الفصل الخامس (2) | نهاية العالم
وشملت العلامة
الثانية كذلك ادّعاء رجلٍ شيعي من "العراق" أنّه هو "المهدي
المنتظَر" فقد أذاع التلفاز العراقي خبراً عنه وسبق أحد المذيعين إلى
محاورته:
- السلام عليكم.
- علينا وعليكم
السلام.
- ما اسمك؟
- خليفة الله في
الأرض الإمام الثاني عشر "أحمد بن الحسن البصري" المهدي المنتظر رضي
الله عني وأرضاني.
- وكيف وصلتك
المهداويّة؟
- أنا كنت إنساناً
عاديّاً.. ولم أشعر أنني المهدي المنتظر ولم أطلب ذلك لنفسي حتّى زارني رسول الله
"محمّد" في المنام أمس فقط وكلّفني بالمهداويّة وأعطاني خاتم النبوّة
الذي وجدته فجأة في إصبعي هذا عندما استيقظت.. ووكّلني الرسول في هداية الناس وحشد
جيشٍ من المؤمنين لمحاربة الكفّار.
- إذن أنت مكلّف من
الرسول وليس من الله؟
- لا.. أنا مكلّف من
الله ولكن عن طريق أخي "محمّد".. يعني تستطيع القول بأنّي رسولٌ من
الرسل.
- وسيّدنا
"محمّد" عليه الصلاة والسلام أليس هو خاتم المرسلين؟
- هو خاتم المرسلين
في زمانه فقط.. ولكني أنا خاتم المرسلين في آخر الزمان.
- وهل ينزل عليك
وحيٌ من الله؟
- نعم يأتيني في
الرؤى والأحلام ويمليني أوامر الله ورسالته إلى الناس؟
- وما هي رسالتك
التي أرسلها بك ربّك؟
- رسالتي هي السلام
والمحبّة ودعوة الناس إلى عبادة الله الواحد.
- نعم نعم.. تلك هي
رسالة الأنبياء جميعاً.. ولكن ما الذي خصّك به الله تمييزاً عن غيرك؟.. وما هي
آيتك؟.. وما هو كتابك المقدّس؟
- أنا لا أدّعي أن
لي من الصفات ما يميّزني عن غيري ولكنني عبدٌ من عباد الله اصطفاني لإرشاد وتوجيه
الناس قبل قيام الساعة ومن يأبى تصديقي فقد كفر بالله ومصيره جهنّم وبئس المهاد
ولسوف يظهرني الله على الكافرين بكوْكب العذاب في ليْلةٍ وهم صاغرون.. ولم يبتعثني الله لهُدى أمّة الناس فحسب فلن تتحقق غايتي إلّا
عندما يهدي الله بي من البعوضة فما فوقها وذلك لأني أعبد الله كما ينبغي أن يُعبد..
ولن أفصح عن آيتي الآن حتّى تكتمل عناصرها فأنا في انتظار المزيد من الوحي
والتلقين.. أمّا كتابي المقدّس فهو القرآن الذي أُمِرت بان أكشف أسرار حقائقه
الخفيّة وأعيد تأويله وتفسيره.
- إذن فأنت تحفظ
القرآن كلّه عن ظهر قلب؟
- لا.. فقد بعثني
الله أميّاً كأخي "محمّد".. حتّى القراءة والكتابة فأنا أجهلها تماماً.
- ولكن ليس المقصود
بأنّ "محّمد" عليه الصلاة والسلام كان نبيّاً أميّاً أنّه لا يعرف
القراءة والكتابة.. فمعنى "أمّي" هنا هو من تُؤَمّ له كافّة الرسل
والنبيّين والمؤمنين فيصير إماماً لهم.. وهناك من يفسّر كلمة "أمّي"
بأنّها تعني من ينتسب إلى أمّة العرب التي ليس عندها قبل القرآن كتاب.. أو معناها
النبي الذي يُنْسَب إلى "مكّة" أمّ القرى.
- تفسيراتك مغلوطة..
لقد قصد الله أن يكون أخي "محمّد" جاهلاً حتّى لا يقال أنّه هو الذي
يكتب القرآن بنفسه ويتأكّد الناس أنّ القرآن مُنَزَّلٌ من عند الله فعلاً.
- وكم عدد أتباعك؟
- هم الآن قليلون..
لإنّني مشغول عن تجميع الأتباع.. فأنا أقضي يومي في تسخير الجن لمحاربة المسيخ
الدجّال وهو بالمناسبة عمّي شقيق أبي.. ويساعدني في ذلك جيوشٌ مجيّشة من
الملائكة.. وعندما أفرغ من ذلك سيبدأ التغيير في العالم وسأقوم بجمع أتباعي الذين
سيصبحون بالملايين لنزحف معاً نحو القسطنطينيّة لنفتحها في غضون أيّام.
- كلمة أخيرة
توجّهها للمشاهدين.
- يا أيها الناس: لا
تحقّرون من شأن الإمام المهدي الذي جعله الله إماماً للمسيح عيسى بن مريم.. فاتقوا
الله ولا تتدخّلوا في شئون الله.. يرفع درجاتٍ من يشاء وإلى الله تُرجَع الأمور.. أفكلما
فضّل الله عبداً مثلكم.. فإذا أنتم تدعونه من دون الله!.. توبوا وأنيبوا وفِرّوا
إلى الله وائتوني مؤمنين فقد أتيت بالحق الملجِّم للعقول فلا تصدِّقوا علماءكم الذين
أعمى الله بصائرهم عن رؤية الحقّ من ربّهم إلا من رحم ربّي منهم.
واكتفى المذيع بهذا
الفاصل من الهرطقة والسفسطة التي إن دلّت على شئ فإنما تدلّ على حيرة الناس
وارتباكهم حيال هذه الأحداث المتوالية الملتبسة التي يختلط فيها الحابل بالنابل.
وكانت العلامة
الثالثة التي برزت صباح اليوْم كذلك هي إعلان الحكومة الإسرائيليّة عن رفع حالة
التأهّب والاستعداد القصوى لحالة الحرب في كافّة قطاعات الجيش الإسرائيلي على طول
حدودها المشتركة مع جيرانها العرب وتمّ كذلك إعلان حالة الطوارئ والاستنفار
والتعبئة العامّة واستدعاء القوّات الاحتياطيّة فوْراً لحشد أكبر عدد ممكن من
أفراد الجيش اليهودي تحسّباً لصد أي محاولات هجوميّة تبذلها الدول العربيّة
والإسلاميّة لاجتياح الكيان الصهيوني وذلك بعد ما أعلنه شيخ الأزهر صراحةً في
مؤتمر الأديان على مرأى ومسمع من العالم كلّه عن نيّة العرب والمسلمين لقتال
اليهود وإبادتهم تنفيذاً ونُصرةً لمعتقداتهم وتنبّؤاتهم عند اقتراب الساعة، ونشطت
المؤسّسات الحكوميّة الإسرائيليّة في توعية الناس بكيْفيّة التصرّف إذا ما تعرّضوا
لهجومٍ نووي أو كيماوي أو أي هجوم مسلّحٍ تقليدي آخر، وشرعت في تجهيز وتحضير آلاف
الملاجئ للاحتماء بداخلها عند الضرورة وكذلك تمّ توزيع ثمانية ملايين قناعاً
واقياً من الغازات السامّة لجميع أفراد الشعب اليهودي فتعيّن على المتديّنين
الملتحين منهم (الحريديم) حلق شعر لحاهم ليستطيعوا ارتداء هذه الأقنعة والكمامات،
وسرى الخوف والفزع والهلع داخل المجتمع اليهودي كسريان الدم في العروق في حين
تضامنت الحكومات الغربيّة المسيحيّة الكاثوليكيّة الموالية "لإسرائيل"
مع نظيرتها في "تل أبيب" فتوالت على الأخيرة برقيات التأييد والتعاطف بل
ومضت في إقامة الجسور الجويّة من "أوروبا" و"أمريكا
الشماليّة" "لإسرائيل" لإمدادها بالمعونات والتجهيزات العسكريّة
والطبيّة والغذائيّة والإنسانيّة اللازمة لمواجهة أي هجومٍ محتمل من العرب
والمسلمين أحباب "محمّدٍ" عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وأطيب البركات
فقد اعتقد الغربيّون أن هذه المواجهة بين المسلمين واليهود هي إرهاصات مبدئيّة
لموقعة "هار مجدون" الفاصلة، أمّا الدول العربيّة وحكّامها- وكعادتهم
دائماً في ضحالة ردّ الفعل والتأخّر عن مواكبة الأحداث- فقد أعلنوا عن نيّتهم عقد
مؤتمر قمّة عربي لمناقشة الأحداث الراهنة واختلفوا على موعد ومكان انعقاد هذه
القمّة ومستوى تمثيل كل بلدٍ فيها، فمنهم من طالب بعقدها في التو واللحظة بعد
أسبوعٍ فقط ومنهم من أيّد عقدها بعد شهر لاستكمال التحضير الأمثل لها في حين رأى
البعض عدم أهميّتها من الأساس، وفيهم من أراد عقدها في "القاهرة" قلب
الأمّة العربيّة وفيهم من اقترح "مكّة" قبلة المسلمين بخلاف آخرين
فضّلوا "الدار البيضاء" كنافذةٍ لهم على المجتمع الغربي، وبعضهم اشترط
حضور ملوك أو رؤساء الدول بأنفسهم وبعضهم آثر اشتراك أولياء العهد أو رؤساء
الحكومات بل لم يمانع غيرهم في الاكتفاء بوزراء الخارجيّة أو السفراء، وظلّ الخلاف
قائماً دون حلٍ يلوح في الأفق وكأنّما يصر العرب على ألّا يتفقوا ولو مرّة قبل أن
تزول الدنيا وما عليها ولعلّهم يخافون التوافق والتضامن والتآلف فهي من علامات
قيامة العرب ونهايتهم.