بئر الجحيم (1)
قاربت الساعة على
التاسعة مساءً حين وصل "حسّان" لمشارف "العطفة الجوّانيّة" -
تلك المنطقة العشوائيّة المزدحمة بحي "الجماليّة" بوسط
"القاهرة" - فتوجّه لشقّة صديقه "فريد" وداس بلهفةٍ على جرس
بابها عدّة مرّاتٍ متتالية حتّى فتحت له زوْجة صديقه "صفيّة" التي كانت
ترتدي ثوْباً ضيّقاً من الستان الأحمر الفاقع فسألها "حسّان" بصوتٍ خفيض
وهو يحملق فيها من أعلى إلى أسفل مستعرِضاً مفاتنها:
- جوزِك هنا؟
فأجابته بنبرةٍ
خافتةٍ هي الأخرى فقالت :
- أهو متلقّح نايم
جوّه.
فتشجّع
"حسّان" واقترب منها وحاول أن يلف يديْه حول خصرها قائلاً :
- طب ما تجيبي قطّة
ع الماشي كده.
و لكنها دفعته بلطف
وهي تهمس في دلال :
- يا راجل اهمد..
الراجل يصحى ولّا حد م الجيران يشوفنا.. إنت إيه؟.. ما بتشبعش؟.. إحنا مش كنّا مع
بعض أوّل امبارح الصبح لمّا المنيّل على عينه كان ف الشغل.
فردّ عليها وهو
يتحرّق من الشوْق :
- مش قادر.. عايزك
تبقي معايا على طول.
وغمزت له الزوْجة
الخائنة بعيْنها اليمنى وهي توشوشه في إغراء :
- خلاص.. إعمل اللي
اتفقنا عليه وانا ح ابقى ف حضنك كل يوم.
فجاوبها وهو يضغط
على مخارج الحروف دليلاً على تصميمه الشديد وعزمه الأكيد :
- ح يحصل.. ما انا
جاي علشان كده.
وقبل أن يسترسل
العشيقان الخائنان في حديثهما خارج الشقّة كان الزوْج المخدوع فيهما قد استيّقظ
على صوْت الجرس فتوجّه إلى الصالة وأطلق العنان لحنجرته فصاح بصوْتٍ جهوري :
- مين يا
"صفيّة" اللي ع الباب؟
فأجابته متلعثمةً وهي
تتلجلج :
- آآآآ.. ده سي
"حسّان".
فاستنكر
"فريد" وقوف صاحبه بالباب ودعاه إلى داخل المنزل قائلاً :
- ما تدخل يا عم..
هوّ انت غريب.
- معلهش بقى لو كنت
جاي ف وقت مش مناسب.. بس انا قلت أطمّن عليك لمّا ما جيتش القهوة النهار ده.
- يا راجل ده بيت
اخوك.. تيجي ف الوقت اللي يريّحك.. أقعد أقعد.. ده انا بس اللي طوّلت ف نومة الضهر
النهار ده.. أصل الشغل ف الشركة الصبح كان قتْل.
- ربّنا يكون ف
العون.. علشان كده انا جاي لك ف موضوع ح يريّحك م القرف ده.
- خير؟.. لقيت لي
شغلانة أريح؟
- هيّ مش أريح قوي..
بس لو تمّت زي ما احنا عايزين ح تتفتح لنا طاقة القدر.. ح نبقي أغنيا قوي..
مينيونــ.. آآآ.. ميريووونيراااات لا مؤاخذة.
- "حسّان"..
إنت عارفني.. ما باحبّش الغلط.. طول عمري ف حالي وعارف ربّنا كويّس
- ومين قال لك إنّنا
ح نعمل حاجة تغضب ربّنا بس.. هوّ لو جدّك ساب لك كنز ودفنه ف بيتك هنا وانت طلّعته
مش يبقى حلالك؟
- آه.. بس....
- من غير بس.. إنت
عارف إنّي أصلاً م الصعيد وجيت هنا مع ابويا الله يرحمه من زمان.. وعندي بيت وارثه
منّه ف نجع اسمه "الطارف" ف البر الغربي "للاقصر".. والبيت ده
ف آخر النجع على الطريق اللي بيودّي لمساكن الزلزال هناك.. بين "وادي
الملوك" ومعبد "حتشبسوت".. الحتّة دي مليانة آثار وناس جيرانّا
هناك لقوا آثار بالهبل وباعوها بألوفات واتنطروا نطرة تانية خالِص.
- بس دي سرقة يا
"حسّان".. المفروض الآثار دي مِلك البلد.
- لا يا حبيبي..
الآثار دي مِلك اصحاب البلد.. اللي همّ احنا.. أجدادنا سابوها لنا من زمان.. مش
سابوها للمتاحِف والمعارِض اللي ما جا لناش من وراها حاجة وقاعدين بنكح تراب زيْ
ما احنا.. الحق يقول إن اللي يلاقي حاجة ف أرضه أو ف بيته تبقى بتاعته مش بتاعة
الحكومة.. يعني لو انا لقيت ف بيتك هنا ورقة بعشرة جنيه أروح اسلّمها للحكومة ولّا
ادّيها لك بصفتك صاحب البيت؟
- أيوه.. لكن....