المُخْ
- سَلامُ عَليكُم.
- وعَليكُم السَلام
ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُه.. يا أَهْلاً.. أُأْمُرِي.
- لَوْ سَمَحْت عايزَة
اتْنين كيلو كِرْشَة وكيلو مُمْبار.. ولَوْ عَنْدَك لَحْمِة راس هات نُص.
- كُلّه مَوْجود إنْ
شاءَ الله.
- طَبْ حَضَّرْهُم لي
عُقْبال ما اروح قِسْم البِقالَة أَجيب بامْية ومُلوخيَّة مُجَمَّدَة وكِيس عَـجينِة
فَلافِل.
- مِنْ عينيَّ الاتْنين.
لَمْ يَدُرْ هَذا الحِوارُ
في أَحَدِ الأَحْياءِ المِصْريَّةِ الشَعْبيَّة بَلْ في إحْدَى المَحَالِ التِجاريَّةِ
العَرَبيَّةِ بِمِنْطِقَةِ "باي ريدج" بِحَيِ "بروكْلين" الراقي
بِمَدينَةِ "نيو يورْك" "بالوِلاياتِ المُتَّحِدَةِ الأَميريكيَّة"،
ويُعْتَبَرُ هَذا الحَيُ فَريداً مِنْ نَوْعِهِ فَهُوَ يَضُمُّ بَيْنَ حَناياهُ أكْبَرَ
تَجَمُّعَيْنِ عَرَبيٍ ويَهودِيٍ يَعيشانِ في سَلامٍ وهُدُوء، وكانَ طَرَفَيْ الحِوارِ
إحْدَى السَيّداتِ المِصْريّاتِ المُغْتَرِباتِ وعَمَّ "وَحيدَ" الجزّارَ
المِصْرِيَ الذي هاجَرَ إلى "أَميريكا" مُنْتَصَفِ السَبْعينيَّات.
وأَثْناءُ تَحْضيرِهِ
لِطَلَبِ السَيِّدَةِ فوجِئَ عَمُّ "وَحيدٌ" بدُخولِ الشابِّ الفِلَسْطينيِ
"جِهادٍ" الذي سَألَهُ مُباشَرَةً :
- كيفَك يا عَم
"وَحيد".. فاضي يَوْم الأَحَد القادِم ولّا تَراك مَشْغُول؟
- إزَيَّك يا "جِهاد"
يا بني.. ما انْتَ عارِف إنْ أَجازْتي يوم الحَد.. فيه حَاجَة؟
- بِدْنَا تفَضِّي
حالَك طوال هَدا اليَوْم.. مِنْ شان نِحْنا منَظَّمين وقْفَة إحْتِجاجيَّة أَمام
المَتْحَف اليهودي هُنا في "بروكْلين".
- خير.. حَصَل حَاجَة؟
- والله مُو خير.. إبْتوجَد
مُنَظَّمَة إسْرائيلِيِّة يَهودِيِّة مُتَطَرِّفِة اسْمَها "حَباد" ناوْيِة
تِفْتِتِح مُجَسَّم لحائِط البُرَاق عَلَى إنُّه حائِط المَبْكَى اليَهودي.. وطَبَعَاً
إنْتَ بتِعْرِف إنْ هَدا تَكْريس لأُسْطورِة المَبْكَى والهَيْكَل المَزْعوم.. بِدْهُنْ
يقولون إنْ المَسْجِد الأَقْصَى و"القُدْس" حَقَّاتْهُنْ.. والله هَدا
ما بيْصير طول ما نِحْنا مصَحْصَحِين وبنِتْظاهِر وبنِفضِح هايْدي المُنَظَّمِة
العَوَنْطَجيِّة وبنوَضِّح للمُجْتَمَع الأَميريكي إنْ الحَق في جانِبْنا.. إيش رَأْيَك؟
- رَأْيي فِ إيه يا
بْني؟.. أَنا مالي بِكُل الكَلام دَه.
- ولَوْ.. كيف مالَك؟..
إنْتَ عَرَبي مِتْلِنا ويَجِب عَلَيْنا نِتْوَحَّد في وَجْه هادولَه الصَهايْنِة..
إنْتَ مو بتُؤْمِن بالوَحْدَة العَرَبيِّة؟
- يا عَم صَلِّي عَ اللي
حَ يشْفَع فيك.. هُوَّ يَعْني وَقْفِتْنا قُدَّام المَتْحَف حَ تخلّيهُم يرْجَعوا
فِ كَلامهُم ولّا يسيبوا "القُدْس".. خَلّينا نشوف أكْل عيشْنا.. بَلا تَجَمُّع
بَلا هيصَه.. أَنا كِدَه لوَحْدي ميَّة ميَّة.. عَنْدِنا فِ "مَصْر" مَثَل
بيقول : "الوِحْدَة عبادَة.. وطول ما انا وَحْداني أَبْقَى مَلِك زَماني".
- براحْتَك يا خوي..
رَبْنَا يهْدينا جَميعاً.. بإذْنَك.
- إذْنَك مَعاك يا حَبيبي.
والتَفَتَ
"وحيدٌ" لزَميلِهِ في العَمَلِ قائِلاً :
- يا خويا انا مِشْ عارِف
العِيال دي بتْفَكّر إزّاي؟.. هُمَّ مِشْ عارْفين إنّنا فِ بِلاد غُرْبَة ولازِم نِبْقَى
فِ حالْنا.. أكيد مُخُّهُم مِتْرَكِّب شِمال.. وجاي لي انا يعْمِل لي غَسيل مُخ..
وقال إيه وِحْدَة عَرِبيَّة.. خَلاص يا با.. "عَبْد الناصِر" مات.. أَنا
الوِحْدَة اللي اعْرَفْها إنّي ابْقَى لوَحْدي.. صَح يا زميلي؟
- عَلَى رَأْيَك يا
معَلِّم.. أَخَدْنا إيه مِنْ "فَلَسْطين" غير وَجَع القَلْب والحوجَة والغُرْبَة..
شوف كام حَرْب دَخَلْناها عَلَشَان خاطِر نحَرَّر "فَلَسْطين".. كام واحِد
ماتوا وكام مِليار جِنيه راحوا خَلّونا نِشْحَت.. كان زَمانَّا قاعْدين فِ بَلَدْنا
كافيين خيْرنا شَرَّنا.. صَحيح دي بَلَد أَوِّلْها "فَلَس" وآخِرها
"طين".
- ياللا يا سيدي خَلّينا
نخَلّص الطَلَب اللي فِ ايدينا.. بَلاها شُغْل بَقَى ونُقْعُد فاضيين للمُظاهْرات
والاجْتِماعات والكَلام الفارِغ دَه.. حَاجَة تجَنَّن.
- بمُناسْبِة الاجْتِماعات..
القُنْصُلِيَّة المَصْريَّة هِنا عامْلَة اجْتِماع للمَصْريّين عَلَشَان يناقْشوا مَشَاكِل
الجالْية المَصْريَّة.. حَ تروح؟
- يا بني الساعْتين
تَلاتة بُتوع الاجْتِماع دول انام لي فيهُم أَحْسَن.. عَ الأقَل أَرَيَّح مِ الشَقا
اللي انا فيه.. ما انا أَصْلي عارِفْهُم كوَيِّس.. حَ يقْعُدوا فِ الاجْتِماع دَه يِرْغوا
ويلِتُّوا ويِعْجِنوا.. وكُل واحِد حَ يِمْسِك لُه الميكْرُوفون شِوَيَّة وهاتَك
يا دَشْ.. وفِ الآخِر مِشْ حَ يِتِفِقُوا عَلَى حَاجَة ويِرْجَع أَخوك عَنْد أَبوك
وزَيْ ما رُحنا زَيْ ما جينا.. زَيْ مُؤْتَمَرات القِمَّة العَرَبيَّة بالظَبْط.. ما
اعْرَفْش الرُؤَسا العَرَب بيِحْضَروا القِمَم دي ليه؟.. يمْكِن بيصرِفوا بَدَلات
سَفَر واجْتِماعات.. ولّا يمكِن عَلَشَان كُل واحِد بياخُد وَجْبَة ومَشْرُوب فِ كُل
مُؤْتَمَر.
- واللهِ عَنْدَك حَق..
هيَّ الجاليَة المَصْريَّة ولّا حَتَّى الجاليَة العَرَبيَّة كُلّها حَ تِبْقَى عُمْرَها
زَيْ اللوبي اليَهودي اللي واخْدين حَقُّهُم تالِت ومتَلِّت.. مَعَ إنْ عَدَدْهُم
ما يجيش رُبْعِنا.
- يا راجِل الكَلام
مِشْ جاي مِنُّه خَلاص.. ما فيش فايدَة.. أَنا حَ اروح اتِّصِل بالخَوَاجَه
"سَمْعان" صاحِب المَحِل مِ التِليفون العُمومي اللي فِ أَوِّل الشارِع..
لمّا تيجي السِت صاحْبِة الطَلَب إبْقَى ادّيها الكيس دَه واعْمِل لَها بون بتَلاتَة
واربِعين دولار.. ولَوْ حَدْ مِ الزَبايِن عازْني خَلِّيه يسْتَنَّاني.. أَنا راجِع
عَلَى طول.
وما إنْ وَصَلَ
"وَحيدٌ" لكابينَةِ المِسَرَّة حَتَّى وَضَعَ العُمْلَةَ وضَغَطَ عَلَى أَرْقامِ
هاتِفِ الخَوَاجَه وقالَ بِصَوْتٍ خَفيض :
- إزَيَّك يا خَوَاجَه..
أَنا "وَحيد".. الحَمْدُ لله أَنا كوَيِّس.. مَعْلِهش باتِّصَل مِنْ غير
ميعاد.. بَسْ انْتَ قُلْت لي أَبْقَى اتِّصِل بيك فِ أَيْ وَقْت لَوْ عَرَفْت حَاجَة
مُهِمَّة.. خير إنْ شاءَ الله.. بَقَى يا سَيدي فيه شويَّة عَرَب حَ يعْمِلوا مُظاهْرَة
قُدَّام المَتْحَف اليَهودي اللي هِنا فِ "بروكلين" يوم الحَدْ الجاي.. أَيْوَه
الله ينَوَّر عَليك تَمام كِدَه عَلَشَان حيطِة المَبْكَى دي.. طَبَعَاً أَنا عارَف
إنَّك تِحِب تِعْرَف كُل حَاجَة بتِحْصَل إكْمِنَّك أَصْلاً لُبْناني عَرَبي.. مِشْ
بصِفَتَك أَمْريكاني وعُضْو فِ مَجْلِس البَلَديَّة.. طَبَعَاً طَبَعَاً لَوْ عَرَفْت
أَيْ حَاجَة تانيَة حَ اقولْها لَك عَلَى طول.. آه شُكْراً.. عَرَفْت إنَّك زَوِّدْت
مُرَتَّبي.. بَسْ انا اللي يهِمِّني رِضاك عَنَّي واللهِ.. خَلاص خَلاص.. ماشي.. مَعَ
السَلامَة.
وعِنْدَما قَفَلَ
"وحيدٌ" راجِعاً لِمَحَلِّ عَمَلِهِ وَجَدَ عَميلاً يَنْتَظِرُهُ ليَسْأَلَه
:
- عَنْدَك مُخْ؟
فأَجابَه "وحيدٌ"
مِنْ فَوْرِهِ دونَ تَرَدُّد :
- لا واللهِ.. ما عَنْدِيش مُخْ.