صرّح المطرب الرومانسي الرقيق "حمّو
بيكا" في أحد حواراته التليفزيونيّة الممتعة قائلاً: "ما فيش حد ف مصر
ما بيشربش ويسكي" .. وقد أعلن صاحب الحنجرة الذهبيّة بكل فخرٍ وشجاعة عن
حقيقةٍ يعرفها كل المصريين الخمورجيّة عن أنفسهم .. فمن المعروف للقاصي والداني أن
الويسكي من المشروبات الوطنيّة المنتشرة في ربوع البلاد منذ عصر المماليك البحريّة
والمماليك البُرجيّة والمماليك السُكَريّة .. ومنذ ذلك الحين وحتى الآن امتهن
كثيرٌ من الناس مهنة "بائع الويسكي" الذي يتجوّل في شوارع الأحياء
الشعبيّة بأدواته المميزة كالإبريق الزجاجي أو النحاسي كبير الحجم الذي صُنِع خصّيصاً
ليحافظ على برودة الويسكي المثلّج (on the rocks) طوال
اليوم ويحمله بواسطة حزامٍ جلديٍ عريض
يحيط بخَصره الذي يتدلّى منه إناءٌ صغيرٌ للأكواب بينما يمسك بيده اليمنى صاجيْن
من النحاس يُصدران صوتاً مميّزاً لاستدعاء الشاربين ويحمل في يده اليسرى إبريقاً
بلاستيكياً صغيراً مملوءاً بالماء لغسل الأكواب الزجاجيّة الطويلة الشكل والتي فرغ
الشارب منها في مثالٍ رائع للتكافل الجماعي ونقل العدوى بالجملة بين الناس بأمراض التيفود والتهاب الكبد
الوبائي .. وقد يرتدي بائع الويسكي طربوشاً أحمر فوق رأسه للفت الأنظار إليه
ودلالةً على اعتنائه بهندامه .. ويهيم البائع على وجهه في الطرقات والأسواق
مردّداً بعض العبارات المعروفة الخاصّة بهذا المشروب المنعش مثل: "شِفا وخمير
يا ويسكي" أو
"بارد وخمور يا بوربون" أو "يا وارد إيرلندا يا مثلّج قوي" أو
"اتهنّى واسكر يا عطشان" أو "إروي بَدَنك وطرّي على قلبك يا
سكران" .. وقد عُرِف هذا الشراب منذ تاريخٍ بعيد بمذاقه الحلو ذو الطعم
اللاذع الجميل والذي يُقبِل عليه الفقراء والأغنياء من جميع الأعمار خصوصاً في فصل
الصيف .. وفي شهر رمضان يشق الصائم ريقه بهذا الويسكي اللذيذ بعد آذان المغرب مباشرةً
ثم يعقبه بثلاث تمرات لتعم الفائدة ويزيد الأجر والثواب ليستطيع المُفطِر أداء
فرائضه وهو منتعش القلب منشرح الصدر مغيّب الوعي مسطول العقل.
وعقب هذا التصريح تكالب المواطنون على محلات
بيع البقالة والخردوات والعصائر لتخزين كميّاتٍ كبيرةٍ من الويسكي خوْفاً من ارتفاع
سعره ممّا تسبّب بالفعل في نقصه بالأسواق فجأة .. وقد طمأن وزير التموين السيّد
"أبو شعير الخمران" أفراد الشعب المصري بأن الوزارة في سبيلها لحل هذه
الأزمة الطاحنة بعد استيراد كميّات كبيرة من ويسكي الفور روزز وجيم بيم وجاك
دانيال من عدّة بلاد أوروبيّة نافياً معاليه الشائعات التي انتشرت بأن الوزارة
ستستبدل زجاجات الويسكي (التي يتم صرفها شهريّا داخل مقرّرات بطاقة التموين
المدعمة) بزجاجات زيت الشلجم وزيت عبّاد الشمس "عافية".
خمسة جَد بقى:
هذا المُترِب (مثير الأتربة) الأرعن لا يستحي
من اعترافه على الملأ بأنه ارتكب ويرتكب إحدى الكبائر التي نهى الله عنها .. قال
تعالى: "إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا
تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُدْخَلًا
كَرِيمًا" .. و جاء عن "زيد بن أسلم" أن النبي عليه الصلاة والسلام
قال: "مَن أصاب شيئًا من هذه القاذورات (أي
المعاصي) فليتُب إلى الله وليستتر بستر الله" ..
وهذا يدل على أنه ينبغي للمسلم أن يستتر بستر الله وألّا يفضح نفسه .. ولهذا لمّا
جاء الصحابي المدني "ماعز بن مالك الأسلمي" إلى النبي ﷺ يقول: إنه زَنا،
أعرض عنه النبي ﷺ عِدّة مراتٍ لعلّه يتوب ويستغفر ويرجع ولكن صحابياً آخر يُدعى "هزَّال"
ألح على "ماعز" ودفعه إلى تكرار الاعتراف بالزنا، فلمّا أصرَّ "ماعز"
على اعترافه لم يجد الرسول بُدّاً من الحكم عليه بالرجم لأنه كان محصناً .. وبعد
هلاكه قال عنه الرسول: "لقد تاب توبةً لو تابها طائفةٌ من أُمّتي لأجزأت عنهم (أي كَفَتهم)"
.. ثم نصح النبي "هزَّالًا" - والأُمّة من بعده - قائلاً: "واللهِ
يا هزّال لو كنت قد سترته بثوبك لكان خيْراً مما صنعت به".
فما بال هذا الـ"بيكا" يأبى أن
يستر نفسه ويُصر على الجهر بمعصيته وإبرازها للناس؟ .. بل ينصح الناس بأن تقلّل من شرب الويسكي مثله كي تتجنّب الإصابة بأمراض المعدة وليس تجنّباً لغضب الله أو لإطاعة أوامره .. وقد كان ذلك أمام ذاك الإعلامي الذي
يتجاذب معه اعترافاته المشينة بكل هدوءٍ وتَفهُّم دون أن يغضب لله أو يُنهي حوارهما
الشائن .. وقارن بين رد فعل المذيع أمام ما صدر من "بيكا" من تحدّي لله
وجرأته عليه وبين رد فعل نفس المذيع أمام ما قد يصدر من أي معارض يتحدّى الحاكم ويتجرأ
في انتقاد قراراته .. ألم يكن المذيع وقتها سيغضب من ذلك المعارض ويدفعه للسكوت أو
حتى يطرده من الاستوديو؟
أما وقد أعلن "بيكا" عن معصيته (واتهم ضِمناً كل المصريين بأنهم لا يكفّوا عن شُرب الويسكي) فيجب على ولي الأمر أو واحدٍ من أولئك المحامين الساعين للشُهرة الجوْفاء (كسمير صبري ونبيه الوحش وغيرهما) - الذين يسارعون برفع القضايا واختصام مَن يقول كلمة الحق (كإيمان البحر درويش مثلاً) وجرجرته في أروقة المحاكم وساحات القضاء – أن يتصدّوا للأمر باستتابة ذلك المدمن متعاطي الخمر أو تنفيذ حد الله عليْه (الجَلد أربعين جَلدة) أو حتى معاقبته بموجب القانون المصري (الحبس إسبوعين أو الغرامة بما لا يقل عن عشرين جنيهاً!!!!) .. والأهم من كل هذا هو منعه من إقامة الحفلات والظهور في الإعلام ومنعه من إفساد الشباب (بأغانيه الهابطة وأخلاقه المتدنيّة) الذين اتخذوه قدوةً ومَثلاً .. للأسف الأسيف.