أصبح التناقض الفج والازدواجيّة الصارخة
للمواقف الغربيّة أمريْن مألوفيْن لا يثيران أي انتباه بسبب بحث الغرب الدائم عن
مصالحه بغض النظر عن المبادئ التي يتشدّقون بها منذ زمنٍ بعيد .. وظهر ذلك جليّاً
في الحرب الروسيّة على "أوكرانيا" وما صاحبها من تطبيق عقوباتٍ غربيّة (اقتصاديّة
وسياسيّة ورياضيّة وحتى فنيّة) على "روسيا" (في حين أن نفس هذه القوى
الغربيّة لم تقوَ على فرض أي عقوباتٍ أو حتى انتقاداتٍ للكيان الصهيوني الذي يعتدي
يوميّاً على أرض وشعب "فلسطين") .. كما ظهر أيْضاً في تعاطي الغربيّين
مدّعيي المساواة والحريّة لقضيّة المواطنين ذوي الجنسيّات المختلفة الذين فرّوا من
"أوكرانيا" ولجأوا للبلاد المجاورة لها عندما تم التعامل بمنتهى
العنصريّة مع هؤلاء المواطنين والتمييز بينهم على أساس جنسيّاتهم ودينهم ولون بشرتهم أيْضاً .. وها هي "فرنسا" الآن تعترض على بعض الصور الكاريكاتيريّة التي نشرتها السفارة الروسيّة في "باريس" بحجّة إساءتها
للدول الأوروبيّة بعد أن دافعت نفس الدولة (على لسان رئيس وزرائها ومسؤوليها) عن
راسمي وناشري الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة لرسولنا الكريم (محمد صلّى الله عليه
وسلّم) منذ عامٍ ونصف بدافع حريّة التعبير والنقاش العقلاني والحفاظ على القيم
العالميّة والغربيّة والمهلبيّة كذلك.
أنا هنا لا أتحدّث عن المواقف المنحطّة للإعلام الغربي الذي يبحث عن مصالح بلاده أوّلاً وأخيراً بل أتحدّث عن المواقف المخجلة للإعلام العربي الموالي والتابع للغرب والذي ملأ الدنيا صراخاً وعويلاً اعتراضاً على حملات مقاطعة الشعوب العربيّة للمنتجات الفرنسيّة بهدف الضغط عليها لعدم نشر المزيد من الرسوم المسيئة لنبي الرحمة .. هؤلاء الإعلاميّون الذين يخذلون مجتمعاتهم ويحاولون التأثير عليها وغسل أدمغتها وتسطيح وعيها بناءً على ما يمليه عليهم أسيادهم يجب عليهم أن يخجلوا من أنفسهم ويدركوا أن مصيرهم ومآلهم إلى مبولة التاريخ بعد أن امتلأت مزبلة التاريخ بأمثالهم منذ وقتٍ بعيد.