خبر
أخبار ملهلبة

يا خي صحّة.. وعافية (2) | فضائح مصر المهروسة لابن النكدي




يا خي صحّة.. وعافية (2)

 

 

واختمرت الفكرة في رأس "عزرائيل" ورأى أنها ستجعله ينقذ المصريين من مقصلة تراخي المسؤولين وتهاونهم وأنها أيْضاً ستقلّل من معدّل عمله شخصيّاً ؛ فشرع في تنفيذها فوْراً وتوجّه مباشرةً إلى رئيس مجلس إدارة سكك حديد "مصر" فوجده في اجتماعٍ هام مع مرؤوسيه لبحث سبل تطوير الخدمة بعد رفع أسعار التذاكر في جميع الخطوط، ولأن "عزرائيل" عندما يقبض الروح يظهر لصاحب هذه الروح فقط دون سواه - وحينها يتوقّف الزمن لفترة يمكن فيها لصاحب الروح أن يتحاور قليلاً مع "عزرائيل" دون أي تغيير في الظروف المحيطة بهما - فإن رئيس س ح م (وهو اختصار سكك حديد مصر أو قُلْ: السبب الحقيقي للموت) تملّكه الفزع حين رأى "عزرائيل" وتعرّف عليْه على الفوْر وحاول أن يتملّص من الموْت كغيْره من البشر قائلاً:

- أهلاً وسهلاً "بعزرائيل".

- أعرفتني؟

- ومين ما يعرفش سيادتك.. خير؟.. فيه حاجة؟

- لماذا تسأل وأنت تعرف مهمّتي الوحيدة التي أتقن القيام بها؟

- قصدك إنّك جاي تاخد روحي؟

- بل حضرت لأجمع الغسيل المتّسخ!!.. بالطبع لأقبض روحك.

- بس انا لسّه صغيّر.. ده انا ماكمّلتش التمانين.. والنبي سيبني حبّة كمان.

- أتمزح يا رجل؟.. وهل أؤجّر لك درّاجة لتقول هذا؟

- أنا آسف.. مش قصدي.. معلهش.. أنا مرتبك شويّة.. أصلي أوّل مرّة أموت فجأة كده.

- المرّة القادمة سأرسل لك إنذاراً بعلم الوصول على يد مُحْضَر.

- بس انا عملت إيه غلط؟

- بل قُل ماذا فعلت صواباً.. يكفي أن أعداد ضحايا القطارات قد تضاعف في عهدك.

- أنا؟.. ده انا من ساعة ما مسكت الهيْئة ما ماتش غير 2700 واحد بس في حوادث القطارات.

- أتستهين بهذا العدد الضخم؟.. إنها لمصيبةٌ نازلة.

- ما هو العدد كان أكتر من الضعف قبل كده.. ده كده رحمة.

- رحمة!.. ها ها.. فما هي القسوة إذن؟

- يا معالي "عزرائيل" أنا باعمل كل جهدي.. باعمل اجتماعات وبادّي تعليمات وباوزّع أوامر على الناس اللي تحت إيدي علشان نقلّل من حوادث الهيْئة.. بس فيه ناس ما بينفّذوش التكليفات والواجبات المطلوبة منهم.. عندك مثلاً الأسبوع اللي فات أنا مدّي خصم يومين للنائب بتاعي علشان ما بلّغش القرارات اللي اتخذتها لرؤساء القطاعات وقبل كده عامل له لفت نظر اتسجّل في الدوسيه بتاعه علشان ما مرّش ع الورش يشوف الشغل ماشي فيها إزّاي.. يعني واحد زي ده ما يشوفش شغله تقوم سيادتك تسيبه وتيجي تطلّع روحي أنا.. كده ما يرضيش ربّنا.. يعني عايزني كل يوم اعدّي على كل عربيّات القطارات وكل بلوكّات التحويلة وكل المزلقانات وكل المحطّات ف الجمهوريّة؟.. مش معقولة.

- إذن فنائبك هو السبب؟

- أيوه طبعاً.. وتلاقيه بيعمل كده علشان يعمل لي سُمعة زي الزفت يقوم معالي الوزير يشيلني ويجيبه بدالي.

- إممممم.

- يعني ح تسيبني والنبي؟.. ده انا عندي عيال صغيّرة قرّبوا على سن المعاش ولسّه عايز أأمّن مستقبلهم.

- لا يسعني أن أتركك.. لإنّك أوّلاً مشتركٌ في المسؤوليّة مع نائبك الذي كان يجب عليك أن تقيله تماماً.. ثانياً لإنك رأيتني ومن يراني لا يرى أحداً بعدي.. هيّا لا تجادل كثيراً وانفِذ روحك داخل هذا الجوال بأمر الله.

وامتثلت روح رئيس الهيْئة لأمر "عزرائيل" واستعاد الزمن إيقاعه فخرّ الرئيس صريعاً دون مقدّمات بين مرؤوسيه الذين تركهم "عزرائيل" يحاولون إفاقة رئيسهم دون جدوى وأسرع ليقبض روح النائب الذي لم يحضر هذا الاجتماع لخلافات بينه وبين رئيسه الذي رحل فجأة، وعندما وصل "عزرائيل" إلى بيت النائب وجده يتحدّث مع أحدهم في الهاتف قائلاً :

- واللهِ زي ما باقول لك كده يا "حسين".. أنا اللي باعمل الشغل كلّه وهوَّ بيقبض مرتب رئيس الهيْئة ع الفاضي.. قال الاسم لطوبة والفعل لأمشير.. ما هوَّ اللي عايز يعمل فيها رئيس مجلس إدارة ويثبت شخصيّته قدام الموظّفين.. عندك حق.. أنا اللي سكت له على لفت النظر وده اللي شجّعه يخصم مني يومين.. آديني سبتها له مخضّرة خلّيه يورّيني ح يعرف يمشّيها ازاي.. خلّي سي "عبد الكريم" ينفعه.. يا راجل ده "عبد الكريم" ده هوَّ السبب في كل الحوادث اللي حصلت من ساعة ما جا.. آه.. مدير مكتب أونطة وحياتك.. ده غير إن الـ... طب خلّيك معايا ع الخط دقيقة واحدة أصل المحمول بيرن.. آلو.. أيوه يا "سعاد".. خير؟.. إيه؟.. معقولة؟.. ها ها هاي.. لاحوْل ولا قوّة إلا بالله.. اللهمّ لا شماتة.. ها ها ها.. تصدّقي زعّلتيني يا شيخة.. ههههههه.. لا أبداً.. وهوَّ فيه حد يفرح في الموت.. أنا بس مستعجب على إن ربّنا خلّص منه اللي عمله فيّ بسرعة كده.. أنا دعوتي ما تنزلش الأرض.. طبعاً طبعاً.. لازم آجي الإدارة حالاً ما هو انا ده الوقت رئيسها القانوني لغاية ما الوزير يطلّع قرار بكده.. ده انا أوّل حاجة ح اعملها بعد ما اقعد ع الكرسي إني أحوّل الزفت "عبد الكريم" للتحقيق.. واللهِ لارفته.. ماشي سلام.. ابقي استنيني هناك.. سلام.. أيوه يا "حسين".. سمعت اللي حصل؟.. رئيس مجلس الإدارة اتنيّل مات.. هههههههه.. اللهمّ لا شماتة.. ربّنا عادل ما يرضاش بالظلم.. ياللا سلام ده الوقت علشان اروح اشوف الدنيا عاملة إيه هناك.. باي.

وما إن وضع النائب سمّاعة المسرّة حتّى تراءى له "عزرائيل" فتوقّف الزمن ودار بينهما حديثٌ لم يختلف كثيراً عن سابقه الذي جرى مع رئيس الهيْئة، فبعد فزع النائب وتوسُّلاته إلى "عزرائيل" لعدم قبض روحه أنحى الرجل باللائمة على المدعو "عبد الكريم" الذي هو السبب الرئيس في زيادة معدّل حوادث الهيْئة بتدخّلاته في العمل وإثارته لحفيظة باقي الموظّفين لدفعهم للإهمال في العمل، واضطر "عزرائيل" لقبض روح النائب والذهاب سريعاً إلى هذا الـ"عبد الكريم" الذي هو أُس البلاء وأساس المصائب، وتكرّر الأمر بحذافيره فقد تنصّل الرجل من المسؤوليّة وانتقد رؤساء قطاعات الهيْئة (الشبكات والخطوط والمحطّات والكباري والأنفاق والمزلقانات والورش والصيانة والجرّارات والعربات وخدمة نقل الركّاب) والذين هم السبب الأساسي - من وجهة نظره - في الكوارث المريعة التي يتساقط فيها الضحايا كالذباب، وحار "عزرائيل" فيما يفعل ولكنه أُرغِم على إكمال ما بدأه حتّى النهاية فأخذ روح "عبد الكريم" ووضعها في جواله وطار إلى رؤساء القطاعات وحصد أرواحهم بعد أن اتّهموا مديري العموم بأنهم هم مبعث الخَطْب وعلّة المُلمّات، وهكذا مرّ "عزرائيل" عليهم وحشّ أرواحهم جميعاً بعد أن استمع إلى دفاعهم وإدانتهم لمن يليهم في الترتيب الوظيفي وهم مديرو الإدارات المنتشرون في ربوع البلاد، وامتلأت جعبة جواله فآب سريعاً إلى السماء حيث أفرغها ونزل الأرض مرّة أخرى لحصد المزيد من أرواح موظّفي هيْئة "سكك حديد مصر" التي فرغت من أفرادها رويْداً رويْداً بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى نوّاب المديرين والمهندسون والعمّال الذين تهاونوا في آداء أعمالهم فترى منهم مَن نام أثناء فترة عمله وترك قطاريْن على نفس الخط حتّى تقابلا واصطدما فخلّف ذلك المئات من الضحايا، وتجد فيهم مَن تغافل بالتحدُّث في الهاتف المحمول أو شُرب الشاي أو تناول الطعام وسط ممارسته لمهام وظيفته ففوجئ بالقطار يقتحم المحطّة ويخرج عن القضبان فيقتل ويصيب المزيد من الضحايا، وتكتشف مِن ضمنهم مَن نام خلال نوبتجيّته أو ذهب لقضاء حاجةٍ من حوائجه وترك المزلقان مفتوحاً على مصراعيْه فتسبّب في موْت مَن يقطعون طريق القطار.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent