"شيء من الخبث" | الفصل السابع (3)
- تعجبني.. بص يا سيدي.. أنا عارف إن عينيكم
ح تطلع ع المجلس من زمان.. ماشي خدوا المجلس.. بس مش كُله.. رُبعه بس.. مش ح اقول
لك خُمس المجلس زي ما "عتريس" ادّاكم قبل كده.
- إيش معنى رُبعه يعني؟
- علشان انا كمان ليَّ مصالح مع ناس تانية
غيركم.. ولازم أراضيهم همَّ كمان.. هو انت عايز تِـهِف الطبخة كلّها لوحدك؟
- لأ مش لوحدي.. بس ربع المجلس قُلَيّل برضه..
ما تنساش إن إخواني كتير.. أكتر من الناس التانية اللي بتتكلّم عنها دي.
- يرضيك كام؟.. تِلْت المجلس حلو؟.. أقول لك..
أنا علشان مجيّتك لحد عندي أنا ح ادّيك نص المجلس.. مش خسارة فيك.. يعني هوَّ ح
يجيني أعّز منك.. واهي الصناديق بتاعتنا وح تبات ف حُضننا وح نعمل فيها ما بدا لنا
براحتنا.. علشان كده ح اخلّي الانتخابات على يومين بعد ما قلت يوم واحد.. ده بفرض
إننا احتاجنا نلعب فيها.. مَرْضي يا عم؟
- ما هو يا سي "طهطاوي"....
- باقول لك إيه؟.. ما تبوّخش.. كفاية النص.. ولو
مش عاجبك ح تشوف مني الوِش التاني.. فيه غيرك كتير يتمنّوا يخدمونا.. أهو"شحاته"
زمانه ح ييجي لي ده الوقت.. أنا ح اتفق معاه هو.. ده يتمنّي لي الرِضا أرضى.
- لأ لأ خلاص.. اللي انت تأمر بيه ماشي.. بس
أنا ليَّ كام طلب صغيّر كده.
- آآآه.. ح نبتدي بقى شغل حلّق حوش بتاعكم ده..
عايز إيه؟
- لنا كام واحد كده محجوزين ف النقطة عايزينك
تطلّعهم.
- ماشي.. بس تسيْطر عليهم وتخلّيهم يسمعوا
كلامك ويلمّوا نفسهم بعد ما يطلعوا.. وإلّا وربّنا المعبود لو مسكناهم المرّة
الجايّة ما ح يشوفوا الأسفلت تاني.
- وكمان تساعدونا ف الانتخابات.
- إنتم محتاجين يا خويا!.. ده احنا من ساعة
ما قلنا يا انتخابات وانتم ديلكم ما انتناش تحتيكم.. ودايرين تلفّوا ف البلد زي الجارودة..
ما فيش لازمة بقى للعمايل دي.. ما انتم ح تاخدوا نصه اهو.. وفّروا فلوسكم.
- عندك حق.. أنا حتّى ح اتعوج على بقية
الجماعات وح اتعامل معاهم من فوق.. وكمان ح اطلع من التحالُف اللي كنت عامله معاهم
علشان ندخل المجلس.. ما احنا كده كده ضامنين ناخد نصه.. إن شا الله لو رشحنا كلب ميّت.
- وان شاء الله لو اتجدعنت معايا كده وحصل
اللي انا عايزه.. المرّة الجايّة ح ادّيهولك كلّه.
- بس برضه عايزين نحبّب الناس فينا أكتر.. يعني
يا ريت لو تدّونا لحمة من مزارع الهجّانة أو شاي وسكر ودقيق وغيره من مخصّصات
الهجّانة.. ونوزّعها على الناس بمعرفتنا وباسمنا.
- إعتبره حصل.. وح ندّيكم فلوس كمان.. وح
نسيب حنفيّة الفلوس اللي جايّة لكم من برّه مفتوحة ومش ح نقفلها لكم.. ولو انكم
برضه مش محتاجين الكلام ده.. الإخوان بتوعك الناس بتحبهم إكمنهم فنجريّة بُق ولسانهم
حلو مع كل الناس وبيموّتوا نفسهم علشان ما يخسروش حد.. إلّا صحيح سمعت النكتة اللي
الناس مطلّعاها عليكم؟.. قال إيه واحد من اخوانك المترشّحين دخل داره لقي مَرَتُه
مع واحد غريب قام واخد بعضه وطلع بَرّه وخد الباب وراه بالرّاحة وسابهم لحالهم
علشان ما يخسرش صوتين.. هأوأوأو.
- دي ناس ما عندهاش خِشى.. وإن شاء الله لمّا
ناخد نُص المجلس ح نعرف نأدّبهم كويس.. وح نعمل لهم قوانين ولوايح توقّفهم عند
حدّهم.
- طيّب يا عم المؤدّب.. إتّكل انت بقى من غير
مطرود واعمل اللي اتفقنا عليه.. لِف له شويّة فاكهة ف قُرطاس يقزقزهم وهوَّ مروّح
يا "مصيلحي".
- مش ح اكسفك يا سي "طهطاوي".. تعيش
وتهادي.. بس خلّيهم قرطاسين لاجل ما ادخلش ع المأمور بإيدي فاضية.. حاكم اصله شيّع
لي علشان اقابله ده الوقت.
- ماشي كلامك.. خلّيهم قرطاسين يا وله.. إنت
عارف يا "وديع"؟.. أهو انا اتطمّنت لك ده الوقت علشان ما خبّيتش عليَّ ميعادك
مع "أسامة" بيه.
- يا سي "طهطاوي" ما انا عارف إنكم
واحد وما بتخبّوش على بعض حاجة.. وبعدين انا محسوبك ومحسوبه.. وربّنا يديم المعروف.
وخرج "وديع" وترك "طهطاوي"
الذي عاد للصياح على "مصيلحي" :
- يا "مصيلحي".. يا "مصيلحي"..
إنت نايم على ودانك يا له.. هات لي بقى اتعشّي تاني.. حاكم الواحد جاع من كتر
المناهدة مع ولاد اللئيمة دول.. مش عندك بقية الويكة باللحمة؟.. سخّن الحلة كلها..
أهو"شحاته" زمانه جاي وح ياكل معايا.. راخر ما بيعتقش.. وبيحب الطبيخ زي
عينيه.
واستكمل كلامه ولكن في سرّه :
- خلّيني اتفق معاه راخر وادخل اتخمد لي كام
ساعة.. بس لو عمل قرد مش ح ياخد غير ربُع المجلس بس.. آه.. لازم أمسك على إيدي
بقى.
أمّا في نفس الوقت وفي "كفر
الأماريك" حيث مقر عمل المأمور "أسامة" فقد كان "شحاته"
ينتظر طويلاً خارج مكتبه بناءً على الموْعد المتَّفَق عليه؛ فقد كان المأمور يرتّب
وينسّق مع "طهطاوي" لإحداث انقساماً وصدعاً هائلاً بيْن الثوّار في الساحة
الأماميّة وبيْن الإسلاميين أو قُل المتأسلمين حتّى يتم القضاء على الثوْرة قضاءً
مبرماً ويظل العسكر على رأس العموديّة فهم أسلس انقياداً لأوامر المأمور
"أسامة" أو أي مأمور يتناوب معه العمل في "كفر الأماريك"، وكان
"شحاته" متنكّراً في زيّه حتّى لايشعر به أحد من أهل البِلْدَة وهو يسعي
لمقابلة "أسامة" سرّاً في حين أنه كان يجاهر بانتقاده ومناصبته العداء، وتخلّي
"شحاته" عن جلبابه واستبدله خيراً بقميصٍ أبيضٍ طويل مُقْفِلاً كلَّ
أزراره ومُخْرِجاً إيّاه من السروال القصير الذي يكشف جزءاً من ساقيْه فوْق الحذاء
فلم يكن يرتدي جورباً لأنه لم يأتِ بشأنه نَصٌ صريح، وطال انتظار
"شحاته" حتّى سُمِح له أخيراً بالدخول فدخل وهو وَجِلٌ مضطرب مهابةً وإجلالاً
للمأمور وألقي السلام في خضوعٍ وخنوعٍ وخشوع وهو يزدرد ريقه الذي جَفَّ فجأة:
- دستور يا سيادنا.. السلام على من اتّبع
الهدى.
وردَّ عليه "أسامة" بإيماءة موجزة
من رأسه وأشار له بالجلوس وقام بالضغط على زرٍ من الأزرار العديدة التي أمامه على المكتب
الفخم ليستدعي أحد العساكر وأمره بتقديم واجب الضيافة ثم بدأ في التحدث:
- إزّايك يا "شهاته".
- "شحاته" يا معاليك.
- مش ح تفرق.. أنا سمعت إنك مهم في "الدهاشنة"
وليك أتباع كتير.
- هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر.
- طيب كويّس.. عال عال.... أدخل.... سيب
الصينية هنا ع المكتب يا "جورج".... إتفضل يا "شهاته".
- أتفضل إيه يا باشا؟.. إيه العصاية دي؟
- دي سترو.
- نعم؟
- يعني شاليمو.. يعني شفّاطة.
- أعمل بيها إيه لا مؤاخذة؟
- ح تحطها هنا.. ف الكوبّاية.. وتشرب بيها.
- يا سلام !.. همَّ يعني السلف الصالح كانوا
بيشربوا بالشطّافة دي؟.. دي بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.. أعوذ بالله.
- شطّافة؟.. هيَّ بقى اسمها كده؟.. طب خلاص
سيبك منها.. إنت ح تعملها شغلانة ليه؟.. إشرب م الكوبّاية على طول.
- أشرب إيه يا سيّدنا؟.. إيه البتاع الأحمر
اللي ف الكوبّاية دي؟.. مُنْكَر؟
- منكر إيه بس.. ده عصير فراولة.
- وماله أحمر قوي كده ليه والعياذ بالله؟.. ألّا
يكون داخله كحول ولّا حاجة؟.. لأ لأ.. متشكر يا باشا.. أنا لا باشرب عصير ولا باستخدم
الشطّافة.
- إنت ح تغلّبني معاك ليه.. يا
"جورج".. شيل الصينية دي.. وهات له قصعة شوربة.
- شوربة إيه؟.. أوْعي تكون شوربة خنزير؟
- ما تجيبش حاجة خالص يا ابني.. أنا ناقص وجع
قلب على آخر الليل.. أنا روحي بقت في مناخيري خلاص.. ح نضيّع نص الليلة ف العصير والشطّافة..
يوه قصدي الشفّاطة.. الله يخرب بيتك نضحت على.. اسمع بقى وما تقرفنيش.. همّ كلمتين..
ح تسمعهم ح احبّك واسيبك براحتك واطلّعك فوق كمان.. ح تتلامض وتعمل لي فيها شريف ح
تاخد فوق دماغك زي زمان وتروح دوغري ع السجن ابو جردل من غير شطّافة.
- لأ.. وعلى إيه.. ليقضي الله أمراً كان
مفعولاً و إلى الله تُرْجَع الأمور.
- "طهطاوي" ح يبقى يتكلّم معاك ف اللي
يخصّه.. إنما انا بقى اللي يخصّني انك انت وجماعتك تمشوا زي ما انا عايز.. مش عايز
دوْشة ف المنطقة.. والحاجات اللي بينكم وبين البلاد اللي حواليكم تفضل زي ماهي.. يعني
ما تتكلّموش مع "محلة إيران".. أنا لسّه ح اروق لهم بعدين علشان شمّوا نَفَسهم
زيادة عن اللزوم.. وعمدتهم ده اللي اسمه "أحمد المنجّد" عامل لي فيها
فونت.
- إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً لست
منهم في شيء.
- وما تساعدوش البلد اللي ما تتسمّاش دي اللي
أوّلها فَلَس وآخرها طين.. أظن انت فاهمني.. هه.. يعني ما تدّوهمش بنادق ولا حتّى مطاوي..
وتقطعوا عنهم الميّه والنور.. مش انا احاصرهم وانت تعمل لي فيها ابو الشهامة انت وجماعتك
وتساعدوهم من تحت لتحت.
- لا ضرر ولا ضرار.
- وكمان بقية البلاد التانية يبقى كلامكم
معاهم بحساب.. يعني صباح الخير يا جاري انت ف حالك وانا ف حالي.. ما تتداخلوش مع
بعض.. عايزكم لا تهشّوا ولا تنشّوا.. وجودكم زي عدمه بالظبط.. مش تعمل لي فيها شيخ
العرب وتتصاحب لي على كل واحد شويّة.
- ده انا حتّى مش رطراط.. وبيقولوا على برّاوي.
- إنما بقى مع "الكهاينة" تبقوا
سمنة على عسل.. والاتفاق اللي اتعاهدوا عليه مع "عتريس" والعمدة اللي قبله
لازم تحترموه.. لا يتعدّل ولا يتلغي.. بالعكس تتزاوروا وتتعاونوا زي الاخوات تمام.
- والذين هُم لأماناتهم وعهدهم راعون.. وبعدين
انا ما عنديش مانع نقعد مع بعض ويبقى فيه كلام بيننا.
- خلاص.. مع السلامة.. شوف مصلحتك.
- طب انا كنت عايز حاجة كده ومش عايزك تكسفني.
- بلاش رط كتير.. بعدين نبقى نتكلّم.. أنا مش
فاضي للكلام والحديت الليلة دي.. وبعدين "وديع" زمانه جاي ومش عايزه
يشوفك عندي.. حاكم هوَّ رجليه واخدة على هنا وعارف زخانيق المكان كويّس.. وانت
عارفه مش بيطيقك وممكن ياخد على خاطره لمّا يعرف إن فيه بيننا كلام.. أصل انا باحضّره
علشان ح يبقى له دور كبير الأيّام الجايّة.
- حاضر حاضر.. عَمْتَ مساءً ونَعَمْتَ هناءً.
- عَمْت إيه؟.. وبتاع إيه؟.. ماشي ماشي.. مع
السلامة.
وانصرف "شحاته" تاركاً
"أسامة" يضرب كفّاً بكف مُحَدِّثاً الهواء:
- إيه ده؟.. فيه كده؟.. أنا كنت قاعد مع مين؟..
"أبو سفيان"؟.. الله يحرقك ويحرق كلامك.
وهكذا تم ترتيب الأمور لتسير كلها في الاتّجاه الذي يريده المأمور والعمدة وكبار البلد وليتم تفريغ الثوْرة من مضمونها الذي قامت من أجله أو بالأصح إجهاض الثوْرة.