتَبَرِّماً وهوَ يُتَمْتِمُ بِكَلامٍ غَيْرِ مَسْموع، ويَبْدو أَنَّه سَلّمَ
الرايَةَ لأُخْتِهِ التي اقْتَحَمَتْ هيَ الأُخْرَى بِدَوْرِها خَلْوَةَ أَبيها وقالَتْ
لَهُ بِصَوْتٍ خَفيضٍ يَنُمَّ عَنِ الخَوْفِ والتَرَدُّد :
- عَلَى فِكْرَة يا
بابا.. أَنا اتْفَقْت مَعَ بَنات الحِتَّة إنِّنا نِتْقابِل بُكْرَه بَعْد المَدْرَسَة
ونِبْدَأ نِنَضَّف الشَوارِع بِتاعِة المَنْطِقَة.
- واخَدتي رَأْي مين
بَقَى انْ شاءَ الله عَلَشَان تِبْقِي كَنَّاسَة وزَبَّالَة؟
- ما انا باخُد رَأْيَك
اهُو.
- مِشْ موافِق
طَبَعَاً.. "جُحا" قال إيه؟
- ما اعْرَفْش.
- روحي لاخوكي يعَرَّفِك..
إتْفَضَّلي قومي بَقَى ذاكْري.
وما إنْ غادَرَتْ الابْنَةُ
الشُرْفَةَ حَتَّى دَخَلَتْها الزَوْجَةُ وانْطَلَقَتْ تقول :
- باقول لَك إيه يا
سي "نَصْر".
- يييييه.. مِشْ حَ اعْرَف
اسْمَع أُمْ الراديو النَهارْ دَه.. نَعَمين.
- يوه.. مال خُلْقَك
بَقَى ضَيَّق كِدَه ليه يا دَه العَدِي.. دَه انا جايَّة اسْتَأْذِنَك اروح بُكْرَه
للسِت جارِتْنا اللي فِ الوِشْ أَساعِدْها عَلَشَان عَنْدَها عُزومَة كَبيرَة ومِشْ
حَ تِقْدَر عَليها لِوَحْدَها.
- ما فيش مِرواح فِ حِتَّة..
إحْنَا طول عُمْرِنا قافْلين بابْنا عَلينا وما لناش اخْتِلاط بِحَدْ وكافيين خِيرنا
شَرِّنا.
- يا خويا دي السِتْ
بتِعْمِل مَعانا الواجِب دايْماً.. ما يصَحِّش كِدَه.. إنْتَ عايِزْها تقول
عَلَيَّ يَهودِيَّة.
- هوَّ "جُحا"
قال إيه؟
- قال إيه يا احْمَد
يا عُمَر؟
- قال : "طول
ما الضَرْب بِعيد عَنْ راسي خَلاص ما ليش دَعْوَة".
وفي اليَوْمِ التالي
فوجِئَ "أَبو الروس" بأَنَّ الشَرِكَةَ التي يَعْمَلُ بِها سَوْفَ تُحيلُهُ
هوَ وسَبَعَةَ عَشَرَ مُوَظَّفاً آخّرينَ للتَقاعُدِ قَبْلَ وُصولِهِم السِنَّ
القانونيَ تَوْفيراً لرَواتِبِهِم مِمَّا دَفَعَهُم للذِهابِ إلى زُمَلائِهِم طَلَباً
للمُسانَدَةِ والدَعْمِ آمِلينَ أَنْ يَتَظاهَروا أَوْ يَعْتَصِموا مَعَهُم بالشَرِكَةِ
ليِكونوا أَداةَ ضَغْطٍ عَلَيْها حَتَّى تَرْفَعَ الظُلْمَ الذي وَقَعَ عَلَيْهِم،
إلّا أَنَّ زُمَلاءَهُم رَفَضوا الوُقوفَ بِجانِبِهِم بِحُجَّةِ أَنَّ هَذِهِ التَظاهُراتِ
سَوْفَ تَضُرُّ بِهِم خاصَّةً وأَنَّهم لا ناقَةَ لَهُم فيها ولا جَمَل، بَلْ أَنَّ
أَحَدَهُم حاوَلَ أَنْ يُـقـْنِـعَ "أَبو الروسِ" بِهَذِهِ الحُجَّةِ
الواهيَةِ فَسَأَلَه :
- "هُوَّ جُحا قال إيه؟"