الفصل الأوّل | شيء من الخبث (2)
"طهطاوي":
- إسمع بس يا عمدة.. والله انا ف صفّك.. هوَّ
انا انسي فضلك عليَّ.. ده انت كنت ريّسي ف الهجّانة من سنين.. وانت اللي نطرتني من
قمباشا لأكبر ظابط فيكي يا هجّانة.. هوَّ انا كنت احلم بكل ده.. ده احنا واكلين
شاربين قاسمين سوا.. هوَّ حد يرضى بقلّة الأصل يا هوه؟
"عتريس":
- طب يا خويا فكّر نفسك.. وافتكر أصلك كويس.
"طهطاوي":
- يا سي "عتريس" ده انا لحم كتافي
من خيرك.. ده انا عبدك المأمور يا عمدة.. بس اقول لك إيه بس؟.. لا حول ولا قوة إلا
بالله يا ناس.. إفرض مثلاً مثلاً إن واحد قليّل سفيّف كده (وأشار بالسبّابة لأعلى
وهو يلفّها يميناً ويساراً) لقي ابنه أو صاحبه القليّل السفيّف زيّه بيتخانق مع
واحد طول بعرض قد التور.. يعمل إيه؟ يتغابى ويدخل في الخناقة وياخدوا سوا علقة موت
م التور؟.. ولا الأحسن يندار على ابنه أو صاحبه ده ويغلّطه ويزعّق له زُعّيقتين أو
حتّى يسفخه قلمين خفاف كده على صداغه لحد ما يسجّد الراجل التور دكهه.. والموضوع
يتلّم ويخلص؟
"عدنان":
- والله فكرة نميسة يا عمدة.
"عتريس" وقد بدا أنه بدأ يستسيغ
الفكرة:
- فكرك كده؟
"طهطاوي" حاسماً:
- بص يا عمدة.. م الآخر كده احنا مش ح نقدر
عليهم بالقوّة.. لازماً من الحيلة مع ولاد المركوب دول.. أنا ح اطلع لهم واقول لهم
إنك ح تتنازل لي عن العموديّة وح ترحل عن البلد ف أمان.. ويا دار ما دخلك شر.
"عتريس" وقد عاد عن إقتناعه:
- أيوه كده بان على أصلك يا عفش.. اتنازل لك
انت يا معفّن؟.. والله ما يحصل أبداً.
"طهطاوي" غاضباً:
- خلاص يا عمدة أنا محقوق لك.. شوف انت
عايزني أعمل لك إيه وانا تحت أمرك.
"إسماعيل":
- طب يا عمدة ما تطلع لهم وتقول لهم إنك ح
تفضل ف العموديّة كام شهر كده بس لغاية ما المركز يعيّن لنا عمدة جديد.. أو إن شا
الله همَّ اللي ينقّوه من وسطهم.. أهو يبقى كسبنا وقت نلّم فيه فلوسنا ودهبنا
ونبيع أراضينا ومواشينا ونرستق نفسنا قبل ما نرحل عن أم البلد دي.. ومن ناحية
تانية نستنّى ونشوف يمكن الأمور تنصلح والناس تهبط ونفضل راكزين على
قلوبهم.
"عدنان":
- إنتم كده بتضيّعوا وقت وبتفوّتوا الفرصة..
دي الناس بتغلي بره.. وكل مادا ما بيطلبوا طلبات أكتر واكتر.. أنا شايف إننا نسمع
كلام سي "طهطاوي".
"عتريس":
- طبعاً يا خويا ما انت لازم تعوم على عومه..
ما انتم الاتنين راسين ف طاقيّة.. لأ.. أنا ح امشي بدماغي.. أنا طالع لهم.
وهّم "عتريس" بالخروج لأهل البلد
إلا أن "إسماعيل" استوقفه قائلاً :
- إلبس الأوّل العباية الصوف يا سي
"عتريس".. الدنيا برد برّه وانت عضمة كبيرة.. ولو إن من رأيي إنك ما
تخرجش بالساهل كده لأهل البلد ده الوقت علشان ما ترخّصش نفسك قدّام ولاد الهرمة
دول.. خلّيهم ملطوعين لحد نص الليل مستنيينك ف الطل.. علشــان ما يقولوش إنك
اتهــزّيت منهم وح تخضع لهم.
"عتريس":
- عندك حق ياد يا "إسماعيل".
ويظل أهل البلد منتظرين حتّى انتصف الليل؛
فإذا بالعمدة يطل عليهم من شرفة الطابق العلوي ولكن بعد فوات الأوان فقد بدأت كرة
الثلج في التدحرج ولن يوقفها أحد، ولم يعد بمقدور أهل البلد أن يقبلوا بأقل من حرق
دوّار العمدة بمن فيه بعد تخليص "فؤادة" من محبسها.. فما إن لاح العمدة
لهم إلّا وبدأوا في قذف المشاعل النارية تجاهه من جديد.. مما اضطره لمغادرة الشرفة
وغلق بابها من الداخل عائداً لمجالسيه وهو خائب الرجاء.
"طهطاوي":
- شوفت يا عمدة.. العفريت خرج من القمقم خلاص
والناس كل مادا ما بتولّع أكتر واكتر.. إسمع كلامي ربنا يهديك.
"عتريس" وهو محبط:
- ماشي.. بس مش ح اتنازل لك لوحدك علشان
الشيطان ما يركبكش وتطمع ف العموديّة ليك على طول.. أنا ح اتنازل لكل الظبّاط
الكبار ف الهجّانة.. إنت و"عدنان" و"بدير" و"جاهين"
و"عليش" و"الجويني" و"البنجري" و"عفارة"
و"الجلّا" و"عثمان"... والكل كليلة يحلّوا محلّي.. لحد ما
تنشف وتبان زقازيقها.
وتملّك الجذل والسرور من "طهطاوي"
فردَّ قائلاً :
- وماله.. عين العقل واللهِ يا عمدة.. بس
معلهش فيه حاجة كمان.
"عتريس":
- قول يا خويا.. ما هي خربت خلاص.
"طهطاوي":
- أهل البلد مش ح يسيبوك تخرج منها صاغ
سليم.. واحنا لازماً نحميك منهم.. بس مش ح نقدر نحميك واحنا ف صفّك.. إحنا ح نعمل
نفسنا ضدّك.. وح نقبض عليك وح نحاكمك.
وطفق يقول وهو يغمز بعينه اليسري ويعض على
شفته السفلي ليؤكد على أن ما يقوله لن يحدث في الحقيقة:
- ومش حضرتك لوحدك.. لأ.. ده انت ومرتك
القديمة "سلوان" وعيالك منها سي "كمال" وسي
"ولاء".. أهو برضك علشان نحميهم همّ كمان.
ونظر "طهطاوي" إلى
"إسماعيل" واستدرك قائلاً:
- وانت راخر تبقى معاهم.. إنت وشيخ البلد
وشوية من الأعيان اللي واكلينها والعة على شوية غفر.. ما احنا لوسيبناكم لأهل
البلد برّه ح يقطّعوكم حتت.
"عتريس":
- باقول لك إيه يا "طهطاوي" أنا مش
عايز بهدلة أنا ومرتي وعيالي على آخر الزمن.. لاحسن وعهد الله اقلبها لكم دندرة..
فاهم؟
"طهطاوي":
- إطمّن يا سي "عتريس".. حط ف بطنك
شادر بطيخ.. أنا عايزك بس تبقى واثق ومتأكّد إننا كلنا ستر وغطي على بعض وما لناش
غير بعض ف الآخر.. المهم إن ما حدّش غريب يدخل بيناتنا ويكشف المستور ويقلّب ف
القديم والجديد.
"عتريس" وهويتحسّر على ما آلت إليه
الأمور:
- خلاص.. وإن كان على "فؤادة" تغور
ف داهية مش عايزها.. صحيح شفت لي معاها يومين حلوين بس آهي قلبت بغم.. ربّنا يجيب
العواقب سليمة.