"شيء من الخبث" | الفصل الثامن (3)
أمّا على الجانب الآخر فقد جلس
"عتريس" مع رجاله في "دره" يتباحثون كالعادة في كيفية التغلب على
الاعتصام الحالي لأهل البلد في الساحة الأماميّة لدوّار العموديّة ليطووا صفحة
جديدة من صفحات الثوْرة أو بالأصح ليتخلّصوا من جزءٍ مهم من الثْوْرة وليقطعوا
خطوةً أخرى من خطوات القضاء على الثوْرة والاستمرار في حُكم البلد.
"عتريس" ضَجِراً:
- وبعدين يا رجّالة.. هوَّ احنا كل كام يوم
أهل البلد الرمّة دول ح يطلعوا لنا ف مقدّر جديد؟.. ح نعمل إيه ف المظاهرات
الآخرانيّة دي؟
"طهطاوي" :
- يا عمدة.. هوَّ انت لسّه بتتهّز من
المظاهرات دي؟.. ما خلاص راحت عليها.. ده الوقت والحمد لله عدد الناس بقى قُليّل
قوي ف الساحة.. والمظاهرات بقت ما تهزّش حتّى عود برسيم ف الغيط.. شويّة وح تلاقي الناس
زهقت وروّحت.. سيبهم يهوْهووا شويّة.. هيَّ الهوْهوَة عليها جُمرك؟.. صدق اللي قال:
إيش يضّر السحاب من نباح الكلاب.
"عدنان" متسائلاً ومتخوّفاً في آنٍ
واحد :
- ولو الموضوع طوّل يا سي "طهطاوي"
ح نعمل إيه؟
"طهطاوي" :
- ح ناخد أي قرار.. ح تلاقي الناس ما ح يصدّقوا
وح يكتفوا بالقرار ده ويفتكروا إن مظاهراتهم جابت النتيجة اللي همَّ عايزينها.. وطوّالي
على بيوتهم.. على رأي المثل: أصحاب العُرْس مشتهين المَرَق.
"الجويني" :
- قرار زي إيه يا آبا "طهطاوي"؟
ورد "طهطاوي" بلا مبالاة وهو يلف
سيجارة من التبغ :
- أي حاجة.. إن شا الله نأخّر الساعة خمس
دقايق.
"عتريس" :
- أقول لكم انا.. نشيل الواد الماسخ ده اللي اسمه
"عصام شلش".. الناس اتخنقت منه.. وبصراحة انا كمان.. ما تفهمش الجدع ده
تقيل ع القلب كده ليه؟.. مع إنه ما حدّش بيسمع له صوت ولا يحّس بيه.. بس تلاقيه ضِلِم
كده ومقَفِّل.. وكمان "عويس" شيخ الغفر اتحرق هوَّ التاني.. البعيد
عمّال يحلف للناس بشرفه إن ما فيش حد من غفره ضرب نار.. ناقص يحلف لهم برحمة أُمُّه.
"عفارة" :
- أومّال ح نجيب مين مكانهم يا سي "عتريس"؟
"عتريس" وهو يعاني حتّى يستدعي ذاكرته
:
- نجيب مين؟.. نجيب مين؟.. آه.. نجيب
"عارف صدقى".
"عليش" :
- طولة العُمْر لك يا عمدة.. ده الله يرحمه اتخرّج
من سنين طويلة.
"عتريس":
- خسارة.. مع إنه كان راجل طيّب برضه وريحه
خفيف.. بقى نمشّي واحد ميْتان ونجيب واحد ميّت؟.. مش مهم.. مش مهم.. فيه مين من
الناس بتوعنا كان ماسك شياخة البلد ولسّه حَي ع الفلاح؟
"الجلّا" :
- فيه "عارف" التاني ده يا عمدة.. "عارف"
إيه؟.. اللّهمَّ صلّي على النبي.. راح من بالي نأبه خالِص.
"جاهين" :
- قصدك على "عارف عبيس"؟
"الجلّا" وقد تذكّر أخيراً :
- أيوه.. إسم الله عليك حارسك وصاينك.. هوَّ ده..
أهو شغّال لغاية ده الوقت وصحّته زي البُمب ما شاء الله.
"طهطاوي" :
- إصحي يا له يا مهبوش انت.. ما هو راخر
متحاش هنا ف "دره".
"بدير" :
- إنتم ناسيين "الدكرورى"؟.. ما هو
قاعد فاضي ده الوقت بعد ما طلع ع المعاش واتكهّن.. ده انا باشوفه كل يوم على الترعة
ماسك البوصة المالطي بتاعته وبيصطاد شبار.. ويا ريته بيعكُش سمكة يتيمة حتّى.. ده
كل اللي بيطلع له ف السنّارة شباشب.. وبقى مزاجه ده الوقت يجوّز الشباشب ويصلّحها.
"عتريس" :
- حلِوْ ده.. هاتوه وخلّوه يمسك شيخ البلد.. أهو
راخر بلا طعم ولا ريحة.. نجيبه يمين وشمال زي ما احنا عايزين وما يعصلجش معانا.. مش
عايزين واحد فِطِن أحسن يخفِس بنا الأرض.
"بدير" :
- أنا ح اروح افرّحه بالبُشري دي.. ده مش ح
يصدَّق نفسه.
"طهطاوي" :
- مش قوي كده.. دول همَّ يومين اللي ح يقعدهم
وبعدين ح يركن على جنب هوَّ كمان.
"عتريس" :
- خلاص شوفوا ح توصّلوا الخبر ده ازاي للناس؟..
خلّيهم يهبطوا ويتلهوا على عينهم ويتنيّلوا يروّحوا.
"طهطاوي" :
- مش على طول كده يا عمدة.. خلّيهم يرصرصوا م
البرد الأول ويجيبوا آخرهم.. وبعد كده ح نشيّع لهم حد من رجّالتنا اللي موجودين
وسطيهم يقول لهم على الخبر ده.. ح تلاقيهم باسوا إيديهم وِش وضَهر وقالوا بارك
الله فيما رزق وراحوا يتدفّوا ف بيوتهم.. دول عالم مش واخدة ع الشقا والمعافرة.
"عدنان" :
- طَب وح نعمل إيه ف موضوع "فؤادة"
اللي طَفَشِت دي؟
"طهطاوي" :
- ما انا قلت لكم قبل كده ما حَدِّش له صالح بحكاية "فؤادة" دي خالص.. ما حَدِّش يجيب سيرة بالموضوع ده علشان أهل البلد ما يعرفوهوش.. وما حَدِّش يدوّر عليها إلا امّا أأمركم بكده.. أنا أقدر أجيبها ف خمس دقايق.. بس مش وقته الكلام ده.. فيه ورانا حاجات أَهَم.