"أرواح بلا قبور" | الكنز الملعون (3)
ومرّ شهرٌ على وجود "عبدون"
"بالأقصر" لم يحدث فيه جديد حتّى اتّصل "عبدون" بأحد اصدقائه
"بأسوان" واستعلم منه عن صاحبهما المشترك "إدريس" فعرف أنّه قد
أصابه مسٌ من الجنون وأصبح يهيم على وجهه يطارده الأطفال في شوارع المدينة مرتدياً
أسمالاً بالية وذلك بعد أن وجده بعض الناس ملقى على شاطئ البر الغربي مغشيّاً عليْه
وقد امتلأ جسده بالجروح والكدمات إثر تعرّضه لضربٍ مبرحٍ من مجهولين ولكن الغريب
في الأمر أنّه يبدو أنّ أحد الطيور الجارحة ذوي المنقار الحاد قد نقر عيْنيْه
أثناء غيبوبته ففقأهما ممّا أدّى إلى فقدانه البصر وإصابته بالعمى وذُهِل
"عبدون" ممّا سمع وارتعب رعباً شديداً من لعنة الفراعنة التي يبدو أنّها
أصابت صاحبه وشريكه في الجريمة، ولكنّه في ذات الوقت تشجّع على النزول
"لأسوان" فقد اطمأنّ أن "إدريس" لم يشي به بل لن يصدّقه أحدٌ
إذا كشف ما حدث بعد أن أصبح مجنوناً.
وعندما عاد "عبدون" للإقامة في
منزله شعر بأنه مراقَب طوال الوقت وأن عيوناً تطارده أيْنما ذهب وبدأ يفقد أعصابه
وينهار ثباته حين كانت تتراءى له في الظلام أشباحاً ترتدي الزي الفرعوني المعروف
بل كان يحلم بأنّه يُعَذَّب حتّى الموْت في سراديب المعابد الفرعونيّة فجافاه
النوْم وابتعد عنه الكرى فكان يظلّ أيّاماً مستيْقظاً يخاف أن ينام فتطارده
الكوابيس فرسم الإرهاق والتعب هالاته السوْداء حوْل عيْنيْه، إلى أن جاء يوْمٌ شعر
فيه "عبدون" بأنّ هاجساً يسيْطر عليْه ويأمره بأن يمسك ساطوراً ويبتر به
إصبعيْه الخنصر والبنصر من كل كفٍّ ثم يبتر يده اليمنى فلم يسع "عبدون"
إلّا أن يذعن للأمر ففعل ذلك وهو يصرخ متألماً بأعلى صوْته فاسترعى ذلك انتباه
جيرانه فنقلوه وهو ينزف إلى المستشفى.
وبعد أن تماثل للشفاء أفاق "عبدون"
- في المستشفى - على نفس الهاجس يناديه مرّةً أخرى فسكن الرعب بين أوْصاله وسرت في جسده قشعريرةٌ كادت تجمّد
الدم في عروقه وتوقِف قلبه فلم يشعر إلّا وهو يذهب لبيْته كالمسيّر فأخذ جوال
المسروقات وركب مركباً أقلّته إلى البر الغربي وصعد الربوة العالية التي بها مقبرة
الأميرة "ساتت حتب" مرّةً أخرى ودخل المقبرة المنهوبة ثمّ فتح التابوت
الصخري واستخرج المومياء الراقدة بداخله ووضعها على المنضدة الصخريّة التي تتوسّط
غرفة الدفن وأخذ يهذي بكلامٍ غريب وكأنّه يتلو تعاويذاً مخيفة ثمّ أطفأ الكشّاف
فغرقت المقبرة في الظلام وساد أرجاءها السكون الذي قطعته بعض الصرخات المكلومة
التي تردّدت بين الفيْنة والأخرى.
وبعد شهور عاد الأمن مرّةً أخري يرفرف على ربوع المدينة الساحرة وعاد الخفراء وعاملو وموظّفو وخبراء الآثار إلى مواقع عملهم وبدأ علماء الآثار في جرد المقابر ومحتوياتها لمعرفة ما تم نهبه وسرقته في الفترة الماضية، وعندما جاء الدور على مقبرة الأميرة "ساتت حتب" دخل العلماء فعرفوا أن اللصوص قد حاولوا سرقة محتوياتها ولكن لم يسعفهم الوقت أو هربوا فجأة دون أن يتمّوا جريمتهم فقد وجدوا جميع المحتويات كاملة داخل إحدى الجوالات حتّى تمثال "أنوبيس" وجدوه كما هو فيما عدا أنّه كان ملفوفاً برقائق من ورق الألومنيوم كما وجدوا مومياء الأميرة على المنضدة الصخرية وقد قُطِعَت يدها اليمنى وبعض الأصابع التي تم العثور عليْها بجانب المومياء ومعها جميع الحلي والأساور والخواتم غير منقوصة ولكن الأمر الذي لم يستطيعوا تفسيره أبداً هو وجود مومياءٍ جديدة داخل التابوت الصخري وقد انتزعت منها أحشاؤها من قلبٍ ورئتيْن ومصارين ووضعت أسفل القدميْن في حين لم يتم انتزاع العيْنيْن اللتيْن وُجِدتا جاحظتين في محجريْهما وقد بدت عليّهما ملامح الفزع والرعب وعندما شرع العلماء في فك لفائف هذه المومياء الغريبة بدأ جلد ولحم الجثّة ينسلخان مع لفائف القماش فتوقّفوا عن ذلك، أمّا ما جعلهم يتسمّرون في أماكنهم مستبعدين أن يكون صاحب هذه المومياء من المصريّين القدماء ما وجدوه فوْق اللفائف حوْل معصم اليد اليسرى : ساعةٌ سويسريّة الصُنْع.