إيمان البحر درويش بين الشهرة والشخرة
بدايةً اعذروني على استخدام كلمة
"شخرة" في عنوان هذه التدوينة ولكنها كلمةٌ عربيّةٌ بالفعل تعني:
"صوتٌ مُشابِه لصوت شَخير النائم الذي يصدر من الحلْق والأنف ويستخدم
هذا الصوت من قِبَل العامّة والدهماء للتعبير عن السُخرية والازدراء وهو صوتٌ
مُستقبَح" .. وللأسف لم أجد كلمةً أخرى أقل وطأة تصف ما صدر من مطربنا
المحبوب في الفيديو الأخير له.
وأنا الآن لا أعلّق أو أُبدي رأيي كواحدٍ من
معجبي ومحبي هذا الفنّان الجميل المثقّف – الذي هو فعلاً واحدٌ من أكثر (إن لم يكن
هو الأكثر بالفعل) مَن شدوا للوطن بأغانٍ رائعةٍ ذات معانٍ راقية بدافعٍ شخصي منه
(دون تكليفٍ رسمي) وعلى نفقته الخاصّة – الذين استاءوا كثيراً من هذا الفعل المشين
الذي يستخدمه السوقة والغوغاء والذي يتنافى تماماً مع تاريخه الوطني الناصع وأخلاقه
الرفيعة التي عهدناها فيه طيلة العقود الماضية رغم الحروب العديدة التي تعرّض لها
وخاضها بشرف دون التدنّي لمستوى مَن يحاربونه ويحاولون النيْل منه بسبب احترامه
لنفسه ولعائلته الكريمة التي أتى على رأسها فنان الشعب "سيّد درويش".
ولكنني الآن بصدد الإدلاء برأيي الطبّي
كواحدٍ من دارسي الطب منذ أكثر من خمسةٍ وثلاثين عاماً .. فقد يرى الناس أن
"إيمان" قد فقد صبره ورباطة جأشه أخيراً بعد كل هذا الهجوم الذي تعرّض
له فانفجر دون وعي بصورةٍ مسيئة ونسى أنه ليس مجرّد مطرباً شهيراً فحسب بل هو
قدوةٌ ونموذجٌ لشريحةٍ كبيرةٍ من الشعب المصري والعربي وأنه بذلك قد أعطى الفرصة
الذهبيّة لمهاجميه بأن يستغلّوا تلك الزَلّة ضده .. أمّا أنا فأرى – كطبيب – أن
حالته الصحيّة ربما تكون هي السبب الذي غيّر شخصيّته وسلوكه فخرج عن طباعه وخرج عن
طوره المعهود والمعروف بالأدب والجدال بالتي هي أحسن والذي ألزم نفسه به طوال عمره
.. بالطبع هو رجلٌ عاقلٌ متّزن مسؤولٌ عن تصرفاته .. ولكن المرض العضوي غالباً ما
يؤثّر في السلوك والتصرّفات.
في دول العالم المعروف عنها التقدّم الطبّي
لا يعالجون الأمراض عضويّاً فقط بل نفسيّاً وسلوكيّاً أيضاً .. فالمريض المصاب
بورمٍ مثلاً يباشرونه بالأدوية أو بالجراحة وبالعلاج النفسي أيضاً .. والشخص الذي
تعرّض لحادث سيّارة على سبيل المثال لا يُعالَج طبيّاً للشفاء ممّا سبّبه له
الحادث من كسورٍ وجروحٍ فقط بل يُعالَج أيضاً من الآثار النفسيّة المترتّبة على ذلك
الحادث .. ويبدو أن إصابة "إيمان" منذ حوالي ثلاثة أعوام بنزيفٍ حادٍ بالمخ – أنقذه الله منه بفضله وكرمه تعالى – كان له مضاعفاتٌ أخرى أثّرت بشكلٍ مباشر على حالته النفسيّة (ولا أقصد حالته العقليّة
التي هي على أحسن حال والحمد لله) وردود أفعاله .. ومن المعروف أن الإصابات
الدماغيّة كالإرتجاج أو النزيف أو الجلطة يمكنها أن تؤدي إلى خللٍ واحدٍ أو أكثر
مما يلي:
· خلل في الاتصالات بين الخلايا العصبية والأوعية الدموية في
المخ أو ما يُسمَّى باقتران الأوعية الدمويّة / العصبيّة.
· خلل في الوصلات التي تنتقل من القشرة الدماغية (جزء الدماغ
الذي له دور في الذاكرة والانتباه والإدراك والوعي) إلى الجهاز الحوفي (جزء الدماغ
الذي يدعّم وظائف مثل العواطف والسلوك والدافع).
· خلل في التنظيمات بين التلفيف الحزامي أو الجزيرة الأمامية
(كلاهما مناطق دماغيّة تشارك في العواطف وتتحكّم في الانفعالات).
وفي معظم المرضى تعود تلك الاتصالات والوصلات
والتنظيمات إلى طبيعتها بعد بضعة أسابيع ولكن في ما يصل إلى 30٪ من
المرضى تكون طويلة الأمد .. ويتسبّب ذلك الخلل في القدرة على استيعاب المعلومات
ومعالجتها وإدراكها وفي ردود الفعل العاطفية والاستجابة الطبيعية للأحداث .. ويظهر
ذلك الخلل على شكل مجموعة أعراض وتغيّرات سلوكيّة ومزاجيّة قد تحدث كلها أو بعضها مثل: رد الفعل
المفرط الدراماتيكي تجاه الأمور البسيطة أو العادية – التهيّج ونوبات الغضب
وتقلّبات المزاج – الشعور بالقلق – الشعور بالحزن أو الفقد – الضعف العاطفي (سهولة
الانتقال بين البكاء والضحك وبين الحزن والفرح وبين الغضب والسكينة وبين الرفض
والقبول) – صعوبات في التركيز والتشتّت بين الأفكار وقِلّة القدرة على ترتيب
الكلام أو الاسترسال في الحديث والتضارب بين عدّة مواضيع تقفز فجأة في سياق الحديث
ولا تربط بينها علاقة – الاندفاع في الحديث أو الفعل دون رويّة – الارتياب في
نوايا الغير وتفضيل الصدام ضده على التفاهم معه – اضطرابات في النوم – عدم
الانفتاح على الغير والانطوائية وعدم الاستمتاع بالمحادثات والتصرّف بطريقة غير
اجتماعيّة خشنة وفظة دون كياسة وربما الاكتئاب.
ربما كنت مصيباً أو مخطئاً في هذه الرؤية الطبيّة والتحليل النفسي لفيديو المهندس والمطرب "إيمان البحر درويش" (وليس التحليل النفسي له شخصيّاً) ولكنني بالطبع لا أبرّر ما فعله .. فقط ألتمس له بعض العذر بسبب حالته الصحيّة التي أدعو الله أن يشفيه منها ويحفظ لنا صحتنا جميعاً .. كما أدعوكم لعدم القسوة عليه من أوّل خطأ وأن تذكروا له سجّله الحافل بحسن الخُلُق ودماثة الطبع وألّا تربطوا بين الشهرة التي يتمتّع بها والشخرة التي ندّت عنه .. ولا تنسوا أننا جميعاً معرّضون للمرض العضوي أو النفسي أو حتى الموت إذا شاء الموْلى عز وجل .. هداه الله وإيّانا.